الثلاثي الضامن في سورية بين التحالف والتصادم

11 يناير 2018
+ الخط -
توحي بعض الأخبار السياسية المرتبطة بالملف السوري بتحوّل العلاقة بين تركيا وإيران وروسيا إلى تحالف وثيق، بعد سنوات الصراع في سورية، ما يشير، وفقاً لبعض التحليلات والقراءات، إلى اقتراب الحل السياسي في سورية، حيث تعبّر الدول الثلاث، والتي باتت معروفة باسم الثلاثي الضامن، عن الدول الأكثر نفوذاً وتأثيراً على مسار الصراع الجاري، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن مكتسبات وهزائم كل منها أو عن الرابح الأكبر من هذا الصراع، خصوصاً في ظل يقيننا من أن الشعب السوري هو الخاسر الأكبر في كل من صراعهم وتحالفهم. لكن وقبل الحديث عن ثنايا الاتفاق والصراع فيما بينهم، لابد من الإشارة إلى أنه يستند إلى نجاح هذا الثلاثي في تمكين قوى الثورة المضادة والقوى الرجعية والاستبدادية من السيطرة على المشهد السوري، العسكري أولاً والسياسي ثانياً، في خطوة لابد منها لضمان بعض مصالحهم السياسية والاقتصادية واللوجستية، وهو ما سوف يصطدم لاحقاً، إن تم، بإرادة الشعب السوري وحركته، بعد أن تتجاوز أخطاء الماضي القريب، من قبيل خطأ التعويل على الخارج، والانجرار خلف أجواء الترويج الإعلامي، وأخيراً إهمال أهمية العمل التحريضي والتنظيمي الثوري.
إذن، علينا أن نساهم في تعريتهم، والكشف عن كذب خطاباتهم الرنانة التي عملت على استغلال مشاعر السوريين، من أجل تمكين سيطرة أذرعهم المحلية، وبالتالي حماية مصالحهم الذاتية. وهو ما قد يساهم في تصويب المسار الثوري، وبالتالي تصويب المآل السوري الذي لا ينطوي اليوم على أيٍّ من بشائر الخير، ولتكن البداية من تقصّي أسباب انتهاء حقبة الصراع، والولوج في حقبة التحالف والتوافق، كارتفاع تكلفة الصراع، هذه التكلفة التي تجاوزت تقديرات كل منهم بمراحل عديدة، كما أدت حالة عدم الاستقرار والتخبط والتقلب الدائم إلى تصاعد ميل الثلاثي 
نحو تثبيت بعض منجزاتهم ومكتسباتهم المحقّقة اليوم، خوفاً مما قد تحمله الأيام المقبلة، سواء على صعيد تكلفة الصراع، أو على صعيد تقلبات جديدة ومفاجئة تؤدي إلى خسارة بعض المكتسبات. فمن ناحيةٍ، ترغب إيران في تحصين تمدّدها، وضمان تواصل مرتكزاتها العربية في كل من العراق ولبنان وسورية، الأمر الذي يمنحها نفوذاً إقليمياً كبيراً ويحولها إلى قطب إقليمي لا يمكن تجاوزه، وهو ما سوف ينعكس على علاقتها مع مجمل المجتمع الدولي، فضلاً عن سعيها إلى حماية وضمان تنفيذ غالبية الاتفاقات الاقتصادية المبرمة مع الحكومة السورية، ومنها ضمان استمرار حركة التصدير الإيرانية إلى سورية والدول المحيطة وزيادتها. بينما تسعى تركيا إلى تحصين تمدّدها ونفوذها العسكري داخل الأراضي السورية، والذي يشكل خط دفاع أوليا في مواجهة الطموح الكردي. كما يشكل ثقلا ونفوذا استراتيجيا يزيد القوة السياسية التركية، ما يعزّز حضورها الإقليمي لاعبا مهما ومؤثرا في المنطقة، فضلاً عن حماية مكتسباتها الاقتصادية، لاسيما المتعلقة بسيطرتها الاقتصادية على مناطق الشمال السوري، سواء عبر حركة التصدير أو عبر تحوّل تركيا إلى المعبر التجاري الوحيد لهذه المناطق الغنية طبيعياً. وأخيراً، يمكن الحديث عن مكاسب روسيا، الطرف الأقوى والأبرز، ضمن أضلاع المثلث الضامن، والتي تسعى إلى تثبيت عودتها الدولية عبر البوابة السورية، من خلال فرض نفسها لاعبا دوليا مؤثرا ومهما في جميع القضايا الدولية، لابد من أخذ موافقته ومصالحه في الاعتبار، بالإضافة إلى رغبتها في زيادة مكاسب تجارتها العسكرية المتصاعدة، على خلفية عملياتها العسكرية داخل الأراضي السورية، إذ أظهر الإعلام الروسي فاعليةً، وقوة تدمير هذه الأسلحة، لتخترق الصناعات الحربية الروسية السوق العربي وسوق الشرق الأوسط. وطبعا يضاف إلى ما سبق نجاح الروس في السيطرة على طرق تصدير الغاز المسال من منطقتنا تجاه الأسواق الأوروبية. وبالتالي، أصبحوا قادرين على التحكّم بكمية (ونوعية واتجاه) كل ما يمر عبر المعابر البحرية والبرية المسيطرة عليها، وهو ما يجعلها ورقة ضغط روسية مضادة، بعد أن كان الأوروبيون يهدّدون القيادة الروسية بالتحول نحو الغاز العربي والإيراني، بوصفه منافسا استراتيجيا للغاز الروسي. وأخيراً يعكس الاتفاق أو الميل نحو الاتفاق الرغبة الروسية كذلك في حصد التبعات الاقتصادية المباشرة للسيطرة على سورية، أو على جزء منها، سواء المتعلقة بتنامي حركة التصدير الروسية، أو المرتبطة بعملية إعادة الإعمار والبناء.
بينما توحي بعض الأحداث والأخبار باستمرار أجواء الصراع بينهم جميعاً، وإن خفّت حدة هذا الصراع ودمويته، فمن ناحيةٍ، نجد تسابقا فرديا على كسب الرضا الأميركي إجمالاً، وعلى اتفاقهم خصوصا. ومن ناحية أخرى، نجد تخبطا وتضاربا في التعامل، وفي الموقف من حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) ومن طبيعة العلاقة معه، فضلاً عن التباعد الواضح في العلاقة 
مع الكيان الصهيوني، ومدى الرضوخ لشروطه ومصالحه ومطالبه. وأخيراً من خلال المعارك الجارية بين أدوات الدول الثلاث داخل سورية، لاسيما في حماة وإدلب والغوطة الشرقية. طبعاً من دون نسيان قضايا وخلافات كثيرة فيما بينهم، لا ترتبط بشكل مباشر بالوضع السوري، وهو ما يؤكد هشاشة الاتفاق الحالي، كما يعكس حجم استنزاف كل منهم في سورية، إلى درجة باتوا فيها يبحثون عن أي هدوء، ولو مؤقت، لاسيما داخل سورية، كونهم قد لمسوا حجم الخوف والتقلب المرافق للحالة السورية، والذي يشكل خطرا على ما قد حققوه حتى الآن. لكنه لا يعكس قناعتهم بضرورة تثبيت الوضع الحالي فترة طويلة، حيث مازالوا يضمرون النقمة والغضب على محدودية مكاسبهم الراهنة، مقارنة بطموحاتهم وحجم خسائرهم، وهو ما يعبر عنه عملياً ببعض المناوشات، السياسة منها والعسكرية أحياناً، تعبيرا عن قدراتهم وطموحاتهم القابلة للتفجر من جديد، عند أي منعطف دولي أو إقليمي جديد، كنجاح تحالفاتٍ أخرى أكثر تجانساً، أو هزات سياسية واقتصادية وأمنية، تضرب أحد أضلاع هذا المثلث.
وأخيراً، يجب التذكير بتهميش الثلاثي الضامن جميع مصالح الشعب السوري، وإخراجه من حساباتهم المستقبلية، على الرغم من تمسّكهم جميعاً بادّعاء البحث عن مصالح السوريين وحقوقهم، لنصبح أمام مشهدٍ لا لبس فيه، ولا نقاش حوله، يوضح كذب جميع الادعاءات والتصريحات التي تدّعي تمثيل مصالح السوريين، ما يجب أن يشكل مستندا لطوي صفحة التعويل على الخارج، سواء أكان الخارج إسلاميا أم ممانعا أم دول الديمقراطية الغربية أم قوى استعمارية مستجدة ومستندة إلى ماضيها دولا داعمة وراعية لحركات التحرر ولحركات المواجهة مع الغرب الاستعماري، من أجل الالتفات إلى قوى الشعب السوري التي عمل الجميع دولياً ومحلياً، عبر قوى الثورة المضادة، على طمس صوتها وإرادتها وتكبيل حركتها، فمعركة الحرية والاستقلال والسيادة والتطور والبناء معركة طويلة وقوية وقاسية، وحاملها الوحيد والحصري وطنيو سورية ومفقروها ومضطهدوها، أصحاب المصلحة الوحيدون في تحقيق أهداف الثورة، وإنجاز النهوض المجتمعي والاقتصادي والسياسي المنشود.
75812723-2689-4553-B56D-72CE271905DB
حيّان جابر
كاتب فلسطيني، مشارك في إعداد ملحق فلسطين.