28 أكتوبر 2024
قضايا المرأة بين التوظيف والحقوق.. السعودية نموذجاً
بعد ما يزيد على ربع قرن من الحراك النسوي والحقوقي، سمحت السلطات السعودية بقيادة النساء السيارة. القرار في حد ذاته يستحق التهنئة، خصوصاً أن الحق في التنقل والحركة أساسي من حقوق الإنسان، كانت السعودية الدولة الوحيدة التي تحظره، الأمر الذي جعلها محل انتقاد دولي من وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان. والمعلوم أن هذا القرار كان من أهداف قوى سياسية ومدنية سعودية بذلت من أجله جهداً متراكماً، وسيقت بسببه عدة شخصيات نسوية إلى الاحتجاز.
كما كان الحظر المفروض على قيادة السعوديات السيارة أحد مظاهر سيطرة السلفية على مظاهر المجتمع السعودي، والذي يرتبط بالتحالف المؤسس للمملكة نفسها، وهو تحالف الملك ومحمد عبد الوهاب، وهو تحالف ما زال مؤثرا وقائما، ويلعب دورا في إقرار أي سياسة اجتماعية جديدة، وتعد أيضا قضية قيادة النساء السيارة أحد تجليات الصراع والاختلاف الفكري في المجتمع السعودي.
استخدمت السلطات السعودية سلطة الدين والاقتصاد في مباركة قيادة النساء السيارة، أيدت
المؤسسة الدينية الرسمية القرار بوصف أن الأصل هو الإباحة لا الحظر، بعكس ما كانت تعلنه من قبل بتحريم قيادة النساء، كما عدّدت السلطة فوائد القرار اقتصاديا، وما يحمله من مكاسب ترتبط بتوفير رواتب السائقين لدى الأسر. وعلى الرغم من هذه المبررات التي سيقت لقبول القرار مجتمعيا، إلا أن الحظر الذي كان مفروضا من قبل استند على فرضياتٍ دينية، كما ارتبط برغبة سلطوية في تقييد حركة النساء وحقها في الحركة، وهو منطق يستند إلى الميراث التقليدي والأفكار السلفية وسلطة الدين التي تخدم السلطة في السيطرة على حركة الأجساد، وتقيدها رمزية لتقيد الإنسان وإرادته الحرة، وأبسطها حقه في التنقل، كما أن تنميط النساء وقبولهن هذا المنطق من السيطرة والتقيد يعمل على إعادة إنتاج القهر والاستلاب والإذعان لسلطة القبيلة والمؤسسات الدينية عموما، ويساهم في إغلاق أفق التغيير مستقبلا، بوصف أن النساء تلعب دورا مركزيا في تربية الأبناء داخل الأسر، فالقضية ليست، وحسب منظوراتٍ دينيةٍ وثقافيةٍ، ترى في النساء عورةً وأداة للفتنة والإثارة، أو تستند إلى رؤية ترى في النساء كائنات "ناقصات عقل ودين"، بدليل أن هناك مساحات ما من الحركة تتوفر لبعض الفئات المتميزة اجتماعيا وسلطويا، ففي وقتٍ رفضت السلطة قيادة النساء السيارة سمح لبعضهن بقيادة الطائرة في مفارقة غريبة.
وإذا تتبعنا القرار، نجده نتاج أسبابٍ ومستجداتٍ جارية، منها أن قضية قيادة النساء السيارة كانت تحظى باهتمام واسع من المجتمع المدني، وكانت هي وغيرها من القضايا الاجتماعية التي تخص أوضاع النساء أداة للتدافع الفكري والسياسي في المجتمع السعودي بين التيار السلفي وتيار الصحوة والتيار الليبرالي، كما شكلت أرضية لنقد السلطات السعودية محليا ودوليا، بوصفها تعبر عن وضعيةٍ متدنيةٍ للمرأة السعودية، قياسا بباقي الدول العربية ودول الخليج، وقد شكلت التغيرات في بنيه النظام السعودي، وشغل محمد بن سليمان وجودا سياسا أكبر أسبابا أخرى في هذا القرار، إذ يحاول تقديم نفسه وجها مغايرا لدولةٍ قامت على أساس تحالف آل سعود والوهابية، وأنه أكثر قدرة على التعاطي مع مطالب المجتمع، وكذلك وجها يستطيع مخاطبة الغرب، وتحسين صورة السعودية خارجيا. وكالعادة، ومع كل تجديد في مراكز السلطة، تحاول الوجوه الجديدة كسب قطاعاتٍ من المجتمع لصفها، وتكوين تحالفٍ يساندها. ولكن في حدود لا تهدم المصالح الحقيقية للمجموعات الحاكمة، وقد مثل السماح للسعوديات بقيادة السيارات هذا التغير الشكلي، والمطلب الذي يبني صورة جديدة للحاكم المستقبلي للسعودية، كما ساهم التدافع الخارجي، إلى جانب التدافع الداخلي في المجتمع السعودي، في صدور هذا القرار، فمع الأزمة الخليجية تريد السعودية نفي الوجه السلفي التقليدي المتحكم في شكل الدولة والمجتمع، وإعطاء طابع أنها تتغير وتحترم حقوق الإنسان، وتحسن من وضعية المرأة، أي أن البعد الخارجي، إلى جانب التغير في مكون السلطة، شكلا دافعاً في اتخاذ القرار، كما سيشكلا مستقبلا أداة لقرارات مماثلة.
ومن هنا، يمكن القول إن قضايا المرأة السعودية ستوظف مستقبلا لكسب أرضية جديدة للتحالف الحاكم الآن، وهي حالة مشابهة لنظم عربيةٍ كثيرة، شهدت تغيرات اجتماعية من السلطة،
وبشكل فوقي، مع وجود أشخاص أو نظم تحول تكوين صورة مغايرة عمّا سبقها من نظم أو حكام. وربما تحمل حالة السعودية مقاربة مع دولٍ أخرى، استخدمت فيها قضايا المرأة العربية، ووظفتها لكسب شرعية للنظام، عبر كسب ود النساء في كل بلد، والتزين بها خارجيا، ففي تونس استطاعت السلطة، عبر إقرار قانوني، تجريم العنف، والمساواة في الميراث، كسب أرضية من التأييد في وسط النساء، وبعض التيارات الفكرية التقدمية. وحاول الرئيس الباجي السبسي التشبه بنظام بورقيبة الذي أحدث إصلاحات اجتماعية في صالح المرأة التونسية، كما حاولت السلطات المصرية تخصيص العام الجاري عاماً للنساء، لكنها أخفقت في تحقيق أي مطالب عادلة حقيقية لهن، ولم يزد الأمر عن تمجيد النساء من دون بذل جهد لتحسين أوضاعهن. أما في الأردن ولبنان والمغرب، وغيرها من الدول، فهناك جهود لتعديل التشريعات أو إقرار تشريعات جديدة تحسن أوضاع المرأة.
وهنا، يمكن القول إن قضايا النساء توظف في إطار الصراعات السياسة المحلية والدولية، وإن هناك فارقاً بين الإيمان بحقوق النساء بشكلها الشامل، وضمان حقوق المواطنة المتساوية، والتي منها الحق في المشاركة السياسية ووجودها في مواقع اتخاذ القرار وتمتعها بفرص العمل والتعليم، وخدمات الصحة والسكن، وبين أن تستخدم تلك الشعارات بشكل عام، لكسب مساحاتٍ من النفوذ أو تنميط صورة نظام ما. على جانبٍ آخر، تفرض قضايا المرأة العربية، والسعودية خصوصا، نفسها، نظرا لتراجع أوضاعها الاجتماعية. ولأن ثورة التكنولوجيا والاتصال وإمكانات التعلم في الخارج ساهمت في أن تقارن الأجيال الجديدة بين أوضاع مجتمعاتها المتخلفة والمفقرة وبين مجتمعات أخرى للنساء، فيها وضع مغاير، وتحظى فيها النساء بخدمات التعليم والذمة المالية المستقلة والحق في العمل. ويحاول قرار حق النساء في قيادة السيارة أن يتماشى مع التغيرات الكبيرة في المجتمع السعودي، ومنها زيادة نسب التعلم والابتعاث إلى الخارج، ورغبة المجتمع في التغيير الاجتماعي.
كما كان الحظر المفروض على قيادة السعوديات السيارة أحد مظاهر سيطرة السلفية على مظاهر المجتمع السعودي، والذي يرتبط بالتحالف المؤسس للمملكة نفسها، وهو تحالف الملك ومحمد عبد الوهاب، وهو تحالف ما زال مؤثرا وقائما، ويلعب دورا في إقرار أي سياسة اجتماعية جديدة، وتعد أيضا قضية قيادة النساء السيارة أحد تجليات الصراع والاختلاف الفكري في المجتمع السعودي.
استخدمت السلطات السعودية سلطة الدين والاقتصاد في مباركة قيادة النساء السيارة، أيدت
وإذا تتبعنا القرار، نجده نتاج أسبابٍ ومستجداتٍ جارية، منها أن قضية قيادة النساء السيارة كانت تحظى باهتمام واسع من المجتمع المدني، وكانت هي وغيرها من القضايا الاجتماعية التي تخص أوضاع النساء أداة للتدافع الفكري والسياسي في المجتمع السعودي بين التيار السلفي وتيار الصحوة والتيار الليبرالي، كما شكلت أرضية لنقد السلطات السعودية محليا ودوليا، بوصفها تعبر عن وضعيةٍ متدنيةٍ للمرأة السعودية، قياسا بباقي الدول العربية ودول الخليج، وقد شكلت التغيرات في بنيه النظام السعودي، وشغل محمد بن سليمان وجودا سياسا أكبر أسبابا أخرى في هذا القرار، إذ يحاول تقديم نفسه وجها مغايرا لدولةٍ قامت على أساس تحالف آل سعود والوهابية، وأنه أكثر قدرة على التعاطي مع مطالب المجتمع، وكذلك وجها يستطيع مخاطبة الغرب، وتحسين صورة السعودية خارجيا. وكالعادة، ومع كل تجديد في مراكز السلطة، تحاول الوجوه الجديدة كسب قطاعاتٍ من المجتمع لصفها، وتكوين تحالفٍ يساندها. ولكن في حدود لا تهدم المصالح الحقيقية للمجموعات الحاكمة، وقد مثل السماح للسعوديات بقيادة السيارات هذا التغير الشكلي، والمطلب الذي يبني صورة جديدة للحاكم المستقبلي للسعودية، كما ساهم التدافع الخارجي، إلى جانب التدافع الداخلي في المجتمع السعودي، في صدور هذا القرار، فمع الأزمة الخليجية تريد السعودية نفي الوجه السلفي التقليدي المتحكم في شكل الدولة والمجتمع، وإعطاء طابع أنها تتغير وتحترم حقوق الإنسان، وتحسن من وضعية المرأة، أي أن البعد الخارجي، إلى جانب التغير في مكون السلطة، شكلا دافعاً في اتخاذ القرار، كما سيشكلا مستقبلا أداة لقرارات مماثلة.
ومن هنا، يمكن القول إن قضايا المرأة السعودية ستوظف مستقبلا لكسب أرضية جديدة للتحالف الحاكم الآن، وهي حالة مشابهة لنظم عربيةٍ كثيرة، شهدت تغيرات اجتماعية من السلطة،
وهنا، يمكن القول إن قضايا النساء توظف في إطار الصراعات السياسة المحلية والدولية، وإن هناك فارقاً بين الإيمان بحقوق النساء بشكلها الشامل، وضمان حقوق المواطنة المتساوية، والتي منها الحق في المشاركة السياسية ووجودها في مواقع اتخاذ القرار وتمتعها بفرص العمل والتعليم، وخدمات الصحة والسكن، وبين أن تستخدم تلك الشعارات بشكل عام، لكسب مساحاتٍ من النفوذ أو تنميط صورة نظام ما. على جانبٍ آخر، تفرض قضايا المرأة العربية، والسعودية خصوصا، نفسها، نظرا لتراجع أوضاعها الاجتماعية. ولأن ثورة التكنولوجيا والاتصال وإمكانات التعلم في الخارج ساهمت في أن تقارن الأجيال الجديدة بين أوضاع مجتمعاتها المتخلفة والمفقرة وبين مجتمعات أخرى للنساء، فيها وضع مغاير، وتحظى فيها النساء بخدمات التعليم والذمة المالية المستقلة والحق في العمل. ويحاول قرار حق النساء في قيادة السيارة أن يتماشى مع التغيرات الكبيرة في المجتمع السعودي، ومنها زيادة نسب التعلم والابتعاث إلى الخارج، ورغبة المجتمع في التغيير الاجتماعي.