فتحت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مدينة مونبلييه جنوبي البلاد، الإثنين الماضي، الحديث عن إطلاق حملته الانتخابية رسمياً للانتخابات الرئاسية المقررة في 2022، بناءً على طبيعة الزيارة، والموضوع الرئيسي الذي حرص على الحديث فيه مع السكان الذين التقاهم، وهو "سيادة الدولة والأمن".
في حي شعبي وسط مونبلييه اختار ماكرون الحديث إلى فرنسيين من أصول مغاربية وأفريقية. وقف أمام سيدة محجبة، تشتكي له افتقادهم للاختلاط في الحي، فتقول وفق ما أظهرت مقاطع فيديو من الزيارة على وسائل الإعلام: "ابني عمره 9 سنوات، يسألني هل اسم بيار موجود فعلاً في الواقع، أم أنه فقط في الكتب التي ندرس بها؟"، في إشارة إلى أنّ الحي تحول إلى كانتون تقطنه أغلبية مسلمة أو مهاجرة.
كلام هذه السيدة كان أفضل ما يمكن أن يتوقعه ماكرون من خلال هذه الزيارة، إذ إنه يأتي بالتزامن مع إشرافه على قانون "تعزيز مبادئ الجمهورية"، أو "محاربة النزعات الانفصالية" كما يسمّى إعلامياً؛ وهذا القانون أحدث جلبة كبيرة داخل فرنسا وخارجها هددت بحدوث أزمة دبلوماسية مع الدول المسلمة بعد انتشار دعوات مقاطعة البضائع الفرنسية.
تحوّل سؤال "الأمن وسيادة الدولة" إلى نقطة الضعف التي ينطلق منها الهجوم على ماكرون من قبل خصومه
ومنذ حادثة مقتل مدرس التاريخ الفرنسي، صمويل باتي، على يد لاجئ من أصول شيشانية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تحوّل سؤال "الأمن وسيادة الدولة" إلى نقطة الضعف التي ينطلق منها الهجوم على ماكرون من قبل خصومه في اليمين واليمين المتطرف. إذ يتهمونه بالتراخي في مجال الأمن.
مرشح اليمين المحتمل للانتخابات الرئاسية، كزافييه برتران، اتهم ماكرون مراراً بـ"الفشل التام" في ما يخصّ الأمن، فيما تُردد زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، في كل مناسبة، أنّ "الرئيس هو سبب الفوضى والعنف في كل مكان".
لكن في الوقت عينه، أصبحت نقطة الضعف تلك هاجساً لحكومته، وعلى وجه الخصوص وزير داخليته جيرالد دارمانان، منذ النصف الثاني من عام 2020، فشنّت حملات ضد جمعيات مسلمة متهمة بـ"تقويض سيادة الدولة"، وسنّت قوانين كان آخرها القانون المثير للجدل "الأمن الشامل" والذي تم إقراره في البرلمان أخيراً، وكان بمثابة اختبار قوة لما تبقى من عهد ماكرون.
وتندرج زيارة مونبلييه ضمن استراتيجية الدفاع التي يخوض فيها ماكرون بقوة. فرؤيته داخل حي شعبي، محاط بسكان من الطبقة المتوسطة، وربما الفقيرة بسبب جائحة كورونا، هي رد مباشر على خصومه، ومحاولة لاختراق قواعدهم الانتخابية، خصوصاً عندما يَعدُ بزيادة عدد عناصر الشرطة والدرك بنحو 10 آلاف لما تبقى له من وقت في الإليزيه. هذا الوعد، بلا شك، هو خطوة للأمام يتقدم بها ماكرون على المرشحين المنتظرين، لأنه موضوع سيكون مدرجاً في البرامج الانتخابية لخصومه على ضفتي اليمين، واليمين المتطرف.
وكان استطلاع رأي أجراه معهد "إيلاب" أخيراً قد كشف أنّ موضوع الأمن (بنسبة 30%) سيكون أحد أهم المواضيع في اختيارات الناخبين خلال الانتخابات المقبلة عام 2022، وهذا يبرر ملامح الصورة التي رغب ماكرون في تصديرها للناخبين خلال زيارته إلى مونبلييه.
يخوض ماكرون مغامرة توحيد ناخبي اليمين واليمين المتطرف حول أطروحته
بهذه الطريقة، يخوض ماكرون مغامرة توحيد ناخبي اليمين واليمين المتطرف حول أطروحته، وصولاً إلى دمجهم ليصبحوا بمثابة كتلة انتخابية له، فهو لديه وزير داخلية لا يتهاون أبداً في موضوع الأمن، لدرجة أنّ صوره على حسابه الرسمي في تطبيق "إنستغرام" كلها، تقريباً، ملتقطة مع رجال أمن وشرطة في مراكز الدرك والشرطة. والأخير يهاجم بشدة منتقدي ماكرون من اليمين واليمين المتطرف عندما يستغلون "نقطة ضعفه" في ما يخص مسألة الأمن وسيادة الدولة، وهذا مبرر تماماً بالنظر إلى ما تمكن من تحقيقه مع دارمانان، ذراعه الأيمن، عندما عجز أسلافه، منذ عهد نيكولا ساركوزي عن تحقيقه. لكن ذلك السلوك لا شك في أنه ترك هوة كبيرة بين الفرنسيين وطبقات المجتمع، خصوصاً أن شريحة واسعة خرجت للتو من ساحات الجمهورية وكانت تهتف "كل الناس تكره الشرطة"، إثر حوادث عديدة صادمة لعنف الشرطة الفرنسية، ومن غير المعروف بعد كيف سيتقبلون ولاية جديدة لماكرون.