الشعب المصري يفاجئ قائد الانقلاب

02 يونيو 2014
+ الخط -
لا يكاد يصدق صاحب الهاشتاج الأشهر في العالم ما حدث، قائد الانقلاب الذي انفصل عن الناس، وألقى لخياله المجال لحكم مصر، لم يفهم سيكولوجية الشعب المصري، ولا أنّ يكون رد هذا الشعب قاصماً وموجهاً بهذا التركيز. سطحية تفكيره جعلت منه لا شيء في عيون المصريين. الشعب عاد ليلقنه درساً قاسياً ويضعه في ركن ضيق، بعد أنّ سب الشعب، يوم قال إنّ أمامنا خمسة وعشرين عاماً لتطبيق ديمقراطية كاملة، فكان الجواب عملياً ومباشراً، بنتائج أذهلت قادة التحالف الوطني أنفسهم، فسقطت حالة الإجماع المزعومة وفقاعة الإعلام.
كنا كثيراً ما نسمع أنّ الشعب المصري لا يستحق الحرية، ويسلم عقله إلى المفلسين وفقراء الفكر والدجالين في وسائل الإعلام، ولا يقوى على مواجهة الأحداث ومقاومة التغيرات في المبادئ والقيم. وأنّه شعب استسلم إلى الديكتاتور، ولا تكتمل ثوراته. كلمات تترد كثيراً، دوماً يوجهون اللوم إلى الشعب ويهاجمونه، لم يدرك كثيرون أنّ هذا الشعب كان ضحية بعض المثقفين والإعلاميين. وقد كتب جوستاف لوبون، في كتابه سيكولوجية الجماهير أنّ الجماهير تحترم القوة، ولا تميل إلى احترام الطيبة التي تعتبرها من أشكال الضعف، وما كانت عواطفها متجهة أبداً نحو الزعماء الرحيمين والطيبي القلب والمستبدين الذين سيطروا عليها بقوة وبأس، وتقيم النصب التذكارية العالية لهم، وإذا كانت تدعس بأقدامها الدكتاتور المخلوع، فذلك لأنّه فقد قوته، ودخل في خانة الضعفاء المحتقرين. البطل العزيز على قلوب الجماهير هو الذي يتخذ هيئه القيصر.
تسمع هذه العبارات في إعلام قائد الانقلاب، وعلى ألسنه ساسته ومشاهيره ضمن خطة السيطرة على العقول وتطويعها في لصالحهم. يحتقرون عقول المصريين بتلك الكلمات وأماني الاستقرار التي يحلم بها الفقراء على يد قائد الانقلاب وتولد شعوراً بالدونية، يكون معها الاستسلام والخضوع، حتى تنتظر الجماهير عطايا الديكتاتور ومنحته إليهم من الديمقراطية والحرية. لكن، علينا أنّ ندرك، بما لا يدعنا ندفن روؤسنا في التراب، أنّ من الأغلبية دائما من ينخدعون خلف قوى الباطل المصطنعة، فيؤيدون الطغاة، حتى إنّ منهم من يستعدون الخارج على أبناء وطنهم لخلاف سياسي أو منهجي. رأينا كيف فرح عراقيون بدخول القوات الأميركية بغداد واحتلالها بذريعة إسقاط صدام حسين. وهناك من رقصوا في ميداني رابعة العدوية والنهضة في القاهرة على دماء الشهداء، وإن لم يكن لهم وزناً في المعادلة السياسية.
بادوليو قائد وسياسي إيطالي قتل من أهل ليبيا والحبشة 600 ألف شخص، وبعد انتهاء الحرب العالمية أصبح رئيس وزارء إيطاليا 1945 ولم يُحاكم، لُقب من شعبه بالمُفخم وبكى ملايين عند وفاته. ستالين صاحب مجزرة كاتين 1940 التي قضى فيها 23 ألف بولندي ومن الروس حوالي 11 ألف شخص، مات من دون محاكمة، يُلقبه ملايين بالمُعظم الذي أنقذ العالم من الخطر النازي. وكذلك ماريو رواتا، قائد إيطالي بنى معسكرات القتل والإبادة في يوغوسلافيا قتل أكثر من 100 ألف شخص وعذب الآلاف في أثناء الغزو الإيطالي الألماني 1943، عاش ولم تتم محاكمته، نصب له تمثال تذكاري تخليداً له.
نعم نادراً ما يثور المصريون على أوضاعهم الصعبة، ويؤثرون الاستقرار الذي يمنحهم فقط لقمه العيش والنوم الآمن، ولا يلتفتون لما حولهم في بلاد العالم، كيف يحيون في ثروات وخيرات بلادهم. الشعب الذي يصبر كثيراً على الفراعين، ويقاسي الليالي ويكابدها. تؤلمه حاجته من دون أن يصرخ أو يقاوم. هذا الشعب الذي هزم أبناؤه في 1967، لكنهم عادوا في 1973 ليحطموا أساطير الحروب، ويستعيدوا نصرهم بعد ست سنوات. ولا نستطيع أن نعتبر أنّ شعبنا المصري تنتهي أحلامه لسد جوعه. خرج هذا الشعب مدافعاً عن شرعيته، وتعرض للقتل في أحداث الحرس الجمهوري وميادين رمسيس ورابعة والنهضة، ويخطئ من يظن أنّ البركان قد يهدأ، لكنه ثائر ينتظر لحظه الانفجار.
وعلينا أنّ ندرك أننا لا نستطيع أنّ نطالب الشعب بالتضحيات (فكل خلق لما هو ميسر له)، لكن متى وجد الرجال ما يدفعهم إلى الحرية والأمل في مستقبل بلاده، سوف يعبرون عن أنفسهم، كما رأينا في مقاطعة الانتخابات الهزلية.
لا يخدعنك صبر المصريين، فالأمة لم تمت ولن تموت، بإذن الله، مهما تكالب عليها القتلة والخونة وأصحاب المصالح من أبنائها، فها نحن نرى الأحرار في بلادنا يعبرون عن شموخ الشعب، ويدركون أنّ الحرية لا تأتي بإخراج الشعوب من المعادلة، واختزال عقول الرجال. يسطرون بدمائهم الزكيه ملاحم الثبات والبطولات دفاعاً عن أمتهم المجيدة. الأمة لم تمت، فالأسرى في المعتقلات يتعالون بكل كبرياء على آلامهم وجراحهم ويرسمون بثباتهم طريق الحرية أمام صمود الطلاب والحرائر من أبناء الجيل، حتى وإنّ طال الطريق، فمازال الأحرار في طريق تحرير بلادهم.


 

 


 

0A0C37B8-EC72-4AF0-A8F5-AA17DEB5BEBB
0A0C37B8-EC72-4AF0-A8F5-AA17DEB5BEBB
محمود إبراهيم صديق (مصر)
محمود إبراهيم صديق (مصر)