دول الخليج.. التمثيل الشعبي بين الواقع والمؤمل

19 نوفمبر 2017
+ الخط -
من أقوال العرب المأثورة "الحركة وَلود والسّكون عاقر". وعليه، فالإصلاح مطلوب لكل مجتمع حيّ يريد أن يتطور، ويُطور نفسه، ويواكب عصره في عالمٍ تسير فيه وتيرة التغيرات بشكل سريع، يكاد من لا يُسايره، أو يبطئ السير فيه، أن يصبح معدوما وجودُه. ومن هذا المنطلق، فإن تأسيس مجلس تمثيلي منتخب في قطر، أيا كانت تسميته "برلمانا" أو "أمة" أو "شورى"، كما جاء في خطاب أمير دولة قطر خلال افتتاحه مجلس الشورى الحالي أخيرا، بات ضرورة مُلحّة وحاجة ماسة. فلم يعد هذا الحدث ترفا كما يعتقد بعضهم، فقد أثبتت أزمة الحصار كفاءة مكونات المجتمع القطري وديناميكيته وقدرته، بجميع فئاته في إدارة أزمة هذا الحصار الظالم، والذود عن البلاد، كلّ في مجال تخصّصه، فقطر، مثل باقي دول العالم، فيها من الطاقات والكفاءات الكثير الكثير، متى ما أُعطِيت الفرصة، أو اقتنصتها هي، كما حصل في أزمة الحصار الحالية، إيمانا منها بأن ذلك واجبٌ وطني، لا يحتاج المواطن فيه إلى انتظار إشارة من أي كان، وكونها مسؤولية الجميع كل من موقعه.
إيجادُ حياة سياسية عن طريق انتخاب المواطن من يُمثّله بمحض إرادته في إدارة الشؤون السياسية (التشريعية) في الدولة، لضمان حرياته وحقوقه ومساواته بالآخرين أمرٌ لا مفرّ منه، من أجل تحقيق هدفٍ عام وهو سعادة الفرد والمجتمع، فالفيلسوف روجيه غارودي يرى أن مشاركة الأفراد تمنحُهم القدرة على التأثير في صُنع السياسات العامة في دولهم، وهذا هو جوهر الديمقراطية وأساسها. ولنكن صُرحاء وغير خجولين في قول الحقيقة، فالظروف التي نمر بها، والحياة التي نحياها لم تعد كما كانت، وما سيأتي مستقبلا سيناقض واقعنا الحالي. وعليه، فإذا كان ليس من الحقيقة مفرٌّ، ولا من الإقرار بالحق بُدٌّ، فالحقيقة تُملي الإقرارَ بأن الآخر ينظر إلى كل ما لدينا الآن، أو لدى الآخرين من حولِنا (عدا دولة الكويت) من مجالس تمثيلية على أنها جهودٌ أو محاولاتٌ لا تعدو كونها مؤسساتٍ حكوميةً بواجهات ديمقراطية، لا تجسد الإرادة العامة، انطلاقا من إيمانه بأن على من يصل إلى هذه المجالس التمثيلية أن يأتي عبر صناديق الاقتراع. وهناك من يرى أن هذه المجالس استنفدت المهمة التي أوجِدَت من أجلها، وأن الحاجة لوجودها بهذا الشكل انتفت الآن، لعدم مواءمتها للواقع الحالي، وأن الوقت حان لتطويرها، بما يتلاءم مع التطلعات المستقبلية لمجتمعاتها.
علينا القول إن إيجاد مؤسسات ديمقراطية وبناءها كما هو معروف ليس عملاً سهلا، ولا توجد 
له وصفة خاصة، بحكم أن لكُل واقع سياسي مُعطياته وسياقاته الخاصة المرتبطة بقيمه المجتمعية وسيرورته التاريخية. ولا يمكن بأي حال استيراد أشكال من التعاقد الاجتماعي من الخارج، كما تستورد أية تقنية، لكن ذلك لا ينفي الاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال، فحتى في أعرق الديمقراطيات في العالم يطالَب العقلاء فيها بالاستفادة من تجارب الآخرين، وعدم الزهو والتعالي بالقول ببلوغ الكمال، وبأنه ليس لدى الآخرين ما يُضاف إلى ما عندنا، بالإضافة إلى أنه عملٌ دؤوب وشاق، ويعتمد نجاحُه بشكل كبير على كيفية التعاطي مع ما يواجِه من مشكلات، وإلى مستوى الجدّية في اتخاذ إجراءاته وآلياته وتطبيقها.
وعليه، فإنه بانتخاب مجلس تشريعي، يكون العقد الاجتماعي للمجتمع القطري قد اكتمل في ظل وجود دستور تم الإجماع عليه منذ 2003، والذي يؤكد، في بعض مواده، على إيجاد مجلس برلماني منتخب، اقتضت المصلحة والظروف المحيطة باستعجال إنشائه. وبالتالي حتماً سيكون لهذا النهج تأثير إيجابي مباشر على مكونات مجتمعات دول الجوار المحاصِرة لدولة قطر، من حيث تأمّل زحف هذا التغيير الإيجابي عليها، لافتقادها قواعد الحكم الرشيد، والذي بسببه نرى فيها، من وقت إلى آخر، ظهور معارضات مناوئة لسلطتها الرسمية، تسعى إلى تحقيق أهدافها أحيانا باستخدام القوة، كون مجتمعاتها بعيدة عن أي مفهوم للمشاركة الشعبية بشكل صحيح، حتى في أبسط صورها وأدنى درجاتها، وهو أحد الأسباب، إن لم يكن السبب الرئيسي في فشل تلك الأنظمة، وتقهقر الحقوق والحريات فيها، حتى وإن أوجَدَت بعضُها مسمياتٍ لوزاراتٍ غارقةٍ في الترف المجتمعي، من قبيل "السعادة" و"التسامح" وخلافهما، يخال المرء معها أنها مجتمعات اسكندنافية، في حين أن شعوبها غارقة في مياه بِركها الآسنة، تنتظر من يحرّكها، لما يتوافق مع قيَمها من خلال إصلاحاتٍ سياسيةٍ، طال انتظارُها، فهل هذا واقع بعيد المرام؟
دلالات
3D6AC63F-C3C1-46BD-92A9-270C48705376
3D6AC63F-C3C1-46BD-92A9-270C48705376
مبارك كليفيخ الهاجري

سفير دولة قطر لدى الاتحاد السويسري وإمارة ليختنشتاين

مبارك كليفيخ الهاجري