سقط عشرات القتلى والجرحى، بينهم ضباط برتب رفيعة من قوات النظام السوري، قبل يومين، في أحدث هجوم واسع النطاق يشنّه تنظيم "داعش" في البادية السورية، في تطور يشير إلى أن هذا التنظيم لم يتأثر بمقتل زعيمه أبو إبراهيم القرشي أوائل فبراير/شباط الماضي، وأن قدرته على ضرب أهداف محددة، خصوصاً في ريف حمص الشرقي، لم تتأثر.
واعترف النظام الأحد بمقتل 13 عسكرياً، بينهم عدد من الضباط، وجرح 18 آخرين، في هجوم على حافلة مبيت عسكرية في بادية تدمر شرق المحطة الثالثة، بمختلف أنواع الأسلحة، وفق وكالة "سانا" التابعة للنظام.
من جهته، نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مصادر، أن خلايا تنظيم "داعش" نفذت هجوماً واسعاً في ساعات الصباح الأولى من يوم الأحد، على مواقع تتحصن فيها قوات النظام والمقاتلون المتحالفون معها، قرب قرية الصواب عند محطة T2 في عمق البادية السورية شرقي حمص.
"داعش" لديه القدرة على التخطيط والتنفيذ عبر خلايا متنقلة تتحرك غالباً على دراجات نارية
وقال المرصد إن مسلحي "داعش" استغلوا الظروف الجوية والعاصفة الغبارية التي تضرب البادية السورية، من دون ورود معلومات عن حجم الخسائر البشرية.
عجز أمام خلايا "داعش" المتنقلة
ولطالما شنّ التنظيم هجمات في البادية السورية ضد قوات النظام والمليشيات على مدى سنوات، وقُتل وأصيب المئات بهذه الهجمات التي تؤكد أن "داعش" لديه القدرة على التخطيط والتنفيذ عبر خلايا متنقلة تتحرك غالباً على دراجات نارية.
واستنزف "داعش" قوات النظام في البادية السورية، إذ أكدت الوقائع الميدانية أن هذه القوات والمليشيات المحلية التي تساندها، مثل "لواء القدس"، باتت شبه عاجزة أمام الخلايا المتنقلة للتنظيم التي تتحرك على طول وعرض البادية السورية التي تبلغ مساحتها نحو 80 ألف كيلومتر مربع.
وكان التنظيم قد شنّ عملية واسعة ضد قوات النظام مطلع العام الحالي، فاستهدف حافلة نقل عسكرية في البادية السورية، 50 كيلومتراً شرق المحطة الثالثة (لضخ النفط في بادية حمص الشرقية)، ما أدى إلى مقتل 9 عناصر من قوات النظام والفيلق الخامس ومليشيات أخرى، وإصابة 15 آخرين بجروح متفاوتة.
وفي السياق، أشار المرصد السوري إلى أن حصيلة القتلى خلال العمليات العسكرية ضمن البادية السورية وفقاً لتوثيقه، بلغ 130 قتيلاً منذ مطلع العام 2022، هم: 69 من عناصر "داعش" قتلوا باستهدافات جوية روسية طاولت مناطق يتوارون فيها في مناطق متفرقة من بادية حمص والسويداء وحماة والرقة ودير الزور وحلب. بينما قُتل 61 من قوات النظام والمليشيات الموالية لها، في 21 عملية لعناصر التنظيم ضمن مناطق متفرقة من البادية، تمت عبر كمائن وهجمات مسلحة وتفجيرات في البادية.
لامركزية تقلل تبعات مقتل أبو إبراهيم الهاشمي القرشي
وتؤكد عملية الأحد أن التنظيم لم يتأثر بمقتل زعيمه القرشي، خلال عملية نفذتها القوات الأميركية في ريف إدلب شمال غربي سورية مطلع فبراير الماضي. وكان القريشي قد عُيّن قائداً جديداً لـ"داعش" عام 2019 بعد مقتل أبو بكر البغدادي في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.
وفي هذا الصدد، أوضح الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية، عباس شريفة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تنظيم داعش يعمل بطريقة لامركزية حتى قبل مقتل قائده"، مضيفاً: "هذه العملية تجعل من مقتل رأس الهرم بلا تأثير عملياتي على الأرض، وينحصر هذا التأثير بالجانبين المعنوي والرمزي".
ولفت إلى أن "تنظيم داعش ومنذ سقوط آخر معاقله في سورية مطلع عام 2019 في بلدة الباغوز بريف دير الزور الشرقي، يعمل ضمن مجموعات صغيرة ومنعزلة ويحدد أهدافه بناء على حالة اللامركزية التي تتيح لأمراء القطاعات صلاحيات واسعة في تحديد هذه الأهداف وطريقة التعامل معها".
وأشار إلى أن "تنظيم داعش ينشط في البادية السورية منذ عدة سنوات"، مضيفاً: "هذا النشاط يأخذ وتيرة متصاعدة، وأعتقد أن هناك المزيد من العمليات للتنظيم في هذه المنطقة بالتحديد".
ومنذ بدء الاجتياح الروسي لأوكرانيا، خفت وتيرة الغارات الجوية الروسية على أماكن يُعتقد أن خلايا "داعش" تكمن بها في البادية السورية، وهو ما قد يكون سمح للتنظيم بشن العملية الواسعة الأحد ضد قوات النظام.
انشغال روسيا بأوكرانيا لا يؤثر على عملياتها العسكرية في سورية
غير أن شريفة لا يرى أن هناك رابطاً بين الاجتياح الروسي لأوكرانيا وبين ازدياد وتيرة العمليات الهجومية من قبل "داعش" في البادية السورية. وقال: "انشغال روسيا بأوكرانيا لا يؤثر على عملياتها العسكرية في سورية، إذ لم تنقل قوات من قواعدها في سورية، والقصف الجوي الروسي مستمر ضد داعش في البادية ولم يتوقف".
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد دعمت خلال العامين الأخيرين العديد من العمليات الهادفة إلى تنظيف البادية السورية من خلايا "داعش"، إلا أن هذه العمليات سرعان ما كانت تتوقف نتيجة الفشل في تحقيق نتائج على الأرض.
وتعتبر البادية السورية نطاق عمل ونشاط الجانب الروسي، ولم يسبق لطيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة شن أي عملية في البادية على الرغم من أنه يتمركز في قاعدة التنف التي تتوسط بوادي سورية والعراق والأردن.
وأكدت مصادر محلية متقاطعة لـ"العربي الجديد" أن التنظيم "قوة ضاربة في البادية"، مشيرة إلى أن خلايا "داعش" هي المسيطرة فعلياً على البادية في الليل، وأن قوات النظام والمليشيات لا تحرك أرتالاً لها أو مجموعات في الليل.
وبيّن مدير مركز "الشرق نيوز" فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التنظيم "موجود في البادية السورية ولديه مناطق سيطرة لم تستطع أي قوة أخرى الدخول إليها"، مشيراً إلى أن الهجوم الذي شنه الأحد على قوات النظام سببه "ضعف الطيران الروسي، إضافة إلى أن المنطقة كانت تمر بها عاصفة رملية كثيفة"، مضيفاً: تنظيم "داعش" يفضّل هذه الأجواء وينشط خلالها.
وأوضح أن لدى التنظيم "معرفة بجغرافيا البادية السورية بسبب وجوده فيها منذ عام 2014"، لافتاً إلى أن عناصره تتحرك في البادية بطريقة أسهل من تحرك قوات النظام. وأشار إلى أن التنظيم "لديه قدرة على رصد تحركات قوات النظام والمليشيات"، معتبراً أن "وجود ضابط برتبة عالية في حافلة واحدة مع العناصر حالة مستغربة في جيش مثل جيش النظام"، مضيفاً أن هجمات التنظيم دائمة ولا يمر أسبوع من دون حصول عملية في البادية.