28 سبتمبر 2024
أميركا أولاً أم الاحتلال الإسرائيلي أولاً؟
قبل أيام من انتهاء ولاية الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، عقد وزير خارجيته، جون كيري، مؤتمرا صحافيا حمّل فيه تل أبيب مسؤولية إفشال حل الدولتين ووضْع العقبات أمامه. ويوم الأربعاء الماضي، 15 فبراير/ شباط الجاري، خرج ناطق باسم البيت الأبيض ليصرّح أن الإدارة الجمهورية الحالية "لم تعد متمسّكة بحل الدولتين، وأنها تقبل أي حل يرتضيه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي عبر التفاوض". وقد استبق تصريح الناطق الرئاسي لوكالة رويترز زيارة بنيامين نتنياهو، ولقائه الرئيس دونالد ترامب، وبدا هدية ثمينة تنتظر رئيس حكومة الاستيطان الذي سوف يسارع لشكر الرئيس وإدارته على دعمهم التفاوض الثنائي المباشر.
تعمل إدارة ترامب على التميز عن إدارة أوباما، بطريقة غير مسؤولة أقرب إلى النكايات السياسية السقيمة. المواقف المتخبطة من روسيا، ومن اللاجئين، ثم من الشرق الأوسط، نماذج صارخة على هذا التخبط الذي تسلك فيه إدارة ترامب سلوك الشركات التجارية التي تسعى إلى إنتاج سلع منافسة لسلع الشركات الأخرى. يتجاهل أركان الإدارة الجديدة أن الإدارات السابقة، بما فيها إدارة أوباما واظبت على دعم إسرائيل (مقابل دعم هامشي ضئيل للسلطة الفلسطينية وللحقوق الفلسطينية)، وأن هذا الدعم الأميركي المتواصل للدولة العبرية هو السبب الرئيس أمام فشل العملية السلمية، وأنه لا حاجة موضوعية لإدارة ترامب للـ"تميز" عن الإدارات السابقة، إذ يكفي أن تتمسّك بالموقف الأميركي التقليدي، كي تثبت انحيازها لدولة الاستيطان والاحتلال. لكن منطق النكاية جعل هذه الإدارة تتقدم خطوة أخرى على طريق الانحياز الهستيري بالقول إنها لا تتمسك بحل الدولتين، علما أن تمسك الإدارات السابقة بهذا الحل كان لفظيا، ودبلوماسيا في أحسن الأحوال. ولم يتعدّ ذلك إلى ممارسة أي ضغط على من يرفض حل الدولتين، باستثناء الموقف في مجلس الأمن، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، الامتناع عن التصويت على قرار دان الاستيطان.
لا يقلل المرء هنا من خطورة التوجه الأخير، وجل المراد قوله إن الموقف الأميركي كان، على
الدوام، ينطوي على خطورة، وعلى افتقاد للموضوعية، وأن دعم واشنطن لم يكن يتجه فقط إلى الدولة الإسرائيلية في حدود العام 1967، بل كذلك إلى الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الغير، والتنكيل الجماعي بشعب آخر، وإنكار حقوقه الثابتة. وبينما اتجهت الأنظار، في الأسابيع القليلة الماضية، لاستجلاء مواقف إدارة ترامب، والتطلع إلى مقاربة أميركية جديدة، تجمع بين محاربة إرهاب "داعش" والتغول الإيراني والغزو الاستيطاني الإسرائيلي للأراضي المحتلة، إذا بهذه الإدارة تتخبط في مواقفها، ويتبدّى فيها حلول سيد البيت الأبيض محل وزير خارجيته، ريكس تيلرسون، في التعبير اليومي عن السياسة الخارجية، وكما يحدث أحيانا في شركات تجارية، حين يحل رئيس مجلس الإدارة محل المدير العام في رسم السياسات والتعبير عنها!
وواقع الحال أن الموقف الجديد الذي عبر عنه ناطق رئاسي أميركي لا يتصادم مع مجمل الموقف العربي، بل يتناقض كذلك مع مجمل الموقف الدولي، ومع القرارات الدولية ذات العلاقة بما عرف، على الدوام، بأزمة الشرق الأوسط. ومن شأنه تحفيز القوى المعادية للسلام والعدل في تل أبيب كي تمعن في نهجها الذي يدمر كل فرص السلام، وذلك عبر الاستيلاء المستمر على أراضي الفلسطينيين ومياههم وأجوائهم وحدود "كيانهم" مع دول الجوار. علما أن المفاوضات متوقفة بين الجانبين منذ سنوات، لهذا السبب بالذات، وهو استمرار أعمال اللصوصية برعايةٍ مباشرةٍ من حكومة الاحتلال، بما يجعل التفاوض فاقدا للمعنى، اللهم إلا معنى التمويه على نهب الأراضي، وعلى التنيكل الجماعي بالرازحين تحت الاحتلال. وفي هذا الضوء، فإن التفاوض يتم، حين يتم، بين الذئب والحَمَل، وتحت سطوة الاحتلال العسكرية، وتهديد المفاوضين الفلسطينيين، وفي أجواء من الإحباط العام. والرفض الفلسطيني استئناف التفاوض هو من قبيل أضعف الإيمان، ومحاولة لاستنهاض المجتمع الدولي، ليتحمّل مسؤوليته في كبح التغول الإسرائيلي العنصري الذي يسلب الفلسطينيين أرضهم، ويمنحهم سلام العبيد
تحت سطوة الأسياد. وقد برهن الفلسطينيون، طوال تاريخهم الوطني، شأنهم شأن سائر الشعوب الحرة، إنهم لن يكونوا عبيدا لأحد، وإنهم أسياد أنفسهم. والمرجو من الرئيس ترامب وأركان إدارته أخذ العلم بذلك، إذا أرداوا حقا عدم إطالة الصراع، وعدم إضفاء مزيد من التعقيد على أزمة الشرق الأوسط المستعصية. أزمة الاحتلال البغيض طويل الأمد. ذلك أن من شأن هذا الموقف غير النزيه تشجيع التطرّف في جميع الاتجاهات، فيما ستشهد العلاقات الأميركية العربية حالة من الاضطراب الشديد واهتزاز الثقة. ومن المثير حقا أن يُقابَل اهتمام القادة العرب بالتواصل المبكّر مع سيد البيت الأبيض بهذا الموقف غير المسؤول من الإدارة الجديدة، فحتى في منطق البزنس، فإنه لا يتم حرق الجسور وتدمير العلاقات على هذا النحو. وعدا ذلك، يتعلق العرب، بمن فيهم الفلسطينيون، بأرضهم وأوطانهم، كما يتعلق السيد ترامب بـ "أميركا أولاً"، ويحرصون على الاحترام الفعلي المتبادل في صداقاتهم مع الآخرين، ولن يتنازلوا عن حقوقهم الثابتة، إكراما لحفنة من العنصريين التوسعيين في تل أبيب الذين لا يدركون أن عصر الاستعمار قد ولى، وأن حق الشعوب في تقرير مصيرها غير قابل للمنازعة أو المفاوضة.
وعلى الرئيس ترامب، منذ الآن، أن يتحمل، منذ الآن، تبعات موقفه الشاذ هذا، في التنازع مع المجتمع الدولي، ومع الشرعية الدولية، مع شركائه الأوروبيين ومع أصدقائه العرب، ومع عشرات الدول الإسلامية وغير الإسلامية في القارات الست، فالعالم أوسع بكثير من حفنة لصوص أدمنوا على الجريمة السياسية، وعلى سلب الفلسطينيين أرضهم وحقوقهم، ويثيرون صراعا دينيا بغيضا مع غير اليهود، ويقوّضون كل فرصة للسلام أو التفاوض، وينظرون إلى أميركا خادماً مطيعاً لهم، ويستعينون بجيوب دافعي الضرائب الأميركيين، لتمويل حروبهم، وممارسة إرهاب الدولة على شعب أعزل. ويرفضون نداء العالم العربي من أجل إبرام سلام شامل مع 22 دولة عربية في مقابل تخليهم عن المسروقات التي وضعوا أيديهم عليها بالقوة الغاشمة منذ العام 1967.
سيد ترامب: لتكن أميركا أولاً، وليس الاحتلال الإسرائيلي أولاً..
تعمل إدارة ترامب على التميز عن إدارة أوباما، بطريقة غير مسؤولة أقرب إلى النكايات السياسية السقيمة. المواقف المتخبطة من روسيا، ومن اللاجئين، ثم من الشرق الأوسط، نماذج صارخة على هذا التخبط الذي تسلك فيه إدارة ترامب سلوك الشركات التجارية التي تسعى إلى إنتاج سلع منافسة لسلع الشركات الأخرى. يتجاهل أركان الإدارة الجديدة أن الإدارات السابقة، بما فيها إدارة أوباما واظبت على دعم إسرائيل (مقابل دعم هامشي ضئيل للسلطة الفلسطينية وللحقوق الفلسطينية)، وأن هذا الدعم الأميركي المتواصل للدولة العبرية هو السبب الرئيس أمام فشل العملية السلمية، وأنه لا حاجة موضوعية لإدارة ترامب للـ"تميز" عن الإدارات السابقة، إذ يكفي أن تتمسّك بالموقف الأميركي التقليدي، كي تثبت انحيازها لدولة الاستيطان والاحتلال. لكن منطق النكاية جعل هذه الإدارة تتقدم خطوة أخرى على طريق الانحياز الهستيري بالقول إنها لا تتمسك بحل الدولتين، علما أن تمسك الإدارات السابقة بهذا الحل كان لفظيا، ودبلوماسيا في أحسن الأحوال. ولم يتعدّ ذلك إلى ممارسة أي ضغط على من يرفض حل الدولتين، باستثناء الموقف في مجلس الأمن، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، الامتناع عن التصويت على قرار دان الاستيطان.
لا يقلل المرء هنا من خطورة التوجه الأخير، وجل المراد قوله إن الموقف الأميركي كان، على
وواقع الحال أن الموقف الجديد الذي عبر عنه ناطق رئاسي أميركي لا يتصادم مع مجمل الموقف العربي، بل يتناقض كذلك مع مجمل الموقف الدولي، ومع القرارات الدولية ذات العلاقة بما عرف، على الدوام، بأزمة الشرق الأوسط. ومن شأنه تحفيز القوى المعادية للسلام والعدل في تل أبيب كي تمعن في نهجها الذي يدمر كل فرص السلام، وذلك عبر الاستيلاء المستمر على أراضي الفلسطينيين ومياههم وأجوائهم وحدود "كيانهم" مع دول الجوار. علما أن المفاوضات متوقفة بين الجانبين منذ سنوات، لهذا السبب بالذات، وهو استمرار أعمال اللصوصية برعايةٍ مباشرةٍ من حكومة الاحتلال، بما يجعل التفاوض فاقدا للمعنى، اللهم إلا معنى التمويه على نهب الأراضي، وعلى التنيكل الجماعي بالرازحين تحت الاحتلال. وفي هذا الضوء، فإن التفاوض يتم، حين يتم، بين الذئب والحَمَل، وتحت سطوة الاحتلال العسكرية، وتهديد المفاوضين الفلسطينيين، وفي أجواء من الإحباط العام. والرفض الفلسطيني استئناف التفاوض هو من قبيل أضعف الإيمان، ومحاولة لاستنهاض المجتمع الدولي، ليتحمّل مسؤوليته في كبح التغول الإسرائيلي العنصري الذي يسلب الفلسطينيين أرضهم، ويمنحهم سلام العبيد
وعلى الرئيس ترامب، منذ الآن، أن يتحمل، منذ الآن، تبعات موقفه الشاذ هذا، في التنازع مع المجتمع الدولي، ومع الشرعية الدولية، مع شركائه الأوروبيين ومع أصدقائه العرب، ومع عشرات الدول الإسلامية وغير الإسلامية في القارات الست، فالعالم أوسع بكثير من حفنة لصوص أدمنوا على الجريمة السياسية، وعلى سلب الفلسطينيين أرضهم وحقوقهم، ويثيرون صراعا دينيا بغيضا مع غير اليهود، ويقوّضون كل فرصة للسلام أو التفاوض، وينظرون إلى أميركا خادماً مطيعاً لهم، ويستعينون بجيوب دافعي الضرائب الأميركيين، لتمويل حروبهم، وممارسة إرهاب الدولة على شعب أعزل. ويرفضون نداء العالم العربي من أجل إبرام سلام شامل مع 22 دولة عربية في مقابل تخليهم عن المسروقات التي وضعوا أيديهم عليها بالقوة الغاشمة منذ العام 1967.
سيد ترامب: لتكن أميركا أولاً، وليس الاحتلال الإسرائيلي أولاً..