الفيتو لقتل أحلام الشعوب

03 مارس 2017
+ الخط -
عندما أُقرَّ حق النقض (الفيتو) بعد الحرب العالمية الثانية، جاء خطوة لتشجيع الدول المنتصرة بالحرب على الانضمام إلى عصبة مجلس الأمن، للحفاظ على الامتيازات الدولية التي تمّ قطفها من تحت الركام، ورفعت الدول الخمس شعارات الديمقراطية، لتكون سداً منيعاً أمام أي عائق يُعرقل تحقيق الأجندات الدولية، ولكن ما اتضح أنّ دول الأعضاء نادراّ ما يكون فيها ديمقراطية، وما حق النقض إلا وسيلة للهروب من أيّ استحقاق متعلّق بمصير الشعوب.
وما يجري في المشرق العربي أمثلة كثيرة تقودنا إلى نتائج، لو وقفنا عندها لكانت المقارنة بين ديمقراطية الأنظمة المستبدة وديمقراطية الشعوب محض هزل لا قياس فيه.
الربيع العربي هو الكاشف لكلّ الدول المتسترة وراء عباءة الديمقراطية، والثورة السورية أسقطت كلّ المفاهيم، وعرَّت كلّ الأنظمة، خصوصاً روسيا التي تدّعي أنّها حمامة السلام، إذ نراها الآمر الناهي في الملف السوري، تحاول جاهدةً وتستميت للدفاع عن النظام الدكتاتوري في دمشق، وهو أمر لا خلاف عليه، فلو راجعنا مسيرة الرئيس، فلاديمير بوتين، لرأينا أنّ مسيرته مكملة لسجل روسيا المليء بالجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وسيناريو غروزني وصمة عار سيبقى يلاحقها حتى نهاية التاريخ.
على وقع مفاوضات جنيف 4 السورية التي انطلقت في 23 من فبراير/ شباط الماضي بين وفدي النظام والمعارضة، تحت إشراف عرَّاب المفاوضات، ستيفان دي ميستورا، كان يُحضّر خارج قاعات جنيف مسودةُ قرار، أعدتها كلّ من بريطانيا وفرنسا لفرض عقوبات على نظام الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيماوية في الحرب السورية ضد المدنيين، كالتي حصلت في الغوطة الشرقية 2013، والتي أودت بحياة 1400 شهيد من المدنيين.
وكعادته، القرار المقترح من بريطانيا وفرنسا في مجلس الأمن قُوبل بفيتو مزدوج روسي وصيني، وهو الفيتو السابع الذي استخدمته موسكو لمنع أيّ ضررٍ بحليفها الأسد، وهو الفيتو الأول منها في عُهدة الإدارة الجديدة للرئيس الأميركي، دونالد ترامب.
كانت المرة الأولى التي استخدمت روسيا الفيتو في الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2011 عطلت به مشروع قرار يقضي بفرض عقوبات على نظام الأسد، لاستخدامه العنف ضد شعبه، وأعقبته بفيتو آخر في 2012 الرابع من شباط/ فبراير، إذ تمّ تعطيل مشروع يُحمِّل نظام الأسد مسؤولية إراقة الدماء في البلاد، وفي العام نفسه، من يوليو/تموز 2012 أجهض الدب الروسي مشروع قرارٍ لمنع فرض عقوباتٍ على الأسد، لمنع تدخل الغرب في سورية وفق رؤيتها. وبعد عامين، تدخلت روسيا بفيتو رابع في 22 مايو/أيار 2014 لمنع إحالة الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية، وحينها دافعت روسيا عن موقفها بأنّ من شأن هذا المشروع أن يضعف فرص الحل السلمي في سورية.
تابعت روسيا نهج الحماية والوصاية الدولية على نظام بشار الأسد، وزادت غطرسةً في الدفاع عنه، بعد تدخلها المباشر عبر طائراتها وقِطعها البحرية في 30 سبتمبر/أيلول 2015، فمن خلال الجو فرضت أجنحتها الجوية لحماية مناطق نفوذها، وفي المحافل الدولية الفيتو دائماً موجود بوجه كلّ من يعترض مصالحها، كما واتضحت وصايتها على ربيبها بشار الأسد، عندما دمرت حلب فوق رؤوس أهلها المدنيين، وارتكبت جرائم حرب باعتراف الدول الغربية والأوروبية. وعندما أحيل الأمر إلى مجلس الأمن في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، تمّ تعطيل قرار وقف إطلاق النار في حلب بفيتو خامس، وأعقبته في العام نفسه بفيتو سادس، لمنع فرض عقوبات على مستخدمي الأسلحة الكيماوية.
ويضعنا إصرار روسيا على حماية الأسد، وعجز الأمم المتحدة أمام الفيتو المزدوج، أمام تساؤل: ما هو المعنى الحقيقي لقانون حق النقض (الفيتو)؟
من خلال فهمه العام، يدلّل على أنه قانون يمنح حق الاعتراض على أي قانون دون توضيح الأسباب، لكنه بمعناه اللغوي يضعنا أمام مغالطةٍ منطقية، فكيف يمكن الاعتراض من دولة تدّعي أنها تمارس الديمقراطية، وهي التي تشن حرباً مباشرة بطائراتها خارج حلبة مجلس الأمن؟
حق النقض الفيتو وضع بيد الدول القوية المحاربة لحقوق الإنسان، فكان من الأجدر تسميته فيتو لقتل أحلام الشعوب، أو قانون لوأد الإنسانية، فعندما يكون قانون كهذا لحماية المجرمين، فلا داعي بعد اليوم أن تحاضر تلك الدول عن معنى الديمقراطية وحقوق الإنسان.
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
يمان دابقي (سورية)
يمان دابقي (سورية)