في جدوى العقوبات على إيران

05 نوفمبر 2018
+ الخط -
يبدأ اليوم تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات التي قرّر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فرضها على إيران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي في 8 مايو/ أيار الماضي، وجرى تطبيق الحزمة الأولى منها في 7 أغسطس/ آب الماضي. تتسم الحزمة الجديدة بالشمول والتنوّع، وتغطي مجالات كثيرة ومستويات مختلفة، يفترض أن المساس بها يؤثر مباشرةً وبقوة في مفاصل الاقتصاد الإيراني، إلا أن الصورة أشمل من ذلك التشريح المجرّد للعقوبات الجديدة.
من حيث المبدأ، لم تنجح آلية العقوبات أبداً في تغيير سلوك أي دولة، فضلاً عن إضعاف نظام الحكم أو كسر إرادتها. بل على العكس، كثيراً ما كانت العقوبات سبباً في ردّ فعلٍ عكسي على المستويين، الشعبي والرسمي. حيث تبادر الشعوب إلى الالتفاف حول الأنظمة، حتى وإن كانت غير ديمقراطية، خصوصاً حين تروّج تلك النظم أن العقوبات وسيلة لفرض الهيمنة وإذلال الشعوب.
لكن في الحالة الإيرانية، هذه المرة، لا تنبع العقبات التي تواجه العقوبات الأميركية من تماسك الداخل الإيراني وصموده بشكل رئيسي، كما كان الحال في مواجهة العقوبات السابقة على إبرام الاتفاق النووي.
تبدأ مقومات ضعف العقوبات الأميركية الجديدة من آلية تطبيقها، أو بالأصح الثغرات الكامنة في كيفية تطبيقها، فقد اضطرت الإدارة الأميركية إلى منح استثناءات لبعض الدول من الحظر المفروض على التعامل مع طهران، خصوصاً في تجارة النفط. وعلى الرغم من أن ثماني دول فقط حصلت على هذا الاستثناء، إلا أن خبرة إيران الطويلة في التحايل على العقوبات تشي بأنها ستحسن توظيف الإعفاءات الممنوحة لبعض الدول رسميا، في توسيع نطاق تجارتها النفطية مع الدول الأخرى.
وبعد أن أعلنت واشنطن بوضوح أن هدفها تصفير نفط إيران، أي الوصول بصادرات إيران النفطية إلى المستوى "صفر"، فإن إعفاء بعض الدول لا يعني فقط إقراراً بالإخفاق في تحقيق الهدف، بل أيضاً التخلي عنه.
وعلى خلاف الحزم السابقة من العقوبات، تنفرد واشنطن وحدها بتطبيق العقوبات الجديدة. ولم يكتف شركاؤها التقليديون برفضها والاعتراض عليها. بل بادر الأوروبيون إلى اتخاذ خطوة عملية، بإنشاء كيان اقتصادي خاص، مهمته تنظيم التعاون الاقتصادي مع إيران. ليس فقط لتجنب العقوبات الأميركية والالتفاف حولها، لكن بالأساس لضمان الاستمرار في تنفيذ الاتفاق النووي مع طهران.
إضافة إلى تلك الخطوة الجديدة، يحاول بنك الاستثمار الأوروبي تقليل خسائر طهران المصرفية والتمويلية، سواء بشكل مباشر، أو بلعب دور الوسيط بين إيران ومصادر التمويل والأنشطة التنموية والجهات الاستثمارية في أوروبا وآسيا.
وبالطبع، لدى طهران أصدقاؤها التقليديون الذين لعبوا دوراً محورياً في مواجهة العقوبات الغربية عليها عقودا. وهم خصوصا، الصين وروسيا وكوريا الشمالية وفنزويلا. إضافة إلى إجادة إيران تحويل تميّزها الجيواستراتيجي إلى مكاسب اقتصادية وسياسية، من خلال إيجاد ممرّات تجارية متنوعة في الجوار الحيوي المباشر، خصوصاً عبر الدول الموصلة إلى الأسواق العالمية المهمة، مثل تركيا.
وفي ظل السياسة العدوانية التي يتبعها ترامب تجاه دولٍ كثيرة، وتبني منطق الإجبار ولغة القوة في إدارة علاقات واشنطن الخارجية، فإن الصين التي تواجه حرباً تجارية أميركية شرسة، لن تتوانى عن مساندة إيران للوقوف في وجه ترامب. كما أن دولاً، مثل تركيا التي صارت علاقاتها مع واشنطن متوترة دائماً بفضل ترامب، لن تضحّي بمكاسبها الاقتصادية ومصالحها الاستراتيجية مع إيران إرضاء لترامب. وينطبق هذا أيضاً على دول كثيرة، تعاني من بلطجة ترامب وسياساته الابتزازية.
لا تعني هذه العقبات الكثيرة أمام عقوبات واشنطن على إيران أن الحزمة الجديدة ستفشل تماماً. لكنها بالتأكيد ستفقد كثيراً من فاعليتها وجدواها المتصوّرة عند ترامب وصقور إدارته. ما سيفضي، في النهاية، إلى استمرار الشد والجذب، واستئناف لعبة التفاوض والمقايضة التي تجيدها طهران وواشنطن بامتياز، وتمارسانها منذ عقود.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.