أخلاق الحكومات والشركات

17 ابريل 2017

دعوة إلى مقاطعة "يونايتد إيرلاينز" في مطار شيكاغو (11/4/2017/Getty)

+ الخط -
تعاني شركة الخطوط الجوية الأميركية (يونايتد إيرلاينز) أزمة كبيرة، بسبب إساءة معاملة راكب على إحدى رحلاتها الداخلية، حيث أنزلت راكباً بالقوة من طائرة متجهة من شيكاغو إلى كنتاكي، لتوفير مقعد لأحد موظفيها. أثارت الواقعة ردود فعل واسعة لدى وسائل الإعلام، ما أدى إلى تراجع مبيعات الشركة، خصوصا بعد انتشار فيديو صوّره أحد الركاب، وثق إنزال الراكب بالقوة إلى حد سحله في أرضية الطائرة.
وعلى الرغم من أن قانون الطيران يسمح للشركة بإلغاء سفر بعض الركاب حال زيادة المقاعد المحجوزة عن العدد المسموح به، إلا أن الضجة التي أثارتها الواقعة لا ترتبط بالتكييف القانوني لتصرّف الشركة، وإنما بالطريقة العنيفة التي تم التعامل بها مع الراكب. المسألة هنا أخلاقية لا قانونية، وحالة "يونايتد إيرلاينز" تعد استثناءً من التزام الشركات ومؤسسات الأعمال في العالم المتقدّم بالمعايير الأخلاقية في عملها، حيث النمط السائد هو تقديم الأخلاق على الأرباح. وتعتبر شركات كبرى عديدة في مجالها ذلك المبدأ أحد أساسيات العمل، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمنتج النهائي أو الخدمة التي تقدم للجمهور، حتى صار معتاداً أن تخرج كبرى الشركات المصنعة للسيارات لتعلن سحب سياراتها لوجود عيبٍ فيها. وكذلك فعلت "سامسونغ" عندما اكتشف المستهلكون أن أحد أشهر هواتفها يحترق لِعَيْبٍ في البطارية. لم تكابر الشركة، ولم تعتبرها حالةً فردية أو تحاول التعتيم على خطأ في منتجها.
هذا ما تفعله الشركات الغربية المنتجة سلعاً استهلاكية وخدمية، مثل السيارات والهواتف والأجهزة الإلكترونية، بينما في بلداننا العربية يبدو احترام العميل والتزام أخلاق العمل ضرباً من الخيال، خصوصاً في الدول الفقيرة التي تعاني فساداً، ونقصاً في الموارد، وتغاضياً عن معايير الجودة. وبالتالي، لا يوجد مكان للأخلاق أو المبادئ والقيم الإنسانية في التعاطي مع العملاء أو المستهلكين. وعندما يكون للمواطن شكوى من غشّ تجاري، أو سوء تعامل، لا يجد من يسمع له، أو يبحث شكواه، بينما توجد دول عربية أخرى، (دول مجلس التعاون خصوصاً)، تنافس العالم الغربي، ليس فقط في جودة المنتجات والخدمات، لكن قبل ذلك في احترام العميل أو متلقي الخدمة سواء كان مواطناً أو وافداً مقيماً.
قد يطرح بعضهم أن الأمر لا يتعلق بالضرورة بالأخلاق، فربما تعتبر بعض الشركات أن احترام العميل واتباع كود أخلاقي معين ليس بدوافع قيمية، وإنما لأهداف تجارية في المقام الأول، فالكذب وخداع المستهلك، أو الاستهانة بخطأ، والتغاضي عن سوء سلوك أو تعامل مع الجمهور، هي الباب الواسع للسقوط وانهيار المكانة وتضييع السمعة التي صارت، في أصول علم الاقتصاد والإدارة، جزءاً رئيسياً من القيمة السوقية. وبالتالي، فإن الصدق والصراحة والحفاظ على جودة المنتجات بشفافية، والتزام رضا العملاء، هي ميكانزمات نفسية لتحقيق أهداف تجارية.
وإن صحّت تلك الرؤية، تفسيراً لأخلاقيات العمل الاقتصادي والتجاري لدى العالم المتقدّم، فمعنى ذلك أن "الإنسان" هو الطرف الأهم في المعادلة، مستهلكاً لسلعة كان أو عميلاً يتلقى خدمة أو مواطناً يدخل في معاملة رسمية مع هذه الجهة أو تلك. في كل الحالات، يكون إرضاء ذلك "الإنسان" الهدف، لأنه هو الذي يراكم للشركات أرباحها، ويمنح الحكومات شرعيتها، وهو في النهاية أساس الدولة ومصدر قوتها.
سواء كان التزام أخلاقيات البيع والشراء بوازع قيمي، أو من منطلق تجاري، الهدف المرحلي، في كل الأحوال، هو إرضاء الطرف الأساسي في المعادلة. وينحصر الفرق بينهما في منطلق التعامل، حيث النظرة للمواطن هي المعيار الحقيقي لأخلاقية (أو لا أخلاقية) طرق وأشكال التعامل معه. ولا فرق في ذلك بين الشركات والدول.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.