ويسهر الخلق.. ثانية

29 مارس 2018
+ الخط -
على الرغم من أنني، ومنذ سنوات، تركت زاوية "شاعر العدد" التي كنت أنشرها شهريا في مجلة العربي الكويتية، إلا أن طيف تلك الزاوية ما زال يلاحقني، وكأنني لم أكتب ولم أنشر سواها، خصوصا بعد أن تحول بعضها لاحقا إلى كتاب صدر ضمن سلسلة كتاب المجلة العربية الأشهر بعنوان "ويسهر الخلق..". ففي كل مناسبة ثقافية ألتقي فيها مهتمين بالشعر، أجد من يسألني عن هذه السلسلة، ويعاتبني على توقفي عن كتابتها.
عدت الآن إلى كتاب "ويسهر الخلق.." استعدادا لإعادة نشره بعد سنواتٍ على نفاد نسخه، واسترجعت في سبيل ذلك مقدمته التي أحب الآن أن أشارك قراء "العربي الجديد" بعضها على سبيل التشجيع الذاتي لإتمام المهمة:
"لا شيء أقدر على تقديم شاعر أو التعريف به أكثر من شعره. ولذلك عندما طرحتْ عليّ مجلة العربي قبل عدة سنوات أن أضطلع بمهمة تقديم شاعر عربي، أختاره لقرائها في كل عدد من أعدادها بطريقة مبسطة وموجزة، وبما لا يتعدى الصفحتين من صفحاتها، استشعرت بثقل المهمة، على الرغم من ولعي بقراءة سير الشعراء عادة. وسبب ذلك الشعور هو الجزء الثاني من تلك المهمة السهلة الممتنعة، وأعني به اختيار بعض الأبيات الشعرية لكل شاعر، لكي تنشر في بعض صفحات المجلة، وتساهم في خلق جو شعري مفعم بروح شاعر العدد، يرافق القارئ في قراءته لبقية صفحات المجلة. لكن المهمة بدت لي عند مباشرتها أصعب مما توقعت، فالأبيات التي ينبغي أن أختارها لكل شاعر يجب أن تكون محدودةً، ولا تمتد لأكثر من ثلث الصفحة، وذلك لأسبابٍ فنيةٍ، تتعلق بطريق تصميم صفحات العربي، وهذا يعني أن تلك الأبيات لابد من أن تكون مجتزأة من سياقها، مما قد يخل بشكل القصيدة، أو شكل تلقي القارئ لما أجتزئ منها.
إلا أن نسبة الفشل كانت في اختياري لشعراء القصيدة العمودية، والشعراء القدامى بشكل عام، أقل بكثير من فشلي في الاختيار من قصائد الشعراء المحدثين وشعراء القصيدة الحرة بشكل عام أيضا. فقد كانت فكرة وحدة البيت في القصيدة العمودية تسهل المهمة إلى حد كبير.
لكن هذا كله لم يمنعني من التجربة، ما دام كل ما نكتبه، وما نقوم به، في إطار الكتابة والقراءة وتوابعهما هو مجرد تجربة، مهما بلغ رضانا أو عدم رضانا عليه. وهكذا، بدأت المهمة باختيار المتنبي لكتابة نبذة عن سيرة حياته، وسيرورة شعره كما أراهما، وهو الاختيار الأسهل، لكل من يتصدّى لمهمة كهذه المهمة، باعتباره الشاعر المجمع عليه تقريبا كأعظم شعراء العرب. وتتابعت بعد ذلك سلسلة الشعراء من كل المدارس الإبداعية والتيارات الفكرية والعصور التاريخية المختلفة.
ولأن مهمة اختيار الشعراء كانت تقع على عاتقي بأكملها مع استثناءات قليلة، فقد فضلت أن أختار شاعرا فلسطينيا، ليكون شاعر العدد في شهر مايو/ أيار من كل عام، وذلك تساوقا مع مواد العدد والتي كانت، في الغالب، تخصص لاستحضار ذكرى النكبة (مايو 1948)، كما فضلت أيضا أن يكون شاعر العدد في شهر فبراير/ شباط من كل عام شاعرا كويتيا، باعتبار أن فبراير هو شهر الأعياد الوطنية في الكويت، وهو الشهر الذي تختفي به المجلة احتفاء وطنيا يبرز رسالة الكويت الثقافية للوطن العربي. أما الاستثناء الثالث فكان يخص شاعر رمضان المبارك، حيث نختار في الغالب شاعرا ذا نزعية دينية في غالب نتاجه الشعري.
أما ما عدا هذه الاستثناءات الثلاثة، فقد كنت أختار بطريقةٍ شبه عشوائية، وإن حرصت على التنوع التاريخي، فغالبا ما كنت أختار شاعرا معاصرا يتلوه شاعر ينتمي للعصور الأولى المتقدمة، وهكذا بالتناوب..".
والآن.. من يدري؟ فربما عن طريق "العربي الجديد" أجدّد سيرتي مع "العربي القديم" على طريق القصيدة العربية وشعرائها القدماء والجدد أيضا.
دلالات
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.