"متلازمة" عزمي بشارة

15 مايو 2016
+ الخط -
ينظّم معرض فلسطين الدولي للكتاب في رام الله مهرجاناً شعرياً، فيعلن شاعرٌ مقيم في عمّان مقاطعته، لأن "غالبية المشاركين فيه من محبي وأتباع وهوامش عزمي بشارة". ينشر مثقفٌ في صحيفةٍ فلسطينيةٍ مقالةً يرفض فيها، من موقع تحليلي ونقدي وأخلاقي، زيارة أربعة كتّاب فلسطينيين مكتباً في الرئاسة السورية في دمشق، فيعقّب أحد هؤلاء بمطوّلةٍ يأتي فيها على "شراء المفكر القومي عزمي بشارة كتّاباً وصحافيين كثيرين"، يتطاولون عليه وعلى زملائه لأن هذا "أكل عيشهم". وكان المذكور قد رمى كتّابا أصدروا بياناً ندّد بتلك الزيارة بأنهم "مرتزقة عزمي". ينشر كاتبٌ سوري مقالاً في "العربي الجديد"، يوضح فيه وقائع جاء عليها كتابٌ صدر بشأن الأزمة السورية، فيعقّب صاحب الكتاب، في ردٍّ عجيب، بأن الدكتور عزمي بشارة من كتب المقال ونشره باسمٍ آخر. يُقال شرطيٌّ في مدينةٍ خليجية من مسؤولياته الأمنية، فيتفرّغ في "تويتر" و"فيسبوك" للتجرؤ على الدكتور بشارة، وبرثاثةٍ فلكلورية، ما أن يكفّ عنها أياماً، حتى يعود إليها أياماً. تنتظم انتخاباتٌ للهيئة الإدارية لرابطة الكتّاب الأردنيين، ويخسر فريقان، ويفوز فريقان بكل المقاعد، فينشر أحدُهم بيان استقالته من عضوية الرابطة، لأن من نجحوا "من جماعة عزمي بشارة". وكان الزعل من النتيجة قد بلغ بزميلٍ لهذا المستقيل أن يهدّد الفائزين من "مغبّة" استضافة الدكتور عزمي بشارة في الرابطة. يُدعى شاعرٌ سوري إلى إقامة أمسيةٍ له أمام طلبةٍ في تونس، فيستنكر شعراء وكتاب تونسيون دعوته ونشاطه، بزعم أنه من "عملاء عزمي بشارة".
.. تفيد هذه الوقائع، وأخرى غيرها، بأن تعريف "المتلازمة" في الطب يصدُق تماماً على هؤلاء الذين جيء عليهم أعلاه، وتم تجهيل أسمائهم، لأن الأوْلى هو الانتباه إلى حالتهم، وإلى "المتلازمة" التي تقيم فيهم. و"المتلازمة" حالةٌ أكثر منها مرضاً، وإنْ لها أعراضه. وتعريفها أنها "علاماتٌ متزامنة ذات مصدر واحد"، أو "مجموعةٌ مترابطةٌ من أعراضٍ أو ظواهر أو خصائص يكثر ظهورها مجتمعةً، ويكون مصدر الداء واحداً". ولها مسمىً آخر، مشتقٌّ من الانجليزية ربما، (سندروم، syndrome). والواضح أن اسم الدكتور عزمي بشارة يستنفر ما يقيم في أولئك الناس، وأمثالهم، من عوارض قلة الأخلاق ونقصان التهذيب والتوتر العُصابي. ولانعدام أي حيلةٍ لديهم يتوسّلونها لإدراك محيطهم، لا يجدون غير اسم عزمي بشارة يرمون عليه مسؤوليته عمّا يتوهمونها مؤامراتٍ وحملاتٍ تستهدفهم، وهم المرابطون على مناهضة إسرائيل والرجعيّات العربية، وعلى الولاء لقوى الممانعة الظافرة في دمشق والضاحية الجنوبية وطهران وموسكو. واللافت أن "الحالة" التي يظهرون عليها، وهم يزاولون ثرثراتهم وخراريفهم هذه، واحدة، إذ "تُعايَن" فيهم بتعبيراتهم ومفرداتهم الموحدة والمتشابهة. ما لا يدل فقط على فقرٍ في خيال هؤلاء وأفهامهم، وعلى محدودية معجمهم، وإنما أيضاً على تمكّن "سندروم عزمي بشارة" في جوانحهم، وعلى استعصاء حالتهم هذه وأعراضها، ما يجعل الشفاء منها يتطلب جهداً سريرياً ونفسياً غير هيّن.
لا يمارس أصحاب الحالة المتحدّث عنها هنا خصومةً نقديةً وفكريةً وثقافيةً مع الدكتور عزمي بشارة، بوصفهم مثقفين وبوصفه مثقفاً صاحب رأي، بل يُؤثرون نمائم السهرات وبطولات "فيسبوك". لا يأتي على بال أيٍّ منهم أن للدكتور بشارة كتاباً اسمه "الثورة التونسية المجيدة" وآخر " سورية.. درب الآلام نحو الحرية". لا يُحاول أحد منهم مطالعة الكتابين، وغيرهما عن العلمانية والدين، وعن الطائفية، وعن الثورة، (أمثلة لا غير)، فيباشر معها نقداً وسجالاً ومؤاخذةً ونقاشاً. لا تُصادف من هؤلاء انتباهاً إلى محاضرةٍ للدكتور بشارة أو بحثٍ نشره، أو تقدير موقفٍ أصدره مركز الأبحاث الذي يديره. وإلى هذا المحزن في غضون مرضهم هذا، لا تُصادف لهم جديداً لافتاً أبدعوه في القصة والرواية والنقد الأدبي والشعر، وهم المنتسبون إلى أهل هذه المشاغل. والأكثر مدعاةً للإشفاق عليهم أن التورّم في ذواتهم يورّطهم في الظن أن لدى الدكتور عزمي بشارة فائضاً من الوقت يصرفه في تتبّع مشاويرهم، إلى دمشق وغيرها، وملاحقة خرابيشهم على حيطان "فيسبوك" وغيره. .. عافاهم رب العزّة، وهو الشافي من كل داء.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.