حلمي النمنم والكمين

أعرف جيداً، من خلال اتزانه ووقاره، أن الأخ الوزير حلمي النمنم ليس له في المخدّرات من قريب أو بعيد، فهو متزن جداً، وصاحب وقار، والكل يشهد له في ذلك، حتى إن كلماته غالباً ما تخرج منه، خلال ربع قرن، بعيدة جداً عن الانفعال أو اللغو أو الهرتلة، أو حتى سفاسف الأمور، فالرجل طول عمره وهو مشغول في القضايا التي تحتاج إلى دربةٍ وطول بحثٍ وتنقيبٍ أريب في الوثائق، وحتى المخطوطات. ومن كثرة حذقه في ذلك، تولى رئاسة (دار الوثائق)، قبل أن يصير وزيراً للثقافة، وهو أيضا يعرف واجباته الصحفية بالقلم والمسطرة، وهو دائما في القلب ونن العين من الجماعة الصحافية وضميرها اليقظ، من دون أن يفرط في وقفةٍ أو توقيعٍ على بيان ضد تسلط أي سلطة، منذ كان نشطاً ثقافيا مع الدكتور عماد أبو غازي قبل أن يكون وزيرا بسنوات، مُعاراً أو نصف معار من مؤسسة دار الهلال إلى المجلس الأعلى للثقافة في الجبلاية.
كما أعرف أيضاً أن للسلطة مخدراتها الروحية التي غالباً ما تُتعاطى، لا عن طريق الفم أو الحقن، ولكن عن طريق الوجاهة والجيب ومتانة الكرسي وبحبوحته. ولكن، لم أكن أعرف أن مخدرات السلطة، هذه الأيام، من هذا الصنف الرديء جداً الذي يترك بعض المشكلات حتى في اللسان وصعوبة النطق، وتدفع برجلٍ في غاية الاتزان إلى مثل هذه الهرتلة التي تُفرح الأعداء والخصوم، وخصوصاً بعدما أصبح وزيراً للثقافة، فمن الممكن أن نترك مثل هذا الكلام لعبد الباسط حمودة أو شعبان عبد الرحيم أو سعد الصغير، وهم في ساعة فرفشةٍ وهرتلةٍ مثلاً، ولا نتركها لوزير ثقافة مصر، وخصوصاً حينما يقول: ما حدث للصحفيين في أزمتهم الأخيرة كان كميناً... فمن أعد الكمين لهم؟ وأنت الباحث الأريب في كل فتن التاريخ المعاصر، ولك في ذلك الكتب المؤلفة والأبحاث الموثقة، فهل هم المواطنون الشرفاء على سلم النقابة؟ وقد اتضح أنهم بالجملة من تل العقارب، وكان قد تم هدم تل العقارب قبل أسبوع، فهل نقول قد ضاعت وثيقة، أم إن صاحب الكمين هم "الإخوان المسلمين"، وقد أعدوه من سجن العقرب أيضاً؟ فما هي حكاية العقارب مع كمين النمنم هذه الليلة؟ وهل يحيى قلّاش الناصري حتى النخاع مع جمال عبدالرحيم مع خالد البلشي، ومعهم جمال فهمي وصلاح عيسى، وما يقرب من 4000 من أبناء المهنة الصحفية الذين كانوا رافعة ودعامة وسندا لـ 30/6 قلباً وقالباً، هل من الممكن أن يقع كل هؤلاء بسهولةٍ في كمين إخواني هكذا مرة واحدة؟ هذه واحدة.
أما الأخرى، وهي الأنكى، حينما يقول النمنم أيضا: إن الدور الأول في نقابة الصحفيين كان معداً لأن يكون مستنسخا لـ"رابعة والنهضة" من جماعة الإخوان المسلمين... وطالما الأخ حلمي قد دخل برجليه في منطقة العبث هذه، فما أتمناه له كي يمشي في هذا الخط إلى آخره، كي ينجز لنا بعض الدرر، أن يعمّر دماغه بحجرين من هذا الصنف نفسه، ويقرأ رواية نجيب محفوظ "ثرثرة فوق النيل"، فقد يجود عليه الصنف بدرّة مماثلة، وإنْ تعذر عليه التأويل، ومعرفة خطة "الإخوان" أو معرفة نياتهم ومقاصدهم، بعد الحجرين، فعليه، أن يستعين بالأخ المذيع أحمد موسى كي يحدد له "مركز الكرة الأرضية، في مخطط "الإخوان" الجديد في نقابة الصحفيين، فهل سيكون مكانه سلم النقابة، أم مكان وقوف المواطنين الشرفاء، ومن المحتمل، يا أخ حلمي، أن يكون المركز بالضبط هو مكان "كشري أبو طارق".