المقاومة الفلسطينية وعبقرية سياسة الصراع
قد يتساءل كثيرون عن الطبيعة الاحترافية للأداء السياسي لحركه حماس، والارتقاء السريع في إجادة فن إدارة رقعة الشطرنج، على المستويين الإقليمي والدولي، وامتلاك رؤية متكاملة لاستراتيجية إدارة الصراع ضد الكيان الصهيوني، على المديين القصير والبعيد.
المقاومة الفلسطينية تتحدث كدولة، والتنسيق بين الفصائل الفلسطينية، الآن، في أعلى مستوياته، جميعهم مع حركة حماس، يتحدثون بالمبادئ نفسها، ويتمركزون على أرضية واحدة، فرضتها القدرة العسكرية لكتائب القسام. إضافة إلى التكامل ودقه الاتصال بين جبهات المعركة والأطراف السياسية التي تتحرك وتتفاوض دبلوماسيّاً، وهو ما يظهر المقاومة سائرة في طريق سلوك دولة كبيرة مكتملة الأركان.
قبل أن نبحث في آليات تعاطي السياسة لدى حماس، وأبعاد رؤيتها الاستراتيجية في إدارة الصراع، علينا أن ننتبه إلى أنها تعي جيداً عدد الأوراق الفاعلة والضاغطة التي تمتلكها، ومتى وكيف تستطيع أن تستغلها.
وقبل البحث في آليات التفوق السياسي لحركة حماس، ودقة تنظيم الأدوار بين أعضائها على مستوى المكتب السياسي، وأيضاً دقة الضبط والخطاب الإعلامي الراسخ والموجه، والذي يعتمد على دقه توجيه البوصلة من خالد مشعل، تجري الإشارة إلى تماسك الجبهة الداخلية لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية وعلاقتها بالداخل الفلسطيني، حيث عدد الشهداء يتزايد، ومع ذلك، تجد الشعب الفلسطيني في غزة لا يلقي اللوم على المقاومة، كما تفعل الحكومات العربية، متذرعة بالحرص على أرواح الفلسطينيين، وإنما تجد أروع آيات الصمود والتحدّي، وهذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه أية حركة مقاومة في العالم، وقد انتصرت فيه حماس وتفوقت على نفسها، في بناء جبهة داخلية قوية، تؤمن بالمقاومة خياراً استراتيجياً، وليس السلام المبني على التطبيع والإذلال.
المعركة السياسية لا تقل شراسة وضراوة عن معركة الميدان، وفي غياب الظهير الرسمي، الذي بدا منحازاً للطرف الآخر في مبادرته، كان يتعين على الحركة البحث بدقة عن أدوار فاعلة إقليمية، تستطيع أن تعمل على تحقيق مطالب الشعب.
المقاومة، إجمالاً، تصدر خطاباً إعلاميّاً متزناً، لم ينصرف لإيجاد جبهات خلافية مع الأقارب العرب، ولم ينجر إلى معارك كلامية مع الإعلام المصري الذي تجنى كثيراً على المقاومة، وبقيت المقاومة وأجهزتها الإعلامية محتفظة بحق الرد، مركزة مجهودها في مواجهة العدوان عليها وعلى شعبها.
إدراك أوراق اللعبة ظهر جلياً لدى أعضاء المكتب السياسي لحماس، أيضاً، حيث احتاطوا جيداً وخططوا لمعركة طويلة الأمد، فلم تغرهم نجاحاتهم الميدانية بأن يندفعوا، أو ينفلتوا إعلاميّاً أو دبلوماسيّاً، وإنما يأتي الاتزان في إدارة الصراع من إدراك أهمية المعركة وتطوراتها على الأرض ومتطلباتها، وإن البناء الصلب للهيكلية التنظيمية للحركة، خلق استحالة وصعوبة في اختراقها مخابراتياً.
نحن أمام حركة تعبر عن دولة مقاومة، وعن ضمير أمة، وعن شرف العروبة، لا نستطيع أن نتجاوز بالتحليل مهارة المقاومة في إدارة المعركة، ولا إبداعاتها في التعاطي مع الصراع سياسياً.