"يهودية الدولة".. شعار معسكر نتنياهو العنصري ضد الأحزاب العربية في الانتخابات الإسرائيلية
دخلت الانتخابات الإسرائيلية العامة، وهي الخامسة من نوعها، التي تُجرى منذ حل آخر حكومة لبنيامين نتنياهو، في ديسمبر/كانون الأول من عام 2018، مرحلتها الحاسمة، دون أن تبدو في الأفق نذر تغيير في موازين القوى السياسية، وفرصة حقيقية لأي من المعسكرين؛ معسكر اليمين المعارض، بقيادة رئيس الحكومة الأسبق بنيامين نتنياهو، ومعسكر رئيس الحكومة الحالية بقيادة يئير لبيد، في كسر حالة الجمود بالوصول إلى 61 مقعداً، على الأقل، من أصل 120 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي، لتشكيل ائتلاف حكومي ثابت، دون الحاجة للعودة لانتخابات جديدة.
وتبدي الاستطلاعات العامة في إسرائيل استمرار حالة التعادل بين المعسكرين. وفي حين يحوز معسكر نتنياهو 60 مقعداً، أو حتى 59 مقعداً، يحوز المعسكر المناهض له، والمؤيد لرئيس الحكومة الحالي يئير لبيد، 56 مقعداً، وهناك 4 مقاعد، وفق الاستطلاعات الحالية، من نصيب قائمة التحالف "الجبهة - العربية للتغيير".
ومع أن قائمة التحالف هذه تأسست بعد إقصاء حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وتفكيك القائمة المشتركة، ومعها عدديا 6 مقاعد، كي تكون كفة مرجحة للحكومة المقبلة، حتى دون المشاركة فيها أو في الائتلاف الحكومي، إلا أن قوتها تراجعت حسب الاستطلاعات الأخيرة إلى 4 مقاعد، مع تخوف من عدم قدرتها على اجتياز نسبة الحسم، شأنها في ذلك شأن قائمة التجمع الوطني بقيادة سامي أبو شحادة.
المعسكر المؤيد لنتنياهو مكوّن من أربعة أحزاب أساسية هي: "الليكود" بقيادة نتنياهو، و"شاس" حزب الحريديم السفارديم الشرقيين بقيادة أريه درعي، و"يهدوت هتوراة" (تحالف حزبي اليهود الحريديم الغربيين؛ ديغل هتوراة وأغودات يسرائيل) بقيادة موشيه غافني، وتحالف الصهيونية الدينية مع حزب القوة اليهودية الكهاني بقيادة بتسليئيل سموطريتش. ومع بقاء أسبوعين على الانتخابات يمكن القول، إن هذا المعسكر مضطر لأن يحسم أمر إنقاذ "البيت اليهودي" الذي تقوده أيليت شاكيد (تعلن منذ أسابيع عودتها لمعسكر اليمين والتزامها بدعم حكومة يمين قوية برئاسة نتنياهو)، ومنحه بضعة آلاف من الأصوات، وربما أكثر من ذلك، تفادياً لسقوط الحزب وعدم تجاوزه نسبة الحسم.
يأتي ذلك في ظل ارتفاع أصوات في هذا المعسكر لمد يد المساعدة لحزب شاكيد ووقف الحرب ضده، على اعتبار أن اجتيازه نسبة الحسم سيعني حصوله تلقائياً على 4 مقاعد، مما سيضمن لمعسكر نتنياهو 62 عضواً من اليمين، يقبلون بتكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة.
نتنياهو وشاكيد: حسابات المقاعد
إنقاذ "البيت اليهودي" مسألة لا تزال تواجه معارضة من قبل نتنياهو نفسه. هناك من يقول، وفق مصادر إعلامية إسرائيلية، إن نتنياهو الذي يهاجم شاكيد باستمرار، يحاول بالأساس مجاراة زوجته سارة نتنياهو، التي كانت سبباً رئيسياً قبل 20 عاماً في قيام نتنياهو بفصل كل من شاكيد وبينت، اللذين عملا في ديوانه عندما كان زعيماً للمعارضة.
ويرى هؤلاء أن صعود حزب "البيت اليهودي" بقيادة أيليت شاكيد في الاستطلاعات الأخيرة، واقترابه من نسبة الحسم، سيلزم نتنياهو في الأيام المقبلة بحسم أمره لصالح دعم حزب شاكيد أو على الأقل وقف الهجوم ضدها، لتفادي انتقال أصوات من معسكر الصهيونية الدينية، الذين سيصوتون لشاكيد، إلى أحزاب المعسكر المناهض، إذا اقتنع هؤلاء بأن شاكيد لن تجتاز نسبة الحسم.
وفي حال اضطر نتنياهو، إلى تغيير موقفه من حزب شاكيد خلال الأسبوعين المقبلين، فإن ذلك سيزيد من احتمالات توسيع التفاف مصوتين من معسكر الصهيونية الدينية، حول حزب أيليت شاكيد، مما يعني في حال فوزها باجتياز نسبة الحسم، إضافة 4 مقاعد لصالح معسكر نتنياهو، حتى لو جاء مقعدان منهما من الليكود ومن الصهيونية الدينية بقيادة بتسليئيل سموطريتش، فإن ذلك أفضل لنتنياهو في مجمل حسابات مقاعد معسكره، خصوصاً أن قاعدة معسكره تتراوح بين 59-60 مقعداً.
معسكر نتنياهو: "يهودية الدولة"
يشهد معسكر نتنياهو أيضاً، وحدة في الموقف والشعار حتى في سياق الدعاية الانتخابية، لجهة تعزيز قيم "يهودية الدولة"، وإدخال إصلاحات في نظام القضاء، بما في ذلك إلغاء تعيين قضاة وفصلهم من سلك القضاء، كما هدد اليوم عضو الكنيست عن حزب الصهيونية الدينية سمحا روتمان، في مقابلة مع إذاعة 103.
يتفق اليمين بقيادة نتنياهو على خط دعائي عنصري واضح ضد الأحزاب العربية المشاركة في الانتخابات، وضد أي شرعية لأي حكومة قادمة تدمج حزباً عربياً في الائتلاف الحكومي، أو تعتمد على أصوات نواب هذه الأحزاب للحصول على تكليف من رئيس الدولة لتشكيل حكومة جديدة
كما يتفق اليمين بقيادة نتنياهو على خط دعائي عنصري واضح ضد الأحزاب العربية المشاركة في الانتخابات، وضد أي شرعية لأي حكومة قادمة تدمج حزباً عربياً في الائتلاف الحكومي، أو تعتمد على أصوات نواب هذه الأحزاب للحصول على تكليف من رئيس الدولة لتشكيل حكومة جديدة، مما يعيد إلى الأذهان دعاية اليمين بقيادة نتنياهو ضد "أوسلو" في عهد حكومة رابين، التي اعتمدت في حينه، بعد انسحاب حزب شاس منها، على دعم حزبين عربيين لها من خارج الائتلاف الحكومي، وعلى رشوة ثلاثة أعضاء من حزب تسوميت اليميني، بقيادة رئيس أركان جيش الاحتلال خلال حرب لبنان رفائيل إيتان، للانشقاق عن الحزب، وتشكيل كتلة مستقلة تدعم الاتفاق، مقابل حصول لغونين سيغف على منصب وزير الطاقة، وأليكس غولدفراب على منصب نائب وزير الزراعة، وتحصين عضو الكنيست استير سلاموفيتش في قائمة حزب العمل.
ويشكل عنصر التحريض العنصري على الأحزاب العربية في الداخل، وعلى الفلسطينيين عموماً، مكوناً رئيسياً في دعاية "الليكود"، ليس فقط من باب العنصرية كمكون في أيديولوجيا اليمين الإسرائيلي، وإنما أيضاً كأداة لتحييد وإبطال كل موقف قومي صهيوني في المعسكر الذي يقوده يئير لبيد، وتحويله إلى مجرد شعارات فارغة، لا تصمد أمام الامتحانات الحقيقية، في مواجهة أعداء إسرائيل، سواء كانوا من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، أو من أي عدو خارجي آخر، كإيران أو لبنان وحزب الله، والميل "الفطري" عند لبيد وغانتس، لتقديم التنازلات، كما تجلى ذلك في موقفهما من موضوع الاتفاق النووي مع إيران، أو حتى مؤخراً في مسألة اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، أو في تردد حكومة لبيد في "شن عملية اجتياح برية "جديدة للضفة الغربية المحتلة.
فوضى معسكر لبيد
في المقابل، يشهد معسكر لبيد فوضى عارمة، تبدأ من عدم وجود إجماع على قيادته للمعسكر المناهض لنتنياهو، بدلالة تصعيد حزب "المعسكر العمومي"، بقيادة الثلاثي: غانتس وساعر وأيزنكوط، دعايتهم الانتخابية الداعية للتصويت لتحالفهم على أساس أن غانتس سيكون الوحيد من بين الساسة المطروحين في الساحة الانتخابية الإسرائيلية، القادر على تشكيل حكومة يمين مستقرة بديلة لحكم نتنياهو، بفعل علاقاته الجيدة مع الحريديم، الذين لا يعتبرون غانتس خطاً أحمر، خلافاً للبيد وليبرمان، اللذين يرفضان أي سيناريو تكون فيه حكومة بقيادة لبيد شريكة مع أحزاب من الحريديم، بشروط الحريديم المعلنة والمعروفة، وأولها شرط عدم فرض الخدمة العسكرية على شبانهم، وعدم إجبار مدارس الحريديم، خصوصاً تيار أغودات يسرائيل، على إدخال المواضيع العلمية لمنهاج التعليم في المدارس الدينية.
ويبدو هذا التحدي والدعاية الملازمة له من قبل غانتس، أكثر ما يهدد زعامة لبيد المعسكر المناهض لنتنياهو، لكنه ليس التحدي الوحيد.
ففيما نجح نتنياهو بتوحيد معسكره، بما في ذلك فرض الوحدة على بتسليئيل سموطريتش وإيتمار بن غفير في قائمة واحدة، فقد فشل لبيد قبل الموعد النهائي لتقديم القوائم الانتخابية، في 15 سبتمبر/أيلول، في توحيد حزبي ميرتس بقيادة زهافا غلئون، وحزب العمل بقيادة ميراف ميخائيلي، في قائمة واحدة. كما أن لبيد فوجئ، بحسب مصادر الأحزاب الإسرائيلية، من تفكيك القائمة المشتركة وشق حزبي الجبهة والعربية للتغيير القائمة المشتركة، ليترك "التجمع الوطني" بقيادة سامي أبو شحادة يخوض الانتخابات منفرداً، مما يهدد بخفض نسبة التصويت عند الفلسطينيين في الداخل، وبالتالي تهديد حقيقي لإمكانية ألا يجتاز تحالف "الجبهة" و"العربية للتغيير" بقيادة أيمن عودة، نسبة الحسم، وهو ما قد يؤدي إلى خسارة معسكر لبيد 4 مقاعد على الأقل، كان يمكن لها أن تدعم تكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة.
يشهد معسكر لبيد فوضى عارمة تبدأ من عدم وجود إجماع على قيادته المعسكر المناهض لنتنياهو
لكن هذه الفرضية التي تحاول تبرئة ساحة لبيد من تفكيك القائمة المشتركة تصطدم بالمقابل بتصريحات لمقربين من لبيد وقيادة حزبه، بأنه مارس ضغوطاً على الجبهة بقيادة عودة للتخلص من حزب التجمع، لضمان دعم تحالف "الجبهة" و"العربية للتغيير" لدعمه بتشكيل الحكومة المقبلة، بعد أن كان التجمع الوطني بقيادة أبو شحادة قد أعلن قبل ذلك بأسابيع عن مراجعة سياسية، خلصت إلى رفض تحويل الأحزاب العربية، والقائمة المشتركة الثلاثية، آنذاك، إلى جزء من لعبة المعسكرات السياسية الإسرائيلية في مسألة التوصية على من سيكون رئيساً للحكومة الإسرائيلية، وإن ذلك بالتالي محفز لتفكيك القائمة المشتركة، على أمل أن يخشى "التجمع الوطني" من خوض الانتخابات منفرداً، مما يبقي الساحة مفتوحة أمام حزب عربي يوصي بلبيد دون حرج.
لكن هذه المسألة أدت إلى ردود عكسية، خصوصاً بعد أن نجح التجمع بإبراز واقعة التآمر عليه لإسكات صوته وإقصائه من السياسة العربية في الداخل، فأخذت ترتفع نسبة التصويت للحزب، بموازاة تراجع في قوة الجبهة والعربية للتغيير بقيادة عودة.
وترى محافل سياسية في إسرائيل أن تفكك القائمة المشتركة زاد من خطر اتساع ظاهرة المقاطعة في صفوف الفلسطينيين في الداخل من جهة، وأظهرت ضعف القيادة لدى لبيد، وعدم إدراكه ومعرفته بما يحصل داخل المعسكر المحزوب عليه، من جهة أخرى، مما يزيد من صعوبة قدرته على نيل ثقة 61 نائب كنيست لتكليفه بتشكيل حكومة، وهو ما فتح بالتالي الباب أمام مجاهرة منافسه داخل المعسكر نفسه، الجنرال بني غانتس، بأن لبيد لن يكون قادراً على تشكيل ائتلاف حكومي، خصوصاً أن غانتس يعلن مسبقاً رفض المشاركة بأي ائتلاف حكومي يعتمد على دعم تحالف "الجبهة" و"العربية للتغيير" لحكومة جديدة، ولو حتى من خارج الائتلاف.
وفي ظل هذه الحالة، فإن نتنياهو يزيد من حركة دعايته الانتخابية التي تستهدف شرائح من مصوتي اليمين، الذين ظلوا في بيوتهم، ولم يشاركوا في عملية الاقتراع في انتخابات مارس/آذار من العام الماضي على أمل كسر حالة الجمود. بينما تتسع دائرة العزوف عن التصويت في المعسكر المناهض له، بما في ذلك في أوساط يسارية إسرائيلية، ناهيك عن فشل الأحزاب العربية حالياً في رفع نسبة التصويت المحتملة لدى فلسطينيي الداخل.
ويتفق كثيرون على أنه في حال لم تتجاوز نسبة التصويت عند الفلسطينيين في الداخل 40 بالمائة، فإن ذلك لن يهدد فرص فوز لبيد فحسب، بل قد يزيد من فرص نتنياهو في تشكيل الحكومة المقبلة، خصوصاً إذا فشل أكثر من حزب عربي في اجتياز نسبة الحسم المحددة بـ 3.25 بالمائة، والتي تقارب 150 ألف صوت من مجمل الأصوات الصحيحة.