مضايا المعتقل الكبير

22 سبتمبر 2016
+ الخط -
عام وثلاثة أشهر مرّت على حصار مضايا في الغوطة الغربية، وأكثر من مئة يوم مرّت من دون دخول أيّ مساعدات إنسانية بسبب إطباق الحصار على المدينة من نظام الأسد ومليشيا حزب الله وإيران، حتى بات الموت السريري يُهدّد أربعين ألف مدني، بسبب فقدانٍ كاملٍ لمقوماتِ الحياة، فأصبح سُكانها يخرجون قسرياً عبر الزمن، ويعودون إلى حياة مراحل الإنسان البدائية التي تكلّم عنها عديدون من فلاسفة اليونان قبل الميلاد، وكيفية أكل الإنسان العشب وأوراق الشجر واصطياد الفرائس البرية من الحيوانات المتوفرة آنذاك، من أجل الحفاظ على غريزة البقاء، فكان قانون الغاب هو السائد والحاكم والبقاء للأقوى.
المشهد التاريخي يستحضر اليوم في مضايا، ونقول يستحضر ولا يتكرّر، لأنّ التاريخ لا يعيد نفسه، بل يستحضر بأدوات جديدة، فأيّ لعنةٍ حلّت على الأهالي المحاصرين، وأيّ قدر كتب لهم، وفي أيّ سورية يعيشون؟
إنها لعنة الحصار التي فرضها نظام الأسد وحزب بالله بموافقة أممية، بعد أن نجحوا في اتفاق سابق في سبتمر/ أيلول العام الماضي على تحقيق اتفاق بإشراف الأمم المتحدة لوقف الأعمال العسكرية في كل من كفريا والفوعة المواليتين للنظام من جهة، والزبداني من جهة أخرى، والمفاوضات كانت بشكل مباشر بين مسؤولين إيرانيين وحركة أحرار الشام الإسلامية، ثم عقب ذلك، تنفيذ البند الآخر من الاتفاق بتبادل سكاني من مصابين وجرحى مدنيين من كلا الطرفين.
بعد هذا الإنجاز الاستبداي لنظام الأسد، أصبح المشهد الحالي في مضايا معتقلاً كبيراً، ومن تبقّى في داخله هم المجرمون، ذنبهم الوحيد أنّهم طالبوا بحقهم الطبيعي بهبة الحياة التي منحها الله لكل البشر على مرّ العصور، فكان العقاب جماعياً، فُرضه الأسد على أبناء شعبه، ولم يكن أبداً عقاباً جماعياً من الله، كما الواقعة التاريخية في قصص الأنبياء، والتي إذا عصى القوم حدوداً معينة يحق عليهم العذاب من السماء السابعة، أو يستبدل الله قوماً غيرهم يستخلفهم في الأرض، كما في قوم نوح وعادٍ وثمود، والواضح اليوم من حال مضايا، أنّه ينطبق عليها ما قاله الفيلسوف توماس هوبز في القرن السابع عشر، إنّ الإنسان ذئب لأخيه الإنسان، إذ يبدو أنّ الأسد هو الذئب الذي كشّر عن أنيابه على أبناء جنسه، لأجل تحقيق رغبات التملّك والتفرّد بالسيادة والسلطة والحفاظ على كرسي العرش، والذي بات يتسّع به في مركز وجوده بدمشق.
تحولت مضايا اليوم إلى رمز المآساة والكارثة الإنسانية في القرن الواحد والعشرين، فمن تبقّى فيها باتوا ينتظرون الموت في غُرف حجرية بعيدة عن المشفى الميداني في مضايا، لأنّ الوباء حلّ بهم بمرض السحايا الذي عشّش داخل المدنية، وأصاب الصغار قبل الكبار، وفي أقوى الظروف، وبعد حملات إعلامية ونداءات استغاثة عديدة، تحرّك الضمير الميت للأمم المتحدة، وأرسلت الهلال الأحمر ليتم إخراج إحدى عشرة حالة فقط، لأنها الأخطر، أما ما تبّقوا من المرضى، فما زالوا بمستويات الأولى من المرض، ولا يحق لهم الخروج.
المفارقة هنا أنّ هذه المحاولة الإسعافية الوحيدة ما كانت لتتم من دون إخراج حالات مرضية أخرى من البلدتين المواليتين للنظام من كفريا والفوعا، مستغلين بذلك الاتفاق المشؤوم، والذي ذكرناه أعلاه، فهم، بهذه الحالة، يطبّقون بنود الاتفاق متى يرغبون، ويجمدونه عندما تنتهي الحالة الحرجة ليعود الوضع على ما هو عليه، لا مساعدات ولا طعام ولا دواء، وإن استطاعوا لقطعوا الأوكسجين لأجل التحكّم في الزفير والشهيق.
مضايا اليوم هي غروزني، هي روما التي أحرقها نيرون، هي معتقل صنعه الأسد، وجعله ظاهراً على وجه الأرض، وإن اختلف عن غيره من السجون والمعتقلات، فالاختلاف هنا هو من حيث المنشأ، فنظام الأسد، وعبر سنوات الحرب الضروس، حوّل مراكز ومبان عديدة إلى سجون سرية تحت الأرض، يوجد فيها آلاف من المغيبين قسراً، ولا أحد من ذويهم يعلم عنهم أيّ شيء، وإن حاول شخص ما السؤال عن أي قريب له، فقد يلقى المصير نفسه.
الرسالة من قصة مضايا التي يُراد إيصالها إلى العالم بأسره، هي ليست هذه السطور، إنّما هي رسالة إنسان من داخل المعتقل، وهو متحدّث باسم المجلس المحلي، تحدّث ببضع كلمات كانت كفيلة لإيقاظ الضمير العالمي الغائب الشاهد على هذه الكارثة الإنسانية، حيث قال إنّنا نعيش في زمن الأموات الأحياء، ونطالب العالم بأسره أن يعاملنا معاملة السجين بتقديم كل الخدمات، كما في كل سجون العالم، وإن لم يوجد في هذا العالم ممن يهتم بحقوق الإنسان، فإنّنا نناشد من يهتم بحقوق الحيوان، لعلّ هذا المطلب يلقى من يستجيب له.
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
يمان دابقي (سورية)
يمان دابقي (سورية)