البحرين والإمارات.. الويل للمدافعين عن حقوق الإنسان
جو ستورك
خبير حقوقي أميركي، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش.
كانت سنة 2018 قاتمة بالنسبة للمدافعين عن حرية الرأي في الخليج، فقد ركزت عناوين الصحف الكبرى، وبحق، على عملية القتل الشنيعة التي وقع ضحيتها الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، على يد أتباع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وتبعت ذلك أخبار سيئة أخرى في الأيام الأخيرة من العام المنصرم، من دون أن تتداولها وسائل الإعلام، فقد فوجئ نبيل رجب وأحمد منصور، وهما مدافعان رئيسيان عن حقوق الإنسان في البحرين والإمارات العربية المتحدة، بتثبيت العقوبة طويلة المدى التي يقضيانها حالياً في السجن، بحكم قراراتٍ نهائيةٍ اتخذتها محكمة الاستئناف، لمجرد انتقادهما العنف الذي يتسم به النظامان المتسلطان في البلدين.
وكان منصور بكل معنى الكلمة آخر المناضلين الصامدين (آخر المتكلمين كما يحب أن يصف نفسه) في الإمارات، عندما دهمته القوات الأمنية في منزله في مارس/ آذار الماضي، وحبسته في مكان مجهول أكثر من سنة، من دون أن يستطيع استشارة محام. كما بات المحامون القليلون الذين كانوا يدافعون عن المعارضين السياسيين في السجن أو في المنفى. وكان أحمد منصور قد خضع، قبل ذلك، لاعتداءات جسدية، وتهديدات بالقتل، وتجسّس متطور للغاية بواسطة برامج كمبيوتر، وذلك بسبب مناداته علناً بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
لجأت الإمارات إلى وكالات أميركية وبريطانية متخصصة في العلاقات العامة، لترويج صورتها نظاما سلطويا مستنيرا. وقد رعت الإمارات القمة العالمية عن التسامح التي دامت يومين، وجمعت مسؤولين حكوميين ودبلوماسيين وجامعيين "للاحتفاء بالتعايش بين الناس من مختلف الأوساط، بغض النظر عن آرائهم السياسية"، وبالفعل، شريطة ألا تشير هذه الآراء إلى انعدام التسامح والقسوة حيال الصوت السياسي المعارض، حتى لو كان سلمياً. في مايو/ أيار
2018 أصدرت محكمة أمن الدولة في المحكمة الاتحادية العليا حكماً بالسجن عشر سنوات على أحمد منصور، بتهمة إهانة "مكانة الإمارات ومرتبتها وشعائرها"، ونشر "معلومات خاطئة" على وسائل التواصل الاجتماعي "تضر بالوحدة الوطنية والانسجام الاجتماعي وتلحق الضرر بسمعة البلاد". وقد ردّت المحكمة الاتحادية العليا في 30 ديسمبر/ كانون الأول على الاستئناف المقدم من منصور بتثبيت عقوبته، وتأكيد الحكم.
وفِي البحرين، جاء القرار بحق نبيل رجب غداة تأكيد الحكم على منصور في 31 ديسمبر/ كانون الأول، حين أيدت محكمة التمييز، وهي أعلى محكمة استئناف في البلاد، الحكم الصادر في فبراير/ شباط 2018 عن المحكمة الكبرى الجنائيةـ بالسجن خمس سنوات، لأن نبيل انتقد مشاركة البحرين في الحملة العسكرية التي شنتها السعودية على اليمن، بتهمة "إهانة بلد مجاور" والتنديد بالتعذيب في السجن الرئيسي (إهانة هيئة قانونية). وكان قد تم توقيف نبيل رجب، وهو مؤسس ومدير المركز البحريني لحقوق الإنسان في منتصف شهر يونيو/ حزيران، وقضى سنتين في السجن، في قضيةٍ مشابهةٍ ولكنها منفصلة، بتهمة "نشر وبث أنباء خاطئة تمس هيبة الدولة". وكانت هذه الأنباء "المهينة" التي تم الإعراب عنها، في مقابلة تلفزيونية، تتضمن وقائع موثقة: أن الحكومة تمنع الصحافيين والباحثين في قضايا حقوق الإنسان من القدوم إلى البحرين، وأنها تحشد الأجانب (المرتزقة) في قواتها الأمنية، وأن هذه القوات تمارس التعذيب، وأن السلطة القضائية تفتقد الاستقلالية.
وكما لو كانت السلطة القضائية تود تأكيد هذه النقطة، فقد عمدت محكمة الاستئناف العليا ومحكمة التمييز إلى تثبيت العقوبات في القضيتين، على الرغم من أن رجب كان يمارس بكل بساطة حقه في حرية التعبير، وهي حريةٌ يزعم الدستور حمايتها.
وكان محامو رجب وأسرته يخشون، وبحق، أن تمثل جلسة 31 ديسمبر، في نهاية فترة سجنه الأولى، تعبيراً عن عزم الحكومة على إسكاته في زنزانة. وقد أقفلت الحكومة، وشجعتها في ذلك المحاكم، في السنتين الأخيرتين، الصحيفة المستقلة الوحيدة في البلاد، الوسط. وحظرت
مجموعتين سياسيتين مهمتين في المعارضة، هما "الوفاق" (إسلاموي شيعي) و"وعد" (علماني يساري). ويخشى بعضهم أن تشدّد المحكمة العقوبة المتخذة بحق رجب، وهو الأمر الذي كان قد حصل، بعد حكم البراءة الذي صدر على زعيم "الوفاق"، الشيخ علي سلمان، الذي وقع ضحية اتهامات باطلة بالتجسس لصالح قطر، فلقد استأنفت الدولة الحكم، وقضت محكمة التمييز ببطلان حكم البراءة، وحكمت على الشيخ بالسجن المؤبد في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
تكثر في الصحافة الأميركية المعلومات والافتتاحيات التي تفضح اضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان، عندما يتعلق الأمر بالصين أو فنزويلا أو إيران أو سورية. ولكن نادراً ما تجد مثلها عندما يكون السجان دولة البحرين، ولا تجدها إطلاقاً عندما يتعلق الأمر بالإمارات العربية المتحدة. وبصراحة شديدة: أنا أعرف أحمد ونبيل، وعملت مع كليهما بشكل وثيق، عندما كنت أحد المسؤولين في منظمة هيومن رايتس ووتش، ولم يُزجّا بعد في السجن. ومجرد الحديث عن نضالهما، وعن الحكم عليهما بالسجن، لا يكفي للتعبير عن حقيقة معاناتهما في الحبس الانفرادي في غالب الأحيان، وتدهور صحتهما والصدمة العميقة التي حلت بهما، لا بل وبزوجة كل منهما وأطفالهما.
لا علاقة لما نشهده اليوم في قضية أحمد منصور ونبيل رجب بالقضاء، ولا بسيادة القانون، بل هو سلوك عقابي بحت، تفرضه الدولة على أفرادٍ يرفضون كمّ أفواههم أمام الأسر الحاكمة في البحرين والإمارات، وتنفذه الحكومة بالتواطؤ التام مع أعلى الهيئات القضائية في البلدين.
لجأت الإمارات إلى وكالات أميركية وبريطانية متخصصة في العلاقات العامة، لترويج صورتها نظاما سلطويا مستنيرا. وقد رعت الإمارات القمة العالمية عن التسامح التي دامت يومين، وجمعت مسؤولين حكوميين ودبلوماسيين وجامعيين "للاحتفاء بالتعايش بين الناس من مختلف الأوساط، بغض النظر عن آرائهم السياسية"، وبالفعل، شريطة ألا تشير هذه الآراء إلى انعدام التسامح والقسوة حيال الصوت السياسي المعارض، حتى لو كان سلمياً. في مايو/ أيار
وفِي البحرين، جاء القرار بحق نبيل رجب غداة تأكيد الحكم على منصور في 31 ديسمبر/ كانون الأول، حين أيدت محكمة التمييز، وهي أعلى محكمة استئناف في البلاد، الحكم الصادر في فبراير/ شباط 2018 عن المحكمة الكبرى الجنائيةـ بالسجن خمس سنوات، لأن نبيل انتقد مشاركة البحرين في الحملة العسكرية التي شنتها السعودية على اليمن، بتهمة "إهانة بلد مجاور" والتنديد بالتعذيب في السجن الرئيسي (إهانة هيئة قانونية). وكان قد تم توقيف نبيل رجب، وهو مؤسس ومدير المركز البحريني لحقوق الإنسان في منتصف شهر يونيو/ حزيران، وقضى سنتين في السجن، في قضيةٍ مشابهةٍ ولكنها منفصلة، بتهمة "نشر وبث أنباء خاطئة تمس هيبة الدولة". وكانت هذه الأنباء "المهينة" التي تم الإعراب عنها، في مقابلة تلفزيونية، تتضمن وقائع موثقة: أن الحكومة تمنع الصحافيين والباحثين في قضايا حقوق الإنسان من القدوم إلى البحرين، وأنها تحشد الأجانب (المرتزقة) في قواتها الأمنية، وأن هذه القوات تمارس التعذيب، وأن السلطة القضائية تفتقد الاستقلالية.
وكما لو كانت السلطة القضائية تود تأكيد هذه النقطة، فقد عمدت محكمة الاستئناف العليا ومحكمة التمييز إلى تثبيت العقوبات في القضيتين، على الرغم من أن رجب كان يمارس بكل بساطة حقه في حرية التعبير، وهي حريةٌ يزعم الدستور حمايتها.
وكان محامو رجب وأسرته يخشون، وبحق، أن تمثل جلسة 31 ديسمبر، في نهاية فترة سجنه الأولى، تعبيراً عن عزم الحكومة على إسكاته في زنزانة. وقد أقفلت الحكومة، وشجعتها في ذلك المحاكم، في السنتين الأخيرتين، الصحيفة المستقلة الوحيدة في البلاد، الوسط. وحظرت
تكثر في الصحافة الأميركية المعلومات والافتتاحيات التي تفضح اضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان، عندما يتعلق الأمر بالصين أو فنزويلا أو إيران أو سورية. ولكن نادراً ما تجد مثلها عندما يكون السجان دولة البحرين، ولا تجدها إطلاقاً عندما يتعلق الأمر بالإمارات العربية المتحدة. وبصراحة شديدة: أنا أعرف أحمد ونبيل، وعملت مع كليهما بشكل وثيق، عندما كنت أحد المسؤولين في منظمة هيومن رايتس ووتش، ولم يُزجّا بعد في السجن. ومجرد الحديث عن نضالهما، وعن الحكم عليهما بالسجن، لا يكفي للتعبير عن حقيقة معاناتهما في الحبس الانفرادي في غالب الأحيان، وتدهور صحتهما والصدمة العميقة التي حلت بهما، لا بل وبزوجة كل منهما وأطفالهما.
لا علاقة لما نشهده اليوم في قضية أحمد منصور ونبيل رجب بالقضاء، ولا بسيادة القانون، بل هو سلوك عقابي بحت، تفرضه الدولة على أفرادٍ يرفضون كمّ أفواههم أمام الأسر الحاكمة في البحرين والإمارات، وتنفذه الحكومة بالتواطؤ التام مع أعلى الهيئات القضائية في البلدين.
دلالات
جو ستورك
خبير حقوقي أميركي، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش.
جو ستورك