30 أكتوبر 2024
عن عالم "سعودي" متغيّر
يُحكى أن ملكا حكيما نصح ابنه الوريث، وهو يسلمه العرش: "كن مشاركا في لعبة السلطة مع رفاقٍ يمحضونك المشورة والرأي، ويتقاسمون معك غنائم المُلك. واحذر أن تكون اللاعب الوحيد، فذلك لن يتحقق إلا على كومة من الجثث". تجاهل حكام عديدون هذه النصيحة، وفتكوا ببعض مشاركيهم من رفاق الطريق، بهدف الاستمتاع وحدهم باللعبة، والاستحواذ على كل مفاصل الثروة والقوة والقرار. وقد فعل بعضهم ذلك، قبل أن يستتب له الأمر، وحتى قبل أن يمد رجله على السجادة الحمراء، عملا بمقولة ميكافيلي السوداء "الحكيم من يفعلها فورا، والغبي من يتريث".
لم يستطع ستالين أن يتحول إلى زعيم أوحد، لا منافس له، إلا بعد أن قضى على بوخارين وكامنيف وريكوف وآخرين في محاكمات صورية، ثم بعث بعض رجاله ليلحقوا بتروتسكي في منفاه في المكسيك ويغتالوه، وكانت التهمة جاهزة "إنهم تحريفيون مغامرون وأعداء للثورة". وعندما أصبح اللاعب الوحيد في لعبة السلطة، كشف عن مخططه: "اختر عدوك، وحضر ضربتك، ثم اذهب به إلى النهاية".
أجهز هتلر على صفوة مساعديه من قياديي فرقتي "العاصفة" و"القمصان البنية"، في عملية دموية مثيرة، عرفت بـ"ليلة السكاكين الطويلة"، إذ وجد بعضهم في الغابات مذبوحا، أو تم تهشيم رأسه، أو شنق بأسلاك الكهرباء، وعلق على عمود نور في شارع، وقيل إنهم تواطأوا مع فرنسا على تخريب النظام النازي. وعندما خلا له الجو، كتب في يومياته، وكأنه يخاطب كل واحد منهم: "أرفع لك قبعتي، لشجاعتك على مواجهتي، ولكني لن أنزلها إلا على قبرك".
ظل صدام حسين سنوات عشرا يرصد منافسيه على الموقع الأول في السلطة، أو من قدّر أنهم منافسوه. وعند أدائه القسم الرئاسي، عاهدهم على أن يكون "فارسا بين الفرسان، وليس الفارس الوحيد"، لكنه في الليلة التالية، حنث عهده وجمعهم في قاعة مغلقة، واتهمهم بالوقوف بوجه الثورة، و"كل واحد.. يصير ألفا.. ألفين.. ثلاثة آلاف.. عشرة.. أقصص رؤوسهم من دون ما ترجف شعرة واحدة عندي، أو يرجف قلبي عليه"، ثم أحالهم إلى محاكمةٍ سريعةٍ، تعرّضوا خلالها لتعذيب شديد حتى الموت. وعند الفجر، سلمت جثثهم إلى ذويهم، على أن يدفنوا من دون ضجيج!
قرأ ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان دروس التاريخ بعناية، لكنه لم يستطع أن يهضم نصيحة الملك الحكيم، خصوصا أن منافسيه على المُلك من الأمراء الكبار وأبناء عمومته النافذين والمقرّبين من العرش. وقيل إن هناك من أشار عليه أن يتعرّف على تجارب غيره، فاستحسنها وقرّر الاقتداء بها، وكان أن دعا أمراء منافسين، وألحق بهم رجال أعمال كبارا كي تكتمل حبات السبحة التي تجاوزت الخمسمئة، إلى ما قيل لهم إنها اجتماعات للتداول معهم في أمور مهمة، لكنهم وجدوا أنفسهم في سياراتٍ مظللة، أخذتهم من أماكن اقامتهم إلى "ريتز كارلتون"، وقد وصموا بأنهم سرّاق للمال العام، وأن إجراءاتٍ سوف تتخذ بحقهم ضمن حملة لمكافحة الفساد، وسوف يظلون محتجزين، ريثما يتقرر مصيرهم ومصير ثرواتهم.
وجرى إخراج اللعبة على نحو ذكي، فالذين اعتقلوا من أعضاء العائلة الحاكمة والوزراء ورجال الأعمال شكلوا، منذ بدايات تأسيس المملكة، "دولة عميقة" اختطفت ثروة الشعب السعودي وتصرّفت بها، كما اغتصبت القرار السياسي والاقتصادي عقودا. ولذلك، حظي خبر اعتقالهم بدعم واستحسان جمهرة سعودية كبيرة. هنا كان بن سلمان يدير خيوط اللعبة بجدارة متناهية، حتى أن صحافيا غربيا وصفها بأنها "أشبه بمسلسل تلفزيوني مكسيكي".
اللعبة لم تنته بعد، فلدى بن سلمان جملة مخاوف من أن تتحرّك رمال صحراء الجزيرة المعروفة بحركتها السريعة، وقد شم رائحة الإفاقة من الصدمة لدى قبائل وعوائل نافذة، عرفت بموالاتها بعض أمراء معتقلين. لا بد إذن من حزمة خطواتٍ أخرى، تضمن النتيجة التي يريد أن يصل إليها، وهي الإسراع في القبض على الجائزة الكبرى، موقع العرش الرفيع، وهو ما ينتظر الإعلان عنه في أيام. وعندها نكون أمام أحد احتمالين: أن يتحول "المُلك العضوض" إلى "مُلك جبري" يؤسس للجبر والقهر والمغامرات الساخنة، بحسب الأدبيات المأثورة عندنا، أو أن يؤسس لتغيير اجتماعي واقتصادي، وحتى سياسي، يحقق بعض طموح الأجيال السعودية الجديدة، ويكسب بن سلمان نوعا من الشعبية، مازال يفتقر إليها، المهم أن ننتظر ونرى.
لم يستطع ستالين أن يتحول إلى زعيم أوحد، لا منافس له، إلا بعد أن قضى على بوخارين وكامنيف وريكوف وآخرين في محاكمات صورية، ثم بعث بعض رجاله ليلحقوا بتروتسكي في منفاه في المكسيك ويغتالوه، وكانت التهمة جاهزة "إنهم تحريفيون مغامرون وأعداء للثورة". وعندما أصبح اللاعب الوحيد في لعبة السلطة، كشف عن مخططه: "اختر عدوك، وحضر ضربتك، ثم اذهب به إلى النهاية".
أجهز هتلر على صفوة مساعديه من قياديي فرقتي "العاصفة" و"القمصان البنية"، في عملية دموية مثيرة، عرفت بـ"ليلة السكاكين الطويلة"، إذ وجد بعضهم في الغابات مذبوحا، أو تم تهشيم رأسه، أو شنق بأسلاك الكهرباء، وعلق على عمود نور في شارع، وقيل إنهم تواطأوا مع فرنسا على تخريب النظام النازي. وعندما خلا له الجو، كتب في يومياته، وكأنه يخاطب كل واحد منهم: "أرفع لك قبعتي، لشجاعتك على مواجهتي، ولكني لن أنزلها إلا على قبرك".
ظل صدام حسين سنوات عشرا يرصد منافسيه على الموقع الأول في السلطة، أو من قدّر أنهم منافسوه. وعند أدائه القسم الرئاسي، عاهدهم على أن يكون "فارسا بين الفرسان، وليس الفارس الوحيد"، لكنه في الليلة التالية، حنث عهده وجمعهم في قاعة مغلقة، واتهمهم بالوقوف بوجه الثورة، و"كل واحد.. يصير ألفا.. ألفين.. ثلاثة آلاف.. عشرة.. أقصص رؤوسهم من دون ما ترجف شعرة واحدة عندي، أو يرجف قلبي عليه"، ثم أحالهم إلى محاكمةٍ سريعةٍ، تعرّضوا خلالها لتعذيب شديد حتى الموت. وعند الفجر، سلمت جثثهم إلى ذويهم، على أن يدفنوا من دون ضجيج!
قرأ ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان دروس التاريخ بعناية، لكنه لم يستطع أن يهضم نصيحة الملك الحكيم، خصوصا أن منافسيه على المُلك من الأمراء الكبار وأبناء عمومته النافذين والمقرّبين من العرش. وقيل إن هناك من أشار عليه أن يتعرّف على تجارب غيره، فاستحسنها وقرّر الاقتداء بها، وكان أن دعا أمراء منافسين، وألحق بهم رجال أعمال كبارا كي تكتمل حبات السبحة التي تجاوزت الخمسمئة، إلى ما قيل لهم إنها اجتماعات للتداول معهم في أمور مهمة، لكنهم وجدوا أنفسهم في سياراتٍ مظللة، أخذتهم من أماكن اقامتهم إلى "ريتز كارلتون"، وقد وصموا بأنهم سرّاق للمال العام، وأن إجراءاتٍ سوف تتخذ بحقهم ضمن حملة لمكافحة الفساد، وسوف يظلون محتجزين، ريثما يتقرر مصيرهم ومصير ثرواتهم.
وجرى إخراج اللعبة على نحو ذكي، فالذين اعتقلوا من أعضاء العائلة الحاكمة والوزراء ورجال الأعمال شكلوا، منذ بدايات تأسيس المملكة، "دولة عميقة" اختطفت ثروة الشعب السعودي وتصرّفت بها، كما اغتصبت القرار السياسي والاقتصادي عقودا. ولذلك، حظي خبر اعتقالهم بدعم واستحسان جمهرة سعودية كبيرة. هنا كان بن سلمان يدير خيوط اللعبة بجدارة متناهية، حتى أن صحافيا غربيا وصفها بأنها "أشبه بمسلسل تلفزيوني مكسيكي".
اللعبة لم تنته بعد، فلدى بن سلمان جملة مخاوف من أن تتحرّك رمال صحراء الجزيرة المعروفة بحركتها السريعة، وقد شم رائحة الإفاقة من الصدمة لدى قبائل وعوائل نافذة، عرفت بموالاتها بعض أمراء معتقلين. لا بد إذن من حزمة خطواتٍ أخرى، تضمن النتيجة التي يريد أن يصل إليها، وهي الإسراع في القبض على الجائزة الكبرى، موقع العرش الرفيع، وهو ما ينتظر الإعلان عنه في أيام. وعندها نكون أمام أحد احتمالين: أن يتحول "المُلك العضوض" إلى "مُلك جبري" يؤسس للجبر والقهر والمغامرات الساخنة، بحسب الأدبيات المأثورة عندنا، أو أن يؤسس لتغيير اجتماعي واقتصادي، وحتى سياسي، يحقق بعض طموح الأجيال السعودية الجديدة، ويكسب بن سلمان نوعا من الشعبية، مازال يفتقر إليها، المهم أن ننتظر ونرى.