عن المرأة وسقف الزجاج

09 نوفمبر 2018

إلهان عمر ورشيدة طليب

+ الخط -
يحضر تعبير "سقف الزجاج"، أو "السقف الزجاجي" في الأدبيات الغربية، ويعني ذلك الحاجز الحائل دون عبور النساء إلى مراكز عليا في مؤسّسات الحكم والإدارة، أو في قيادة الشركات والمؤسسات. ظهر التعبير في ثمانينيات القرن الماضي، بعدما أطلقته في العام 1978 المستشارة في الإدارة، مارلين لودن، لوصف السقف الذي حُشرت تحته النساء، وحال دون نفاذهن إلى مواقع متقدّمة في مجالس إدارات الشركات الكبرى. وما بين العام 1932، عندما انتخبت هاتي كاراواي أول امرأة في الولايات المتحدة عضوا في مجلس الشيوخ، وانتخابات الثلاثاء الماضي، مروراً بانتخابات الكونغرس في العام 1992 الذي وُصف بأنه عام المرأة، يبدو أن المرأة قطعت شوطاً بعيداً في تهشيم السقف الزجاجي.
شاهدنا يوم الثلاثاء الماضي، سيداتٍ ناضلن للفوز بمكانة أعلى في الحياة العامة، فدخلن التاريخ الأميركي، وخلفهن أجيال من النساء اللواتي آثرن اختراق السقف على الجلوس تحته، أو في ظله. في الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي أخيرا، نفذت الفلسطينية الأصل، رشيدة طليب، ومعها صومالية الأصل، إلهان عمر، من تحت سقف الزجاج إلى تحت سقف أعلى سلطة تشريعية في الولايات المتحدة. وبذلك تكون رشيدة أول فلسطينية تصل إلى الكونغرس، وتكون إلهان أول صومالية تحتل مقعداً تحت قبة السلطة التشريعية، ومعاً تسجلان اختراقاً تاريخياً، كونهما أول مسلمتين تجلسان إلى جانب عُتاة الشيوخ.
سجلت أخرياتٌ اختراقات غير مسبوقة خلال انتخابات الثلاثاء الماضي، فقد ظفرت الشابة إلكساندرا أوكاسيو- كورتيز (29 سنة) بمقعد الدائرة الرابعة عشرة في نيويورك، وأصبحت بذلك أصغر امرأة تنضم للكونغرس. ونجحت ديب هالاند، وزميلتها شاريسي ديفدز، في إحراز نصر كونهما أول امرأتين تمثلان "سكان أميركا الأصليين" في الكونغرس. وسجلت الديمقراطية إيانا بريسلي نصراً جديداً لسود أميركا، لتصبح أول سيدة سوداء في الكونغرس. وأصبحت فيرونيكا إسكوبار وسيلفيا غارسيا أول سيدتين من أصل لاتيني تصلان إلى عضوية السلطة التشريعية الأميركية.
لم يقتصر تقدّم النساء في الحياة العامة على الولايات المتحدة، ففي إثيوبيا انتخبت سهلي ورق زودي، نهاية الشهر الماضي، أول رئيسة للبلاد، لتكون المرأة الوحيدة التي تترأس دولة في أفريقيا في الوقت الراهن. وبعد أيام، اختار برلمان بلادها، لأول مرة، سيدة أخرى، هي اميازا أشيفاني، رئيسة للمحكمة العليا.
أما في الشرق البعيد، فقد اختارت الأميرة اليابانية أيوكو كسر السقف الزجاجي بطريقة مختلفة، رومانسية، إذ ضحّت بلقبها الإمبراطوري في سبيل الزواج من موظف بسيط في شركة شحن. تزوجت الأميرة الشابة (28 عاماً)، الابنة الصغرى لابنة عم الإمبراطور أكيهيتو، حبيبها في احتفال تقليدي، واختارت "عشّ الزوجية" المتواضع على حياة القصور الملكية التي أُخرجت منها بموجب قانونٍ يجرّد النساء من وضعهن الملكي إذا تزوجن من شخصٍ عادي. تخلت الأميرة عن الحياة العامة، لتهنأ بحياة خاصة هادئة. لم تعد أيوكو تحمل لقب أميرة، واكتفت بحمل اسم زوجها كِي موريا. وعلى خطى أيوكو، ستسير الأميرة ماكو، حفيدة أكيهيتو الأكبر، لتعقد قرانها بعد عامين على موظف من العامة.
إذا كانت رشيدة طليب، وزميلتها إلهان عمر، واليابانية أيوكو، والإثيوبية سهلي ورق زودي، انتصرن في كسر سقوف الزجاج، فإن غيرهن لا يزلن تحت سقوفٍ من فولاذ، تخنق أنفاسهن، خلف جدران عالية من الظلم والاضطهاد. تحت هذه السقوف البشعة، لاقت الشقيقتان السعوديتان روتانا وتالا الفارع، حتفهما في مياه نهر هدسون النيويوركي. ربما فَضّلت الشقيقتان روتانا (22 عاما) وتالا (16) الموت على العودة إلى السعودية، أو ربما قُتلتا بعد رفضهن العودة. وفي الحالتين، لا ذنب اقترفتاه سوى محاولة كسر سقوفٍ طحنت إنسانيتهما.
وما بين خروق جديدة حققتها نساءٌ أمثال رشيدة طليب وإلهان عمر، وغيرهن ممن كسرن السقف الزجاجي، وبين إخفاقات كُتبت للشقيقتين روتانا وتالا، وما برحت تطارد غيرهن، لا يزال المشوار بعيداً وشاقاً لكسر سقوفٍ لا ترى في المرأة سوى متاع يُوَرَّث، خُلق من ضلع أعوج.
دلالات
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.