02 نوفمبر 2024
لبنان.. تبعية وحذاء
يحتاج اللبنانيون، أو معظمهم، إلى تحفيز ذواتهم بالأشعار والقصائد، في سياق احتفائهم بزعيمٍ أو حزبٍ، بدلاً من محاسبة الزعيم أو الحزب (إذا كان في السلطة)، في حال عدم قيامه بواجبه. يرفضون، في مكان ما، الخروج من القوقعة الانغلاقية المسمّاة زوراً "الخصوصية"، مذهبيةً كانت أو مناطقية. يرفض هؤلاء تطوير العقل التفكيري، ربما يتمكّنون من خلاله الوصول إلى مستوىً أفضل من استخلاص النتائج والعِبَر، للعبور نحو دولةٍ منشودة، منتظرة منذ عقود وقرونٍ.
وفي صورة مؤلمة لتحطيم التفكير، ظهر، الأسبوع الماضي، أن اللبناني لا يهمه الغرق في "بحيرات اعتيادية" تتشكّل كل عام مع هطول الأمطار، طالما أن في وسعه لوم الطرف الذي يؤيده سياسياً أو الدفاع عنه. تخيّلوا أن لبنانياً "غرق" على أوتوستراد ساحلي، لكنه قادر على الدفاع عن وزير الأشغال المسؤول عن معالجة المشكلة. وفي المقابل، فإن معارضي الوزير المعني حمّلوه كل تراكمات أسلافه السابقة. وفي ذلك، تتجسّد كل مساوئ التبعية اللبنانية العمياء للزعماء والأحزاب، وتبقى "البحيرات" زينة الشتاء اللبناني.
صورة أخرى، هي "ثقافة الأحذية". بات غريباً في لبنان الذي "يتفاخر" أبناؤه بأنه وطن الستة آلاف سنة حضارة، وأبو الأبجدية الحديثة، وملجأ كل مضطهدي الشرق، أن يخرج بعضٌ فيه، من نواب ومواطنين من دون صفة رسمية، معلنين خضوعهم لحذاء زعيم ديني ـ سياسي. وفي ذلك، عبودية ممزوجة بمنطق تحقير الذات، أي أسوأ أنواع الموت الانساني الداخلي.
أيضاً وأيضاً، بات مستوى الانفصام السياسي في حالة مدمّرة للنفس. يقتنع بعضهم أن إنجازات السنة الأولى من عهد الرئيس ميشال عون هائلة وعظيمة. حسناً، كيف يُمكن الحديث عن إنجازات، فيما ملف النفايات يُعالج بطريقة أقلّ ما يُقال عنها بدائية؟ كيف يُمكن الكلام عن إنجازات، فيما السلطة والقانون يُفرضان على الأحياء الفقيرة، لا على المخالفين الأثرياء الذين تغلغلوا في تركيبة النظام اللبناني، ومساهمين في تعزيز مفهوم الفساد فيه؟
أنظروا أيضاً إلى كيفية "تعلّق" اللبنانيين، أو بعضهم، بأمراء حربهم. ينظرون إليهم على أساس أنهم "آلهة" منزلون. هل يمكنك التجرؤ على انتقاد أحدهم، ولسبب صحيح؟ أبداً، لكأنك ارتكبت الجرم الأكبر في حياتك، ولا يبقى سوى إعدامك فوراً. وإذا تجرّأت ورفعت صوتك أكثر، ستُصبح "عميلاً" و"خائناً" و"فاقداً الأهلية القانونية"، وغيرها من المصطلحات الهادفة إلى محاصرة مستوى وعيك الفردي والجماعي. وهو في الواقع أمر ناجح حتى الآن، فقلّة هم اللبنانيون الساعون إلى تغيير مجرى الروتين القاتل في بلادهم.
قلّة هؤلاء العاملون في مواجهة غلاء المعيشة، والضرائب المفروضة عليهم، وتراكم النفايات والعجز الكهربائي، والمواصلات العامة السيئة، والمياه القذرة (أظهرت دراسة أخيرة أن 80% من مياه الشفة في العاصمة بيروت مليئة بالبراز)، والطبابة غير المتوفرة، والهواء المسرطن (كشفت دراسة عن أن إحراق النفايات يؤدي إلى زيادة المواد السرطانية في الهواء بنسبة 400%).
مع ذلك، لا يبدو بعض اللبنانيين مهتماً. بالنسبة إليهم، إقرار الموازنة بعد 12 عاماً من التعطيل "إنجاز"، وإقرار القانون الانتخابي الجديد "إنجاز"، والتعيينات الإدارية والقضائية "إنجاز". ربما هو إنجاز لنا أن نفهم أن الواجبات هي إنجاز بحدّ ذاتها. والمؤلم أن من يعدّون أنفسهم مثقفين و"واعين"، ليسوا سوى قطعان، أو قادة في قطعان خاضعة لسطوة الأحزاب والزعماء. هم أيضاً يحبّون تقبيل الأحذية، والمكوث تحتها، ويرفضون أن تتوجه بكلمة انتقادية لزعيمٍ أو حزب، فدائماً ما يكون جوابهم "ألم ترَ الآخر؟". الآخر فاسد أيضاً، لكن في تعليل رافضي انتقاد حزبهم أو زعيمهم تبرير لفعله وفساده وعدم قدرته على انتشال لبنان من المستنقع الآسن. لذلك، كلما كثرت القصائد والأشعار المؤيدة لزعيم أو حزب في بلد تأكد من أنه ينحدر نحو الهاوية بسرعة.
وفي صورة مؤلمة لتحطيم التفكير، ظهر، الأسبوع الماضي، أن اللبناني لا يهمه الغرق في "بحيرات اعتيادية" تتشكّل كل عام مع هطول الأمطار، طالما أن في وسعه لوم الطرف الذي يؤيده سياسياً أو الدفاع عنه. تخيّلوا أن لبنانياً "غرق" على أوتوستراد ساحلي، لكنه قادر على الدفاع عن وزير الأشغال المسؤول عن معالجة المشكلة. وفي المقابل، فإن معارضي الوزير المعني حمّلوه كل تراكمات أسلافه السابقة. وفي ذلك، تتجسّد كل مساوئ التبعية اللبنانية العمياء للزعماء والأحزاب، وتبقى "البحيرات" زينة الشتاء اللبناني.
صورة أخرى، هي "ثقافة الأحذية". بات غريباً في لبنان الذي "يتفاخر" أبناؤه بأنه وطن الستة آلاف سنة حضارة، وأبو الأبجدية الحديثة، وملجأ كل مضطهدي الشرق، أن يخرج بعضٌ فيه، من نواب ومواطنين من دون صفة رسمية، معلنين خضوعهم لحذاء زعيم ديني ـ سياسي. وفي ذلك، عبودية ممزوجة بمنطق تحقير الذات، أي أسوأ أنواع الموت الانساني الداخلي.
أيضاً وأيضاً، بات مستوى الانفصام السياسي في حالة مدمّرة للنفس. يقتنع بعضهم أن إنجازات السنة الأولى من عهد الرئيس ميشال عون هائلة وعظيمة. حسناً، كيف يُمكن الحديث عن إنجازات، فيما ملف النفايات يُعالج بطريقة أقلّ ما يُقال عنها بدائية؟ كيف يُمكن الكلام عن إنجازات، فيما السلطة والقانون يُفرضان على الأحياء الفقيرة، لا على المخالفين الأثرياء الذين تغلغلوا في تركيبة النظام اللبناني، ومساهمين في تعزيز مفهوم الفساد فيه؟
أنظروا أيضاً إلى كيفية "تعلّق" اللبنانيين، أو بعضهم، بأمراء حربهم. ينظرون إليهم على أساس أنهم "آلهة" منزلون. هل يمكنك التجرؤ على انتقاد أحدهم، ولسبب صحيح؟ أبداً، لكأنك ارتكبت الجرم الأكبر في حياتك، ولا يبقى سوى إعدامك فوراً. وإذا تجرّأت ورفعت صوتك أكثر، ستُصبح "عميلاً" و"خائناً" و"فاقداً الأهلية القانونية"، وغيرها من المصطلحات الهادفة إلى محاصرة مستوى وعيك الفردي والجماعي. وهو في الواقع أمر ناجح حتى الآن، فقلّة هم اللبنانيون الساعون إلى تغيير مجرى الروتين القاتل في بلادهم.
قلّة هؤلاء العاملون في مواجهة غلاء المعيشة، والضرائب المفروضة عليهم، وتراكم النفايات والعجز الكهربائي، والمواصلات العامة السيئة، والمياه القذرة (أظهرت دراسة أخيرة أن 80% من مياه الشفة في العاصمة بيروت مليئة بالبراز)، والطبابة غير المتوفرة، والهواء المسرطن (كشفت دراسة عن أن إحراق النفايات يؤدي إلى زيادة المواد السرطانية في الهواء بنسبة 400%).
مع ذلك، لا يبدو بعض اللبنانيين مهتماً. بالنسبة إليهم، إقرار الموازنة بعد 12 عاماً من التعطيل "إنجاز"، وإقرار القانون الانتخابي الجديد "إنجاز"، والتعيينات الإدارية والقضائية "إنجاز". ربما هو إنجاز لنا أن نفهم أن الواجبات هي إنجاز بحدّ ذاتها. والمؤلم أن من يعدّون أنفسهم مثقفين و"واعين"، ليسوا سوى قطعان، أو قادة في قطعان خاضعة لسطوة الأحزاب والزعماء. هم أيضاً يحبّون تقبيل الأحذية، والمكوث تحتها، ويرفضون أن تتوجه بكلمة انتقادية لزعيمٍ أو حزب، فدائماً ما يكون جوابهم "ألم ترَ الآخر؟". الآخر فاسد أيضاً، لكن في تعليل رافضي انتقاد حزبهم أو زعيمهم تبرير لفعله وفساده وعدم قدرته على انتشال لبنان من المستنقع الآسن. لذلك، كلما كثرت القصائد والأشعار المؤيدة لزعيم أو حزب في بلد تأكد من أنه ينحدر نحو الهاوية بسرعة.