شهدت ألمانيا، خلال السنوات القليلة الماضية، تزايداً ملحوظاً في "العنف اليميني"، الإرهاب المحلي، على خلفية سياسية، ما اعتبر سياسيون أنه "الأخطر على الأمن القومي وأمن مجتمع البلاد".
من جهته، لا يأخذ وزير داخلية، هورست زيهوفر، التهديد الذي يتعرض له المجتمع الألماني على محمل الإنكار كما يفعل بعض ساسة أوروبا.
واستعرض زيهوفر، في مؤتمره الصحافي، أمس الثلاثاء، إحصاءات هذا العنف اليميني المتطرف بالأساس، لمسؤوليته الضخمة عن "وحشية الأعمال بوجه المجتمع الألماني"، بحسب ما نقلت عنه "غارديان" البريطانية.
المقلق في المجتمع الألماني، وبالأخص خلال العشرين سنة الماضية، ليس فقط تزايد ما يطلق عليه "الأعمال المعادية للسامية"، وتفاخر منتمي التطرف القومي إلى ذلك الفكر والحركات النازية، وشعاراتها التي يتزايد استخدامها، بل في تنفيذ الإرهاب على الأرض، واعتبار الأمنيين والسياسيين له أنه "الأخطر على الأمن القومي وأمن مجتمع البلاد".
وما استعرضه زيهوفر أمر بات معروفاً في وسائل الإعلام المحلية والأوروبية، التي تلاحق تطورات هذا النوع من التطرف القومي، وملاحظة تنسيقه في أكثر من دولة أوروبية، ومن بينها علاقة وثيقة مع حركات نازية وفاشية في دول الشمال الإسكندنافي، وللمفارقة جماعات التطرف العنيفة في روسيا.
لكن ما يثير الانتباه في استعراض تطور هذا النوع من العنف داخل الحدود الألمانية وحدها، مسؤوليته عن 24 ألف جريمة في العام الماضي، وفقاً لأرقام الداخلية والاستخبارات الألمانية، وهو ما يعني تسجيل الرقم الأكبر على الإطلاق من هذه الجرائم خلال العقدين الماضيين.
ويعتبر السياسي الألماني من يمين الوسط، زيهوفر، أن تلك الإحصائيات تظهر أن "العدو الذي يهدد أمن البلاد يوجد إلى حد كبير بين الألمان أنفسهم".
وجرائم معسكر التطرف في مجتمع ألمانيا، الموصوفة بـدوافع سياسية" (لجماعات النازية الجديدة وغيرها ممن يؤمن بالعنصرية والتفوق العرقي) تجاوزت الرقم القياسي الذي سجله عام 2016، عام اللجوء الكبير نحو أوروبا، حيث كان نصيب البلاد ما يقارب مليون لاجئ، بنحو 6 في المائة، وفقاً للوزير.
الحديث عن أن الجناح اليميني المتطرف، بالأرقام الضخمة للاعتداءات (24 ألف حالة)، يتجاوز عنف اليسار المتطرف بالضعف، إذ كانت مسؤولية الأخير 11 ألف اعتداء.
ولعل الحادثة الأشهر في ظل جائحة كورونا، تلك التي شهدتها ألمانيا في ديسمبر/كانون الأول 2020، حين دهس شخص ألماني في بلدة ترير بغرب البلاد مجموعة من الناس، فقتل 4 أشخاص، من بينهم طفل، وجرح 30 آخرين.
وبحسب ما نقلت صحيفة تريريشر فولكسفروند المحلية، جاءت عملية الدهس على خلفية تطرف قومي من ألماني يبلغ من العمر 51 عاماً قاد سيارته من نوع "رانج روفر" بسرعة وسط المشاة في ساحة السوق الكبير "فلايشستراشي"، وعلى بعد 150 كيلومتراً من غرب فرانكفورت.
وعلى الرغم من محاولة الشرطة المحلية اعتبار منفذ الهجوم "مضطرباً نفسياً"، إلا أنه سرعان ما كشف معسكر معاداة الفاشية، الفرع الألماني لحركة أنتيفا، أن الدوافع عنصرية ويمينية متطرفة.
وشهدت ألمانيا منذ 2015 تزايداً في نشاط اليمين القومي المتطرف والجماعات النازية، مستفيدة من الأجواء والخطاب السياسي المتشدد من حركة "بيغيدا" وشخصيات سياسة في حزب "البديل لأجل ألمانيا"، وهو ما جعل الوزير الألماني، زيهوفر، يطلق هذا التحذير المبكر من أن "المجتمع يتجه نحو الوحشية".
وشملت الإحصائيات المستعرضة جرائم أخرى مرتبطة بـ"نظرية المؤامرة" حول جائحة كورونا، واستغلالها من جناح اليمين المتشدد في البلاد، حيث شهدت برلين منذ أغسطس/ آب الماضي أكبر الحركات الاحتجاجية والصدام في الشارع.
ولعل من المثير أن ترفع جماعات تؤمن بالنازية والفاشية اتهامات، ليس فقط في برلين، بل في أماكن أخرى في أوروبا، إلى السلطات السياسية بأنها "تمارس استبداداً وديكتاتورية" بسبب فرضها إجراءات مشددة في المجتمعات للوقاية من انتشار فيروس كورونا.
ومن المعلوم أن الأمن الألماني، كغيره في أوروبا، ركز لسنوات طويلة على عنف "الجماعات الإسلامية"، قبل أن يستيقظ على حقائق مروعة عن تسلح وتنفيذ الجماعات المتشددة والنازية لهجمات وعمليات قتل بحق المهاجرين، وعلى خلفية أوهام عن "نظرية مؤامرة" تريد أن تستبدل فيها "النخب العالمية" العرق الأبيض بمهاجرين.
وأولى الهجمات الجماعية التي شهدتها أوروبا بمثل هذه الوحشية كانت في أوسلو وجزيرة أوتويا، حيث قتل في صيف 2011 السفاح أندرس بهرينغ بريفيك حوالى 74 شخصاً، جلهم من شباب معسكر يسار الوسط في أثناء إقامة معسكر شبابي دولي في الجزيرة، وفي تفجير مبانٍ حكومية وسط أوسلو.
وبات عمل بريفيك بمثابة إلهام لجماعات التطرف القومي، وخصوصاً لتبريرها باسم "نظرية المؤامرة".
الإرهاب الفاشي تخطى حدود أوروبا، إذ قتل في هجومي كرايستشيرش بنيوزيلندا على يد المتطرف برينتون تارانت، 51 مسلماً في مسجدي المدينة.
ولكن على عكس تصرف ساسة نيوزيلندا، في التضامن مع الضحايا وتوجيه واضح للمسؤولية نحو التعصب والتطرف القومي، بدا ساسة القارة العجوز في السنوات الأخيرة محاولين الفصل بين التطرف وعمليات الاستهداف ضد المهاجرين واعتبار منفذي العنف أحياناً أنهم "مختلون عقلياً ويعانون من أمراض نفسية"، إلا حين يتعلق الأمر بهجمات مصنفة بـ"معاداة السامية"، التي تلصق أحياناً بشباب مسلمين، كما في تعميم ساسة في فرنسا وغيرها.
وخلال العام الماضي شهدت دول إسكندنافية هجمات استهدفت بعض المساجد في الوقت ذاته الذي استهدفت فيها مقابر اليهود، التي سرعان ما تبين أن منفذيها هم من حركة شديدة الخطورة والعنف تُسمى "جبهة مقاومة الشمال" وما يتفرع منها من مجموعات نازية لا تتردد في تحريض مراهقين على حمل السلاح بحجة الدفاع عن دولهم بوجه المهاجرين.