10 أكتوبر 2024
مشروع إدانة حماس في الأمم المتحدة.. دوافع التحرك الأميركي وتداعيات فشله
فشل مشروع قرار أميركي، في الأمم المتحدة، في إدانة ما وصفها بـ "النشاطات العنيفة" التي تقوم بها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ضد إسرائيل. ولم يمرّ مشروع القرار المقدم في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2018، على الرغم من أنه حاز أغلبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو أمر خطير في حد ذاته؛ وذلك بسبب مناورة إجرائية قامت بها الكويت وبوليفيا، حازت قبولًا في الجمعية العامة؛ فقد اشترطت موافقة ثلثي الأعضاء عليه، والبالغ عددهم 193 دولة، وليس الأغلبية البسيطة فقط، وهو أمر دانته الولايات المتحدة الأميركية. وقد مرّت هذه المناورة الإجرائية بفارق ضئيل من الأصوات (75 مقابل 72 صوتًا)، وامتناع 26 دولة عن التصويت، إلا أن هذه النتيجة كانت كافيةً لإفشال مشروع القرار الأميركي، على الرغم من الضغوط الكبيرة التي مارستها واشنطن على الدول الأعضاء. وقد حصل مشروع القرار
الأميركي، في نهاية المطاف، على تأييد 87 دولة، وعارضته 58، بينما امتنعت 32 دولة عن التصويت، وغابت 16 دولة. وكان من شأن إجازة مشروع القرار الأميركي تمرير سابقةٍ في تاريخ المنظمة الدولية في إدانة صورةٍ من صور ممارسة الحق في مقاومة الاحتلال الذي تقرّه المواثيق الدولية، مع أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة غير ملزمة.
مضمون مشروع القرار الأميركي
جاء مشروع القرار الأميركي بعنوان "نشاطات حماس والجماعات المسلحة الأخرى في غزة"، ليقلب تقليد إدانة الاحتلال في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى إدانة مقاومة الاحتلال. ويأتي هذا الأمر ضمن محاولات إدارة الرئيس دونالد ترامب تغيير قواعد العلاقات الدولية.
ودان مشروع القرار الذي تُذكِّر لغته بخطابات رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في متنه، حركةَ حماس "لتكرّر إطلاقها الصواريخ على إسرائيل". كما دان ما زعم أنه استخدام "حماس" الموارد في قطاع غزة من أجل "بناء بنية تحتية عسكرية، بما في ذلك أنفاق للتسلل إلى إسرائيل ومعدات لإطلاق الصواريخ إلى مناطق مدنية". وطالب مشروع القرار "حماس والجهات الفاعلة الأخرى، بما فيها حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، بوقف جميع الأعمال الاستفزازية والنشاط العنيف، بما في ذلك استخدام البالونات والطائرات الورقية المشتعلة.
ودعا مشروع القرار (بطلب أوروبي) إلى اتخاذ "خطواتٍ ملموسة نحو المصالحة الفلسطينية"، و"إعادة توحيد قطاع غزة والضفة الغربية تحت السلطة الفلسطينية، وضمان عملها الفعال في قطاع غزة". وبناءً على طلب دول أوروبية أيضًا، وافقت الولايات المتحدة على أن يتضمن مشروع قرارها بندًا ينص على أن اتفاقية سلام إسرائيلية - فلسطينية مستقبلية، يجب أن تكون "وفقًا للقانون الدولي، ومع مراعاة قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة". ومع ذلك، لا تشير الوثيقة صراحة إلى حل الدولتين، على الرغم من أن هذا الحل يمثل الأرضية القانونية لكل قرارات الأمم المتحدة التي تبنتها في السنوات الأخيرة.
دوافع التحرك الأميركي
تمكن قراءة التحرك الأميركي لإدانة حركة حماس عبر الجمعية العامة ضمن ثلاثة سياقات، هي:
1. يأتي القرار لنزع أي شرعية دولية عن حركة حماس، وشرعنة الموقف الإسرائيلي في حصار القطاع، واتخاذ إجراءات عسكرية ضده إذا اختارت إسرائيل ذلك.
2. لا تمكن قراءة المحاولة الأميركية بعيدًا عن التقارير التي تشير إلى اقتراب البيت الأبيض من الكشف عن خطته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
3. أكد مسؤول أميركي أن بعثة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة نسّقت تحركها هذا بشكل وثيق مع البيت الأبيض ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأميركي، لكنّ هذا لا ينفي أن السفيرة الأميركية المستقيلة في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، كانت القوة الدافعة وراء المحاولة؛ فمنذ توليها منصبها قبل عامين، جعلت الدفاع عن إسرائيل والتصدي لمحاولات انتقادها وإدانتها في الأمم المتحدة شغلها الشاغل. ويبدو أن هيلي التي استقالت من منصبها في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، والتي تغادره في نهاية العام الجاري، أرادت أن تختم مسيرتها المهنية في الأمم المتحدة بتقديم "هديةٍ" إلى إسرائيل. ويبدو ذلك واضحًا في الجهود الشخصية التي بذلتها في محاولة تمرير مشروع القرار عبر الضغط على دول أعضاء كثيرة، بل وصل بها الأمر إلى توعُّد الدول التي تصوّت ضد مشروع القرار، حين قالت: "إن الولايات المتحدة تأخذ نتائج هذا التصويت على محمل الجد". ولم تُفوِّت هيلي في خطابها، أمام الجمعية العامة، فرصة تأكيد انحيازها التام إلى إسرائيل ومقتها سجل الأمم المتحدة "المعادي" لها. ولا يستبعد أن تكون جهود هيلي لاسترضاء إسرائيل واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة جزءًا من استثمار سياسي أوسع، إنْ قرّرت في المستقبل الترشح للرئاسة الأميركية.
نمط التصويت على القرار الأميركي وتداعياته
فشلت واشنطن في تمرير مشروع قرار إدانة المقاومة الفلسطينية. لكن، يجب ألَّا تُغفل حقيقة أن القرار حظي بتأييد أغلبية الدول الأعضاء (87 مقابل 58 دولة)، وهو أمر غير مسبوق في تعاطي الجمعية العامة مع القضية الفلسطينية. ولا يمكن فهم ذلك من دون بيئة الشقاق الفلسطيني، والأجواء العربية التطبيعية مع إسرائيل، ما أضعف الجبهتين، الفلسطينية والعربية، في المواجهة الدبلوماسية على المستوى الدولي بخصوص قضية فلسطين. ولو لم تنجح الكويت وبوليفيا في إقناع الجمعية العامة بضرورة تبني مشروع القرار بأغلبية الثلثين لكان قد تم تمريره. لكن هذا لا يعني تراجعًا بشأن تأييد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة؛ ذلك أن مشروع القرار الذي قدمته أيرلندا مباشرة، بعد فشل مشروع القرار الأميركي، والذي أكد صيغة حل الدولتين ودان سياسة الاستيطان الإسرائيلي، حظي بتأييد أغلبيةٍ ساحقة في الجمعية العامة، حيث صوتت 156 دولة لمصلحته، وعارضته خمس دول فقط، هي: إسرائيل والولايات المتحدة وأستراليا وليبيريا وجزر مارشال.
تركزت أغلب الدول التي صوتت لمصلحة مشروع القرار الأميركي في أوروبا والأميركتين وحوض المحيط الهادئ؛ بمعنى أن الولايات المتحدة فشلت في كسب مؤيدين في منطقة الشرق الأوسط، وبين الدول العربية تحديدًا، كما أنها لم تنجح في كسب دول إسلامية. وهذا يعني أنّ هناك تراجعًا في مستوى التأييد للفلسطينيين بين دول أميركا الجنوبية، كما في البرازيل التي قد تُقدم على نقل سفارتها إلى القدس، بعد نجاح اليمين في الانتخابات الرئاسية أخيرا. وكان لافتًا للانتباه، أيضًا، تصويت كل الدول الأوروبية لمصلحة مشروع القرار الأميركي (بشروط)، على الرغم من أن بعضها تحكمه أحزاب يسارية، كما هو الشأن بالنسبة إلى أيرلندا والسويد والبرتغال وإسبانيا، وهي دول عادةً ما تكون أكثر تأييدًا للحقوق الفلسطينية، لكن الشرخ الفلسطيني والحالة العربية يربكان مواقفها. ومن جهة أخرى، يبدو واضحًا أن التطبيع العربي والأفريقي مع إسرائيل لم يترجم إلى مواقف مباشرة وصريحة ضد الفلسطينيين، على الأقل
حتى اللحظة الراهنة. فمثلًا، صوتت سلطنة عمان التي زارها نتنياهو قبل أسابيع، ضد القرار، وكذلك صوّتت مصر والأردن الدولتان اللتان ترتبطان بمعاهدات سلام مع إسرائيل. وكان لافتًا للانتباه، أيضًا، تصويت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ضد مشروع القرار الأميركي، على الرغم من أن المندوب السعودي بدا أقرب في كلمته إلى الموقف الأميركي؛ إذ دان ضمنيًا حركة حماس. ويبدو أن الدول العربية التي تسارع إلى تعزيز علاقاتها بإسرائيل لا تزال متردّدة في الظهور علنًا بوصفها في خندق واحد معها ضد الفلسطينيين.
أفريقيًا، صوتت معظم دول القارة ضد مشروع القرار، أو امتنعت عن التصويت. ومن بين الدول الأفريقية، أيَّد القرار كل من الرأس الأخضر وأوغندا وليبيريا وجنوب السودان وإريتريا ورواندا وملاوي، علمًا أن إريتريا تتمتع بصفة مراقب في جامعة الدول العربية. أما إسلاميًا، فقد صوتت ألبانيا وأذربيجان لمصلحة القرار. وامتنعت الهند عن التصويت، على الرغم من التقارب بينها وبين إسرائيل، في حين صوتت الصين وروسيا ضد مشروع القرار الأميركي.
خلاصة
فشل مشروع القرار الأميركي، وعلى الرغم من ذلك يظهر المدى الذي يمكن أن تذهب إليه إدارة ترامب في دعم إسرائيل والوقوف إلى جانبها في المنابر الدولية، حتى لو كان ذلك على حساب القيم الإنسانية والقوانين والقرارات الدولية. كما تستمر إدارة ترامب في مساعيها المتمثلة بخلق وقائع جديدة على الأرض، لإعادة تعريف الحقوق الفلسطينية ومعايير أي حل مستقبلي ومحدداته. وكان قد سبق لإدارة ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر/ كانون الأول 2017، ثم نقل السفارة الأميركية إليها في مايو/ أيار 2018. وأُتبع ذلك بقطع التمويل الأميركي كليًا عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وذلك في محاولة لإرغامها على إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني؛ بحيث يستثني التعريف الجديد أبناء اللاجئين وأحفادهم. ويرى ترامب في مقاربة خلق حقائق جديدة في سياق الصراع خدمةً لمفاوضات السلام الفلسطينية – الإسرائيلية؛ ذلك أنه يزيل من طريقها، بحسب ما يرى، العقبات الكبرى. لكن إدارة ترامب ما كانت لتنجح في تمرير العديد من سياساتها، لولا ضعف الموقف الفلسطيني وتخاذل الموقف العربي. وقد انعكس ذلك كلّه تراجعًا في التأييد في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي هي، تاريخيًا، أقرب إلى الحقوق الفلسطينية، على نحوٍ شجّع الولايات المتحدة على أن تطرح مشروع القرار على هذه الجمعية؛ فقد ظنّت أنها قادرة على تمريره.
مضمون مشروع القرار الأميركي
جاء مشروع القرار الأميركي بعنوان "نشاطات حماس والجماعات المسلحة الأخرى في غزة"، ليقلب تقليد إدانة الاحتلال في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى إدانة مقاومة الاحتلال. ويأتي هذا الأمر ضمن محاولات إدارة الرئيس دونالد ترامب تغيير قواعد العلاقات الدولية.
ودان مشروع القرار الذي تُذكِّر لغته بخطابات رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في متنه، حركةَ حماس "لتكرّر إطلاقها الصواريخ على إسرائيل". كما دان ما زعم أنه استخدام "حماس" الموارد في قطاع غزة من أجل "بناء بنية تحتية عسكرية، بما في ذلك أنفاق للتسلل إلى إسرائيل ومعدات لإطلاق الصواريخ إلى مناطق مدنية". وطالب مشروع القرار "حماس والجهات الفاعلة الأخرى، بما فيها حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، بوقف جميع الأعمال الاستفزازية والنشاط العنيف، بما في ذلك استخدام البالونات والطائرات الورقية المشتعلة.
ودعا مشروع القرار (بطلب أوروبي) إلى اتخاذ "خطواتٍ ملموسة نحو المصالحة الفلسطينية"، و"إعادة توحيد قطاع غزة والضفة الغربية تحت السلطة الفلسطينية، وضمان عملها الفعال في قطاع غزة". وبناءً على طلب دول أوروبية أيضًا، وافقت الولايات المتحدة على أن يتضمن مشروع قرارها بندًا ينص على أن اتفاقية سلام إسرائيلية - فلسطينية مستقبلية، يجب أن تكون "وفقًا للقانون الدولي، ومع مراعاة قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة". ومع ذلك، لا تشير الوثيقة صراحة إلى حل الدولتين، على الرغم من أن هذا الحل يمثل الأرضية القانونية لكل قرارات الأمم المتحدة التي تبنتها في السنوات الأخيرة.
دوافع التحرك الأميركي
تمكن قراءة التحرك الأميركي لإدانة حركة حماس عبر الجمعية العامة ضمن ثلاثة سياقات، هي:
1. يأتي القرار لنزع أي شرعية دولية عن حركة حماس، وشرعنة الموقف الإسرائيلي في حصار القطاع، واتخاذ إجراءات عسكرية ضده إذا اختارت إسرائيل ذلك.
2. لا تمكن قراءة المحاولة الأميركية بعيدًا عن التقارير التي تشير إلى اقتراب البيت الأبيض من الكشف عن خطته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
3. أكد مسؤول أميركي أن بعثة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة نسّقت تحركها هذا بشكل وثيق مع البيت الأبيض ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأميركي، لكنّ هذا لا ينفي أن السفيرة الأميركية المستقيلة في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، كانت القوة الدافعة وراء المحاولة؛ فمنذ توليها منصبها قبل عامين، جعلت الدفاع عن إسرائيل والتصدي لمحاولات انتقادها وإدانتها في الأمم المتحدة شغلها الشاغل. ويبدو أن هيلي التي استقالت من منصبها في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، والتي تغادره في نهاية العام الجاري، أرادت أن تختم مسيرتها المهنية في الأمم المتحدة بتقديم "هديةٍ" إلى إسرائيل. ويبدو ذلك واضحًا في الجهود الشخصية التي بذلتها في محاولة تمرير مشروع القرار عبر الضغط على دول أعضاء كثيرة، بل وصل بها الأمر إلى توعُّد الدول التي تصوّت ضد مشروع القرار، حين قالت: "إن الولايات المتحدة تأخذ نتائج هذا التصويت على محمل الجد". ولم تُفوِّت هيلي في خطابها، أمام الجمعية العامة، فرصة تأكيد انحيازها التام إلى إسرائيل ومقتها سجل الأمم المتحدة "المعادي" لها. ولا يستبعد أن تكون جهود هيلي لاسترضاء إسرائيل واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة جزءًا من استثمار سياسي أوسع، إنْ قرّرت في المستقبل الترشح للرئاسة الأميركية.
نمط التصويت على القرار الأميركي وتداعياته
فشلت واشنطن في تمرير مشروع قرار إدانة المقاومة الفلسطينية. لكن، يجب ألَّا تُغفل حقيقة أن القرار حظي بتأييد أغلبية الدول الأعضاء (87 مقابل 58 دولة)، وهو أمر غير مسبوق في تعاطي الجمعية العامة مع القضية الفلسطينية. ولا يمكن فهم ذلك من دون بيئة الشقاق الفلسطيني، والأجواء العربية التطبيعية مع إسرائيل، ما أضعف الجبهتين، الفلسطينية والعربية، في المواجهة الدبلوماسية على المستوى الدولي بخصوص قضية فلسطين. ولو لم تنجح الكويت وبوليفيا في إقناع الجمعية العامة بضرورة تبني مشروع القرار بأغلبية الثلثين لكان قد تم تمريره. لكن هذا لا يعني تراجعًا بشأن تأييد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة؛ ذلك أن مشروع القرار الذي قدمته أيرلندا مباشرة، بعد فشل مشروع القرار الأميركي، والذي أكد صيغة حل الدولتين ودان سياسة الاستيطان الإسرائيلي، حظي بتأييد أغلبيةٍ ساحقة في الجمعية العامة، حيث صوتت 156 دولة لمصلحته، وعارضته خمس دول فقط، هي: إسرائيل والولايات المتحدة وأستراليا وليبيريا وجزر مارشال.
تركزت أغلب الدول التي صوتت لمصلحة مشروع القرار الأميركي في أوروبا والأميركتين وحوض المحيط الهادئ؛ بمعنى أن الولايات المتحدة فشلت في كسب مؤيدين في منطقة الشرق الأوسط، وبين الدول العربية تحديدًا، كما أنها لم تنجح في كسب دول إسلامية. وهذا يعني أنّ هناك تراجعًا في مستوى التأييد للفلسطينيين بين دول أميركا الجنوبية، كما في البرازيل التي قد تُقدم على نقل سفارتها إلى القدس، بعد نجاح اليمين في الانتخابات الرئاسية أخيرا. وكان لافتًا للانتباه، أيضًا، تصويت كل الدول الأوروبية لمصلحة مشروع القرار الأميركي (بشروط)، على الرغم من أن بعضها تحكمه أحزاب يسارية، كما هو الشأن بالنسبة إلى أيرلندا والسويد والبرتغال وإسبانيا، وهي دول عادةً ما تكون أكثر تأييدًا للحقوق الفلسطينية، لكن الشرخ الفلسطيني والحالة العربية يربكان مواقفها. ومن جهة أخرى، يبدو واضحًا أن التطبيع العربي والأفريقي مع إسرائيل لم يترجم إلى مواقف مباشرة وصريحة ضد الفلسطينيين، على الأقل
أفريقيًا، صوتت معظم دول القارة ضد مشروع القرار، أو امتنعت عن التصويت. ومن بين الدول الأفريقية، أيَّد القرار كل من الرأس الأخضر وأوغندا وليبيريا وجنوب السودان وإريتريا ورواندا وملاوي، علمًا أن إريتريا تتمتع بصفة مراقب في جامعة الدول العربية. أما إسلاميًا، فقد صوتت ألبانيا وأذربيجان لمصلحة القرار. وامتنعت الهند عن التصويت، على الرغم من التقارب بينها وبين إسرائيل، في حين صوتت الصين وروسيا ضد مشروع القرار الأميركي.
خلاصة
فشل مشروع القرار الأميركي، وعلى الرغم من ذلك يظهر المدى الذي يمكن أن تذهب إليه إدارة ترامب في دعم إسرائيل والوقوف إلى جانبها في المنابر الدولية، حتى لو كان ذلك على حساب القيم الإنسانية والقوانين والقرارات الدولية. كما تستمر إدارة ترامب في مساعيها المتمثلة بخلق وقائع جديدة على الأرض، لإعادة تعريف الحقوق الفلسطينية ومعايير أي حل مستقبلي ومحدداته. وكان قد سبق لإدارة ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر/ كانون الأول 2017، ثم نقل السفارة الأميركية إليها في مايو/ أيار 2018. وأُتبع ذلك بقطع التمويل الأميركي كليًا عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وذلك في محاولة لإرغامها على إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني؛ بحيث يستثني التعريف الجديد أبناء اللاجئين وأحفادهم. ويرى ترامب في مقاربة خلق حقائق جديدة في سياق الصراع خدمةً لمفاوضات السلام الفلسطينية – الإسرائيلية؛ ذلك أنه يزيل من طريقها، بحسب ما يرى، العقبات الكبرى. لكن إدارة ترامب ما كانت لتنجح في تمرير العديد من سياساتها، لولا ضعف الموقف الفلسطيني وتخاذل الموقف العربي. وقد انعكس ذلك كلّه تراجعًا في التأييد في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي هي، تاريخيًا، أقرب إلى الحقوق الفلسطينية، على نحوٍ شجّع الولايات المتحدة على أن تطرح مشروع القرار على هذه الجمعية؛ فقد ظنّت أنها قادرة على تمريره.