19 سبتمبر 2022
إقالة وزير الدفاع... مهزلة برلمانية في العراق
صوّت البرلمان العراقي، قبل أيّام، على إقالة وزير الدفاع خالد العبيدي عن منصبه، في خضم الموجة السياسيّة المهترئة التي تتّصف بها العملية السياسيّة في البلاد، وجاءت الإقالة بطريقة سياسيّة هزلية وغير تشريعية، بل وعدّت بمثابة أخذ ثأر شخصي، ذلك أن الوزير فضح بعض الجوانب الفاسدة، وأعلن عمن اعتبرهم نواباً فاسدين، ومنهم رئيس البرلمان نفسه، وكشف لأول مرّة عن صفقات وابتزازاتٍ تعرّض لها منهم. لم يتهّم الجميع، فثمّة من هو أكبر منه يمثّلون حيتان فساد وتنانين متوّحشين في نهب المال العام. شهدنا اللقاء العاصف تلفزيونياً، وسمي يوم الاستجواب، كانت قد تقدّمت بطلب تحقيقه نائبة من اللواتي لهنّ مع الوزير قضايا متعلّقة في المحاكم، بسبب تهم وطعون قدمتْها ضدّه. وهنا، يفتقد الاستجواب شرعيته، إذ بين المستجوِبة والمستجوَب قضايا أمام القضاء، لكنها، كما يبدو، مؤامرة دبرّت ضدّ الوزير في مثل هذا الوقت.
يبدو واضحاً أنّ كلّ التساؤلات التي تحمل طعوناً واتهامات إضافية، إذ كان الوزير نفسه قد تعّرض لاستجوابٍ سابق قبل شهور، قامت به نائب أخرى، والاثنتان تنتميان إلى الفصيل السياسي الذي يرعاه نوري المالكي، وهو المتهّم الأكبر في أسوأ التهم الخطيرة التي يصل بعضها إلى الخيانة العظمى، من دون أن يحاسبه أحد. كان الاستجواب الأول قد مضى على خير، بسبب اهتراء تلك الطعون وقِدمها قبل تسلّم الوزير حقيبته. ولكن، في الاستجواب الثاني، وجدنا الوزير يعلن، منذ البدء، في الاجتماع البرلماني، أنّ مؤامرة مبيّتة قد جرت لاستجوابه، وتوقّع إقالته. وقال، مستطرداً، إنّه كان يتعرّض لضغوط كبيرة من الساسة والنواب العراقيين، لكي يوافق لهم على عقودٍ وصفقاتٍ وعمولات، كون وزارته من أغنى الوزارات.. بمعنى أنّ استجوابه الثاني كان وسيلةً للضغط والإكراه، أو إقالته للإتيان بوزير آخر، يكون ألعوبةً بأيديهم.
وعليه، التقى الوزير بعض رؤساء الكتل، لكي يقفوا معه في أزمته، لكنهم خذلوه، وهم يعلمون جميعاً أنّ البلاد تمرّ بأقسى الظروف، وتعيش حرب الجيش العراقي ضد "داعش"، والتقدّم الذي يمتد نحو الموصل لتحريرها. وسواء كان الوزير مسؤولاً أو غير مسؤول عمّا يتحقّق من نجاحاتٍ عسكرية، فهو يبقى وزيراً للدفاع، ويمثّل رمز مؤسسّة عسكريةٍ، مهمّتها هذه الأيام مقدّسة، في نظر العراقيين جميعاً.. وسواء رضينا أم لم نرض بهذا الوزير، كونه وصل عن
طريق المحاصصة السياسية والطائفية، فهل كان غيره من الوزراء والنواب قد أتى إلى منصبه ضمن أجندة وطنية مشروعة على أسس الكفاءة وحسن السيرة والأخلاق؟ كل النواب العراقيين لا معرفة لهم أبداً بالشؤون العسكرية، ققد أغلق الاجتماع، هذه المرة، وجعل التصويت سرياً من أجل إقالته، فكانوا 262 نائباً، صوّت 142 نائباً منهم على إقالته، وصوّت 102 منهم على رفضها، وامتنع 18 عن التصويت. فإن كان الحق دستورياً ورقابياً، مارسوه ضمن مادة دستورية، فقد وقعوا في خطأ جسيم بمجرد تفكيرهم السيئ، من دون أن يراعوا الظروف التي يمرّ العراق بها، وجنودهم يقاتلون "داعش" قتالاً مصيرياّ، وهم يتقدّمون باتجاه مدينة الموصل لتحريرها، ومن دون مراعاة أنّ إقالة وزير دفاع نشيط، وجده الناس يتنقّل من مكان إلى آخر، على الرغم من أنه مهندس عسكري فني، وليس ضابطاً أو قائداً ميدانياً.
وزارة الدفاع، في مثل هذا الوقت، هي التي ستحدّد مصير العراق، والجيش العراقي، كما يبدو، هو غير الجيش الذي انهزم أمام داعش من الموصل، وتركها طعماً له على عهد المالكي. ونسأل: لماذا لم يستجوب البرلمان وزير الدفاع السابق، نوري المالكي، ولم يصوّتوا على إقالته، علماً أنّ العبيدي لم يرتكب جريمةً كالتي اقترفها المالكي وضباطه؟ ربما كانت للوزير المقال أخطاؤه، لكنها لا ترقى أبداً إلى إقالته بمثل هذه الكيفية المسرحية.. ظهرت عاصفةً من الاحتجاجات العراقية على شبكات التواصل الاجتماعي ضدّ هذه الإقالة، وعبرّت عن ضمير شعبي، خصوصاً أن الوزير المقال كسب الجولة لدى الشعب، وانتصر لصوت الحق بعيداً عن الطائفية المقيتة.
نعم، اكتسب الوزير شعبيةً مباشرةً واسعةً لدى العراقيين الذين وجدوا فيه الشجاعة التي كشف لهم من خلالها جملةً من الفضائح والاهتراءات لبعض النواب والمسؤولين. وقد وجد أغلب النواب وزعماء الكتل السياسيّة أن الوزير لابدّ أن يُعاقب، ويقطعوا دابر الأمر بإقالته، كي لا تنفضح جرائمهم الأخرى بحقّ الشعب. ولكن الوزير لم يقل لمثل هذا السبب أو ذاك فقط، بل يعتقد بعضهم اعتقاداً راسخاً بأنّ الوزير ما دام ابن الموصل، فلا يمكن أن يبقوه وزيراً للدفاع، خوفاً أن يكون بطلاً في تحريرها من "داعش" (!). وهناك من يقول إنّ إيران كانت وراء هندسة هذه المسرحية والإقالة والتحريض على استجوابه، وفرض الضغوط عليه، كونه رفض تصريحات قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، بإصرار الأخير على دخوله الموصل، إذ تعد هذه المدينة عدواً تاريخياً لايران، بسبب تاريخها الوطني الحقيقي في صدّ جيوش إيران عن العراق منذ مئات السنين، فلم تزل إيران تضمر للموصل الحقد والكراهية العمياء، فكان أن دبّرت هذه المؤامرة التي نفّذها من يسير على نهجها، ويؤمن بسياساتها من أتباعها العراقيين، أو من سيق إلى ذلك جرّاء غبائه، أو كرهه الشخصي الوزير المذكور.
وبين استجواب الوزير وإقالته أيام، يزور في أثنائها رئيس البرلمان، سليم الجبوري، إيران، ولا
نعرف ما الذي دعاه لزيارتها، إلا لكي ينال رضاها، ثم يعود من أجل إقصاء وزير الدفاع الذي كان ندّا قويّاً للجبوري بفضحه له، علماً أنّ القضاء العراقي لم يكن عادلاً أبداً ، بل مسيسّا منذ زمن بعيد، فقد أجرى تحقيقاً شكلياً في نصف ساعة مع الجبوري، وأرجعه سالماً إلى منصته، بيقوم بإقصاء من فضحه بتورّطه مع نواب آخرين في سلسلة من التهم الذي تصل إلى حدّ الجرائم.
ويشيع بعض النواب أنّ الوزير المقال كان يسبّ النواب ويشتمهم، واتهم بأنّه لم يكن مهنياً، وانمّا تعامل بشعبوية تفتقر للذكاء والحكمة (كذا)، وهذه جملة اتهاماتٍ كيديةٍ، فالكلّ شهد جلسة الاستجواب وراقبها، وتحلى الوزير فيها بالصبر والأدب، لكنه كان يردّ على الإساءات التي يسمعها من هذا وذاك من نواب غير مؤدبين بمثلها، وكانوا يجلسون أمامه، وكان رئيس الجلسة بالنيابة يصرخ بوجهه بلغةٍ متهدّجةٍ مكسرّة، من دون أن يضبط الجلسة الكوميدية، أو يضبط نوابه، إناثاً وذكوراً، ممن كانوا يُسمعون الوزير كلاماً قاسياً وجارحاً، وقد تصرّفت نائبة بما لا يليق مع وزير دفاع وهيبته أمام الملايين. وكانوا قد سألوه: لماذا أخفيت هذه المعلومات، من دون أن تعرضها سابقاً، فأجاب مباشرة بأنه كان يطلع رئيسه، حيدر العبادي، عليها أولاً بأول.
يضيف البرلمان العراقي مشهداً هزليا آخر، وخطيئةً أخرى، بإقالة وزير الدفاع بهذه الطريقة التي شهدها العالم، بحيث يقترف نواب تعساء ونائبات شعبويات أسوأ الافعال الصبيانية، ومن دون أيّة لياقة في تصرّفاتهم، أو لباقة في حواراتهم، أو احترام لبلدهم، أو تأمل في مصيرهم. وكنت أتمنى أن يتهّم الوزير بتهم ترقى الى الخيانة أو الجريمة، حتى يصوّت على إقالته ومحاكمته، ولكن أن يصل الأمر إلى أن يُقال لأسباب سياسيّة وتآمرية وكيدية تافهة، فهذا إسفافٌ يُضاف إلى مستوى نظام الحكم الكسيح الذي أوصل العراق إلى أدنى درجات الحياء.
من لديه أية معلومات أو أسرار يمكن أن تدين الرجل مطالبٌ بأن يكشفها. وكنت أتمنّى أن يحال كلّ المشبوهين من المسؤولين الكبار السابقين والحاليين، من رئيس وزراء سابق ووزراء ورؤساء كتل سياسية وسفراء ومسؤولين، إلى المحاكم بعد إقالتهم، فهم أولى بالإقصاء من دون أن يصبح وزير الدفاع وحده كبش فداء. ولكن، ينبغي القول إن العراقيين، كما يبدو، قد تعاطفوا معه، وهم يعتزون بشجاعته ومواقفه.
يبدو واضحاً أنّ كلّ التساؤلات التي تحمل طعوناً واتهامات إضافية، إذ كان الوزير نفسه قد تعّرض لاستجوابٍ سابق قبل شهور، قامت به نائب أخرى، والاثنتان تنتميان إلى الفصيل السياسي الذي يرعاه نوري المالكي، وهو المتهّم الأكبر في أسوأ التهم الخطيرة التي يصل بعضها إلى الخيانة العظمى، من دون أن يحاسبه أحد. كان الاستجواب الأول قد مضى على خير، بسبب اهتراء تلك الطعون وقِدمها قبل تسلّم الوزير حقيبته. ولكن، في الاستجواب الثاني، وجدنا الوزير يعلن، منذ البدء، في الاجتماع البرلماني، أنّ مؤامرة مبيّتة قد جرت لاستجوابه، وتوقّع إقالته. وقال، مستطرداً، إنّه كان يتعرّض لضغوط كبيرة من الساسة والنواب العراقيين، لكي يوافق لهم على عقودٍ وصفقاتٍ وعمولات، كون وزارته من أغنى الوزارات.. بمعنى أنّ استجوابه الثاني كان وسيلةً للضغط والإكراه، أو إقالته للإتيان بوزير آخر، يكون ألعوبةً بأيديهم.
وعليه، التقى الوزير بعض رؤساء الكتل، لكي يقفوا معه في أزمته، لكنهم خذلوه، وهم يعلمون جميعاً أنّ البلاد تمرّ بأقسى الظروف، وتعيش حرب الجيش العراقي ضد "داعش"، والتقدّم الذي يمتد نحو الموصل لتحريرها. وسواء كان الوزير مسؤولاً أو غير مسؤول عمّا يتحقّق من نجاحاتٍ عسكرية، فهو يبقى وزيراً للدفاع، ويمثّل رمز مؤسسّة عسكريةٍ، مهمّتها هذه الأيام مقدّسة، في نظر العراقيين جميعاً.. وسواء رضينا أم لم نرض بهذا الوزير، كونه وصل عن
وزارة الدفاع، في مثل هذا الوقت، هي التي ستحدّد مصير العراق، والجيش العراقي، كما يبدو، هو غير الجيش الذي انهزم أمام داعش من الموصل، وتركها طعماً له على عهد المالكي. ونسأل: لماذا لم يستجوب البرلمان وزير الدفاع السابق، نوري المالكي، ولم يصوّتوا على إقالته، علماً أنّ العبيدي لم يرتكب جريمةً كالتي اقترفها المالكي وضباطه؟ ربما كانت للوزير المقال أخطاؤه، لكنها لا ترقى أبداً إلى إقالته بمثل هذه الكيفية المسرحية.. ظهرت عاصفةً من الاحتجاجات العراقية على شبكات التواصل الاجتماعي ضدّ هذه الإقالة، وعبرّت عن ضمير شعبي، خصوصاً أن الوزير المقال كسب الجولة لدى الشعب، وانتصر لصوت الحق بعيداً عن الطائفية المقيتة.
نعم، اكتسب الوزير شعبيةً مباشرةً واسعةً لدى العراقيين الذين وجدوا فيه الشجاعة التي كشف لهم من خلالها جملةً من الفضائح والاهتراءات لبعض النواب والمسؤولين. وقد وجد أغلب النواب وزعماء الكتل السياسيّة أن الوزير لابدّ أن يُعاقب، ويقطعوا دابر الأمر بإقالته، كي لا تنفضح جرائمهم الأخرى بحقّ الشعب. ولكن الوزير لم يقل لمثل هذا السبب أو ذاك فقط، بل يعتقد بعضهم اعتقاداً راسخاً بأنّ الوزير ما دام ابن الموصل، فلا يمكن أن يبقوه وزيراً للدفاع، خوفاً أن يكون بطلاً في تحريرها من "داعش" (!). وهناك من يقول إنّ إيران كانت وراء هندسة هذه المسرحية والإقالة والتحريض على استجوابه، وفرض الضغوط عليه، كونه رفض تصريحات قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، بإصرار الأخير على دخوله الموصل، إذ تعد هذه المدينة عدواً تاريخياً لايران، بسبب تاريخها الوطني الحقيقي في صدّ جيوش إيران عن العراق منذ مئات السنين، فلم تزل إيران تضمر للموصل الحقد والكراهية العمياء، فكان أن دبّرت هذه المؤامرة التي نفّذها من يسير على نهجها، ويؤمن بسياساتها من أتباعها العراقيين، أو من سيق إلى ذلك جرّاء غبائه، أو كرهه الشخصي الوزير المذكور.
وبين استجواب الوزير وإقالته أيام، يزور في أثنائها رئيس البرلمان، سليم الجبوري، إيران، ولا
ويشيع بعض النواب أنّ الوزير المقال كان يسبّ النواب ويشتمهم، واتهم بأنّه لم يكن مهنياً، وانمّا تعامل بشعبوية تفتقر للذكاء والحكمة (كذا)، وهذه جملة اتهاماتٍ كيديةٍ، فالكلّ شهد جلسة الاستجواب وراقبها، وتحلى الوزير فيها بالصبر والأدب، لكنه كان يردّ على الإساءات التي يسمعها من هذا وذاك من نواب غير مؤدبين بمثلها، وكانوا يجلسون أمامه، وكان رئيس الجلسة بالنيابة يصرخ بوجهه بلغةٍ متهدّجةٍ مكسرّة، من دون أن يضبط الجلسة الكوميدية، أو يضبط نوابه، إناثاً وذكوراً، ممن كانوا يُسمعون الوزير كلاماً قاسياً وجارحاً، وقد تصرّفت نائبة بما لا يليق مع وزير دفاع وهيبته أمام الملايين. وكانوا قد سألوه: لماذا أخفيت هذه المعلومات، من دون أن تعرضها سابقاً، فأجاب مباشرة بأنه كان يطلع رئيسه، حيدر العبادي، عليها أولاً بأول.
يضيف البرلمان العراقي مشهداً هزليا آخر، وخطيئةً أخرى، بإقالة وزير الدفاع بهذه الطريقة التي شهدها العالم، بحيث يقترف نواب تعساء ونائبات شعبويات أسوأ الافعال الصبيانية، ومن دون أيّة لياقة في تصرّفاتهم، أو لباقة في حواراتهم، أو احترام لبلدهم، أو تأمل في مصيرهم. وكنت أتمنى أن يتهّم الوزير بتهم ترقى الى الخيانة أو الجريمة، حتى يصوّت على إقالته ومحاكمته، ولكن أن يصل الأمر إلى أن يُقال لأسباب سياسيّة وتآمرية وكيدية تافهة، فهذا إسفافٌ يُضاف إلى مستوى نظام الحكم الكسيح الذي أوصل العراق إلى أدنى درجات الحياء.
من لديه أية معلومات أو أسرار يمكن أن تدين الرجل مطالبٌ بأن يكشفها. وكنت أتمنّى أن يحال كلّ المشبوهين من المسؤولين الكبار السابقين والحاليين، من رئيس وزراء سابق ووزراء ورؤساء كتل سياسية وسفراء ومسؤولين، إلى المحاكم بعد إقالتهم، فهم أولى بالإقصاء من دون أن يصبح وزير الدفاع وحده كبش فداء. ولكن، ينبغي القول إن العراقيين، كما يبدو، قد تعاطفوا معه، وهم يعتزون بشجاعته ومواقفه.