جامعة أحمد أبو الغيط.. الخرساء

31 مايو 2017

(فرانس برس)

+ الخط -

هل تعلم أنه يوجد شيء اسمه "جامعة الدول العربية"، وظيفته، بالدرجة الأولى، التدخل لحل الخلافات البينية، بين الدول العربية، ورعاية مصالح الشعوب العربية؟

هل تعلم أن هذا "الشئ" تُصرف له ميزانيات ضخمة، ويخصّص له مقر فاخر، في القاهرة، يجلس فيه شخص يقال له "الأمين العام" ينفق ببذخ، ويتنقل برفاهيةٍ على متن الطائرات، على نفقة المواطن العربي، ومن المفترض، بل من واجبات وظيفته، أن يكون حاضراً، قبل أي أحد، إذا ما نشب نزاع عربي- عربي، أو هبّت رياح الخلاف بين أقطار عربية؟

إذا كنت تعلم ذلك، هل جاء على بالك، وأنت تتابع أخبار عاصفة الخلافات التي تجتاح منطقة الخليج العربي، محمّلة بأتربةٍ من البلطجة والاختلاق والكذب، وتنذر بمآلات شديدة الخطورة على الوطن العربي كله، هل خطر ببالك إسم أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية؟

هل قرأت، أو سمعت، عن تدخل من جامعة العرب لإزالة الخلاف وإنهاء الشقاق بين بلاد العرب؟ هل وقع بصرك على خبرٍ في صحيفة، أو نبأ على شريط أخبار تلفزيوني، يقول، مثلاً، إن أحمد أبو الغيط يناشد الدول العربية أن تسمو فوق الخلافات، وتمارس ضبط النفس، ولا تجنح إلى التصعيد، أو أن الأمين العام أجرى اتصالاً بأطراف المشكلة، أو أعلن عن جولة مكوكية بين عواصم الخلاف لرأب الصدع؟.

حسناً، قد يقول قائل إن هذه أزمة خليجية، من الأفضل حلها في إطار الأسرة الخليجية، أو أن يرى آخر أنها زوبعة إعلامية ستخمد مع الوقت، فماذا عن بلطجة عبد الفتاح السيسي العسكرية في الأراضي الليبية؟ ماذا عن عربدة دولة عربية ضد دولة عربية أخرى، بحجة ما يدّعيه نظام السيسي من ضرب ما تسمى المراكز الإرهابية؟ هل سمعت عن تدخل من جامعة الدول العربية، قولاً أو فعلاً؟ هل فكّر فيها الليبيون أو المصريون، أو تذكّروها؟

هل فكّر عبد الفتاح السيسي في تغطية اعتداءاته المتواصلة على الأراضي الليبية بإطلاع جامعة الدول العربية على الموقف، قبل أن يتدخّل عسكرياً في دولة عضو في الجامعة؟ هل فكّر الليبيون في رفع شكواهم إلى الجامعة من اعتداءات دولة عربية شقيقة عليهم؟

في الخلاف الخليجي، وفي الهجمات المصرية على الليبيين، لم يتذكّر أحد جامعة العرب، ولم يستدعها، كما أن أمينها العام لم يتذكّر طبيعة الموقع الذي يشغله، وبدا وكأنه يكتفي بالفرجة على ما يجري في بلاد العرب، بذهنية مسؤولٍ من منطقة الكاريبي، أو اسكندنافيا.

على الموقع الرسمي لجامعة الدول العربية، بحثت عن"بنت شفة" لأمينها العام فلم أجد، هناك فقط بيانات إدانة وشجب لحوادث إرهابية، واستقبالات لزوار من روسيا والنمسا، ولا شيء عما يدور هنا والآن.

صحيح أن جامعة الدول العربية "لا تهشّ ولا تنش"، إلا أنها، في أكثر أوضاعها تدهوراً، كانت تصدر بياناتٍ عن لم الشمل والمصير المشترك، حتى وإن كانت لا تساوي الحبر الذي كتبت به، أما الآن فإنها تنفصل تماماً عن المجال العربي، وتتحوّل إلى شيء أقرب إلى متاحف التاريخ.

وقبل ثلاث سنوات، قلت إنه لم يعد ثمّة مبرّر واحد معقول لبقاء كيانٍ وهمي اسمه "جامعة الدول العربية" الآن، خصوصاً مع تحول خارطة العرب إلى ملعب مفتوح، يمارس فيه الآخرون كل أنواع المسابقات، أو حائط ممتد يضع عليه محترفو "الجرافيتي" شخبطاتهم. 

والحاصل أنه لم يبق بين الدول العربية مركز ولا أطراف. الكل صار على الهامش، اختفى "الفاعل"، ودخل الجميع خانة "المفعول به"، ومن أسعده الحظ يتجاوز هذه الحالة إلى "المفعول لأجله"، بحيث لم تعد هناك قوة يمكن الاستماع لصوتها إن تكلمت، أو الاعتداد بها إن تحركت. 

والشاهد، كذلك، أن الأمين العام الحالي للجامعة يوجد في موقعه تحقيقاً لرغبة عرب عبد الفتاح السيسي الذين استخرجوه من خزينة ملابس حسني مبارك المستعملة، وطرحوه أميناً لجامعة الدول العربية، عربوناً للتقرب إلى إسرائيل ، وإقراراً صامتاً، وإذعاناً تاماً لإرادة التطبيع، ناهيك عن أنه يحمل عداء شخصياً لثورات الربيع العربي، ويبدو أشرس من الجنرالات في كراهية دعوات التغيير الديمقراطي .

هو، وفي وضعٍ بهذا التهافت، يصبح بقاء مؤسسة تحمل اسم جامعة الدول العربية دليلًا آخر على البذخ والإسراف في الإنفاق على ما هو هزل ، يستحقّ أن تقام عليه "صلاة الغائب"، ثم إلحاقه بقطاع المتاحف والآثار.

 

وائل قنديل (العربي الجديد)
وائل قنديل
كاتب صحافي مصري من أسرة "العربي الجديد" عروبي الهوية يؤمن بأنّ فلسطين قضية القضايا وأنّ الربيع العربي كان ولا يزال وسيبقى أروع ما أنجزته شعوب الأمة