جهود الإعمار ومعضلة الفساد

21 فبراير 2018
+ الخط -
مؤتمرات الإعمار التي تُعقَد من وقت إلى آخر من أجل جمع التبرعات، لإعمار بعض دولنا العربية جرّاء تدميرها على أيدي أبنائها وآخرين، أمرٌ يدعو إلى الضحك والحسرة، كون هذه المؤتمرات لا تُعقَد إلا لمنطقتنا العربية، فلا نرى عقدها لدول أخرى، شرقية أم غربية، كون هذه الدول، منذ آخر مصائبها، تعافت منها، ولم تعُد في حاجةٍ لإعمار، عدا ما تفعلُه الطبيعة بها من وقت إلى آخر، وتكون ما تحصُل عليه هذه الدول من مساعداتٍ جراء الكوارث الطبيعية مبادراتٍ من دول صديقة، على خلاف عالمِنا العربي، حيث يتم تدمير دولِه بأيدي أبنائه وغيرهم، ثم تُعقد لهم مؤتمرات إعمار، لتنتفع منها شركات الدول الغربية مددا طويلة، وما أن تنتهي من عملها في هذا البلد تنتقل إلى بلد آخر لعمَل الشيء نفسه. وكأن مهمة أبناء تلك الدول المتضرّرة جرّاء الدمار الذي يلحق بها أن تكون دمَ الحياة لتلك الشركات والمؤسسات الغربية. الصومال أمس والعراق اليوم، وعلى اللائحة تأتي سورية واليمن وليبيا وأجزاء من مصر، والحبل على الجرّار كما يُقال. متى تنتهي هذه المصائب التي لا يُراد لنا معها أن ننتبه إلى مستقبلنا، إن كان هنالك من مستقبل لأجيال هذه الأمة؟
بعض الدول التي تُعقَد لها هذه المؤتمرات، بتاريخها وثرواتها الهائلة، وتقدُّمِها العلمي قديما وحتى وقت قريب، لا يُعقل أن يصل بها الحال إلى ما هو عليه، أن تستجدي العالم لإعمارها، وبسبب من؟ بهذا الأسلوب الذي تدار به هذه البلدان، لن تقوم لها قائمة، ولن تتعافى، حتى لو صُبّت عليها الموارد المطلوبة لإعمارها صباًّ، طالما ينخُر جسدها فسادٌ تُباع فيه المناصب الرسمية وتُشترى، وطائفية مقيتة، ومليشيات وأمراء حروب من جميع طوائفها، وفاسدون بما يملكون من ثرواتٍ حصلوا عليها بغير وجه حق، قادرة على إعمار بلدانهم، فيما لو اتجهت حكوماتها في جمعها منهم، ولو باستضافتهم إسوة بما حصل لأقرانهم في فندق الريتز في المملكة العربية السعودية.
وإذا دقّقنا النظر في أسباب ما آلت إليه أوضاع تلك الدول الطالبة للمساعدة لإعمارها، لوجدنا 
أن السبب الرئيسي، إن لم يكُن الأوحد في ما آلت إليه أوضاعُها، هو تفشي الفساد فيها، وفي مقدمته فساد النخب السياسية، وفي كل مناحي حياتها من رأسها إلى أخمص قدميها، إلى درجةٍ أصبح فيها كما يقال "ديناصورا" لا يعرف الشبع فعَمّ وطَمّ. والمُضحك أن كثيرين ممن هُم على رأس الهرم فيها فاسدون، أو كما يُطلق عليهم "دولة حرامية" بشهادة مجتمعاتهم، وهم من يدّعون محاربة هذا الداء، على الرغم من أن فسادهم وإفسادهم كما يقال أكبر من أن تستوعبه أكبر شبكة صرف صحي في هذا العالم. وبالتالي، قد لا يكون ما يُقدَّم لها من مساعداتٍ تذهب في أوجهها الصحيحة. وأكبر مؤشر على ذلك يأتي مِمن تسبّب في أوضاع بعض تلك الدول، وما وصلت إليه عندما يمتنع عن تقديم المساعدة لها في هذه الظروف، لمعرفته بأحوال من بيدهم مفاتيح الحل والعقد فيها. وهو وضعٌ يعرفه الجميع أو يغضّ الطرف عنه.
وللحقيقة، يستوجب المقام توضيح نقطةٍ في غاية الأهمية، وهي أن الفساد، كما ذكرنا، من خصائص دول العالم الثالث، ولكن بنِسب متفاوتة، فلا يُمكن وضع جميع الدول العربية، وهي جزء من هذا العالم الثالث، في خانة واحدة، عند التطرق لهذه الآفة؛ فعلى سبيل المثال، لا يمكن وضع حكومات الدول الخليجية، ذات الحكم العائلي الوراثي، في خانة الحكومات العربية ذات الشعارات الثورية والحماسية عند التطرّق لهذا الداء، ففي الأولى، ولكل مُنصِفٍ لا تُخطئ عينه الحقيقة، يرى أثر النعمة التي تعيشها هذه الدول، وبحبوحة العيش التي ينعم بها مواطنوها من خدماتٍ معيشيةٍ، تعليمية أو طِبّية وخلافه، وطموحهم إلى المزيد منها، ورغبتهم في اجتثاث الفساد والمفسدين فيها، على اختلاف مستوياتهم، بعكس مواطني دول العالم العربي ذات التوجهات الثورية والمذهبية التي حباها الله بنعم كثيرة، والتي لم تنعكس على حياتها أو حياة مواطنيها.
عموما، الفساد هو آفة الآفات في دول العالم الثالث، وهو عدو التنمية، عندما يسري في مفاصل الحياة فيها، بسبب فاسدين ومتنفّذين من أبنائها، بمساعدة أطرافٍ خارجية تعرف أن استمرارية مصالحها في هذه الدولة أو تلك مُرتبطة ارتباطاً وثيقا بمثل هؤلاء الفاسدين الميّتةِ ضمائرُهم، والذين يضعون مصالحهم الشخصية الضيقة فوق مصالح أوطانهم ومجتمعاتهم، على الرغم من قضاء كثيرين منهم فترات طويلة من أعمارهم في مجتمعات قدوة في العدالة الاجتماعية والشفافية في كل شيء. ومع ذلك، لم يتطبعوا بمثل تلك الطباع، حال رجوعهم إلى أوطانهم الأم، كون طبعهم غلب تطبّعهم.
3D6AC63F-C3C1-46BD-92A9-270C48705376
3D6AC63F-C3C1-46BD-92A9-270C48705376
مبارك كليفيخ الهاجري

سفير دولة قطر لدى الاتحاد السويسري وإمارة ليختنشتاين

مبارك كليفيخ الهاجري