كيان مجلس التعاون الخليجي وأزمة الحصار

08 سبتمبر 2017
+ الخط -
بعد قرابة المائة يوم من عمر الأزمة الخليجية، المتمثلة في حصار دول خليجية (السعودية الإمارات والبحرين) دولة قطر، لا تزال هذه الأزمة تراوح مكانها، فلا حل يلوح في الأفق، سواء من خلال وسيطها دولة الكويت، أو من خلال المجتمع الدولي الذي يعوّل، في كل بياناته، على دولة الكويت وسيطاً فيها، وإن كان من الواضح أن بعض دول المجتمع الدولي يرغب في إدارة الأزمة وليس في إنهائها.
عموما، سواء حلت هذه الأزمة قريبا، أو طال عمرها، فلقد عملت على شرخ البيت الخليجي بكل ما فيه، وخلقت مشاعر تنافر وخوف وقلق بين أبنائه بعضهم بعضا، يصعب معها استعادة الثقة بينهم في المنظور القريب. كما أظهرت هذه الأزمة ضعف كيان مجلس التعاون الخليجي ووهنه، وهو الذي قام، في أساسه، على مخاوف أمنية في الثمانينيات من القرن الماضي، وها هو اليوم، في بداية هذا القرن، تتهاوى أركانه بسبب أمني بين أعضائه. فلم يكن له دور في حل هذه الأزمة من قريب أو بعيد، ولا حتى ظهر وجودٌ لأمينه العام الذي ناله من التهكّم الكثير في وسائل التواصل الاجتماعي التي برزت، بشكل قوي، وسيلةً للتعبير لمواطني دول الحصار ودولة قطر المحاصرة حيالها، إذ انحدرت تغريدات كاتبيها في الكثير منها إلى مستوياتٍ من الانحطاط الأخلاقي، لم تعرفه دول المنطقة، منذ تكوينها، بشهادة الجميع.
وعلى الرغم من أن هذه الأزمة نشأت بين أشقاء في القرابة والدين والنسب، إلا أن العالم لم يشهد مثيلا لها، في أساليبها، من حيث ضربها النسيج الاجتماعي بين شعوب دول منطقة الخليج، والترابط الأسري بين هذه الشعوب، فقد بلغت دول الحصار، في فجور خصومتها لدولة قطر، وبتشجيع من ساستها، حدودا لم تعهد في نزاعات بين دول عديدة في العالم. فعلى سبيل المثال، لم يشر التاريخ إلى منع الولايات المتحدة الشعب الكوبي من دخول الولايات المتحدة بالمجمل، على الرغم من حصار الأخيرة كوبا. ولم يُعاقَب الشعب الإيراني بالكلية من الدول الغربية، على الرغم من معاقبته إيران، وإنما وجه ذلك لمؤسسات إيرانية وأشخاص بعينهم، والأمثلة كثيرة في هذا الشأن.
لقد كشفت هذه الأزمة، كما ذكرت، هشاشة كيان مجلس التعاون الخليجي الذي، في نظري ونظر كثيرين من أبنائه في المنطقة، لم يكن له وجود يذكر إلا اسمه. وبالتالي، لا يمكن أن يكون من المقبول بعد اليوم بقاء هذا الكيان على حاله، ما لم يكن هنالك إعادة لبنائه على أسس جديدة بالكلية، تتمثل أولها بالعمل على نقل مقره إلى دولة من أعضائه أكثر حركة وديناميكية في العمل السياسي، وقد تكون دولة الكويت في هذه الحالة الأكثر ملاءمة لاستضافة مقرّه. وذلك انطلاقا من عدم تركه تحت رحمة أكبر دولة عضو فيه، آخذين في الاعتبار مثالا على ذلك أماكن وجود مقرات مؤسسات الاتحاد الأوروبي المتوزعة على أصغرها فيه، حيث لا وجود لها في عواصم دوله الكبرى، حتى لا تكون هنالك هيمنة لها على هذه المؤسسات، بحكم المساحة والتأثير فيه. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، على دول المجلس العمل على خلق كيان جديد، قد يكون المجلس الحالي قاعدة له من حيث المبدأ، بشرط أن يختلف عنه في التصور والدور في حياة كياناته وشعوبه.
3D6AC63F-C3C1-46BD-92A9-270C48705376
3D6AC63F-C3C1-46BD-92A9-270C48705376
مبارك كليفيخ الهاجري

سفير دولة قطر لدى الاتحاد السويسري وإمارة ليختنشتاين

مبارك كليفيخ الهاجري