حكايات خطوط حمراء

11 ابريل 2016
+ الخط -
يمكن تلخيص الحكاية السورية في السنوات الخمس الماضية بألف طريقة، ومن ألف وجهة نظر، يمكن روايتها عسكرياً وفق تسلسل الوقائع الميدانية، وتشكل القوات واندماجها، وانتصاراتها وهزائمها. يمكن روايتها من زاوية التدخلات الخارجية السياسية، أو الخارجية العسكرية. وفي هذه الحال، يمكن أن نرتب الحكاية على طريقة بروشرات المسرح (الجيوش بحسب تسلسل الظهور). يمكن روايتها وفق تسلسل انهيار العملة السورية، وتقسيمها لمراحل المائة والمئتين وخمسين وصولاً إلى مرحلة الخمسمئة. يمكن روايتها بحسب موجات الهجرة، وبحسب القرارات الدولية، بحسب مسار الجولات التفاوضية الفاشلة، وبألف طريقةٍ أخرى، تتحدّد حسب المناسبة، وحسب موقعك الشخصي، وحسب الأولوية التي ترتئيها لرواية الحدث.
إحدى الحكايات الممكنة هي الخطوط الحمراء. يمكنها، بشكل أو بآخر، أن تلخص مسار الأحداث بطريقتها، لأسباب عديدة، أولها أنها تهاوت جميعاً، وثانيها أن رسم خط أحمر يشكل، في كل مرة، حدثاً دراماتيكياً، يرفع درجة الترقب، وينبئ بتصعيدٍ استثنائيٍّ في الأحداث، وثالثها أن التهديد بخط أحمر كان، في كل مرة، يرفع منسوب الحماس لدى الناس إلى الحد الأقصى، ويدفعهم إلى القيام بأفعال واتخاذ مواقف معينة، وعند تهاوي الخط الأحمر تنتشر حالة عامة من الإحباط، تتراكم وتتراكم حتى اقتربت من حالة اليأس الجماعي، والذي يبدو أنه مطلوب دولياً.
أول الخطوط الحمراء التي رُسمت في الحدث السوري كانت حماة، ففي الأسابيع الأولى للثورة، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بصوت عالٍ وحازم، إن حماة خط أحمر، وإن تركيا لن تسمح بتكرار أحداث الثمانينيات فيها. في الأسبوع التالي لذلك التصريح الناري، ارتكب النظام السوري أكبر مجزرة، حتى ذلك الوقت، وقتل أكثر من 150 مدنياً من المتظاهرين المحتشدين في ساعة العاصي في وسط مدينة حماة. انتظر السوريون رد فعل أردوغان، وترقبوا الشريط الحدودي ليشاهدوا كيف ستدخل "الجحافل" التركية لإنقاذ حماة وأهلها من تكرار المجزرة، وما زالوا ينتظرون.
بعد أسابيع، رسمت روسيا والصين خطاً أحمر جديداً في جلسةٍ لمجلس الأمن، طرح فيها للتصويت قرار يجيز التدخل لمنع النظام من ارتكاب المجازر بحق المواطنين المدنيين، فاستخدمت الدولتان حق الفيتو لمنع تمرير القرار، واعتبار التدخل العسكري الخارجي خطاً أحمر، وهو الذي تهاوى بطريقةٍ أقرب إلى الكوميديا، فحتى اللحظة، في وسع أي جهة أن ترسل مقاتلين يحملون بنادقهم، ويذهبون إلى سورية، ويدوسون ذلك الخط الأحمر ليُمحى شيئاً فشيئاً. أشهر الخطوط الحمراء في العام التالي كان الأسلحة الكيماوية، رسمه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، حين قال إن استخدام السلاح الكيماوي في سورية خط أحمر، وأثار ذلك الخط، عند إطلاقه، ردود فعل غاضبة وساخرة، لأن مضمونه كان يستهين باستخدام باقي أنواع الأسلحة. مع ذلك، داس النظام عليه، واستخدم السلاح الكيماوي في موقعين موثقين (على الأقل). يومها تحركت الولايات المتحدة للدفاع عن "خطها الأحمر"، ثم توقفت، في اللحظة الأخيرة، مقابل تسليم النظام ترسانته الكيماوية، بطريقةٍ ولأسباب لا تمت بصلة لقتل السوريين وثورتهم.
رسم النظام السوري، في السنوات الخمس الماضية، خطوطاً حمراء كثيرة، تعلّق بعضها بالجغرافيا، أي اعتبار بعض المناطق خطوطاً حمراء، لا يجوز ولا يمكن التخلي عنها، مثل المثلث الجنوبي بين القنيطرة ودرعا والجولان، ومثل مدينة حلب، ومثل قواعد الصواريخ وغيرها. ومن خطوطه الحمراء المتهاوية تلك المتعلقة بتصنيفه المعارضة، حيث اعتبر فترة طويلة أن هذه ليست معارضة، وليست وطنية ولا قيمة لها، ولا تمثل أحداً. وبالتالي، الاعتراف بها خط أحمر، والجلوس معها يعني اعترافاً بها، وهذا ما طرحه قبيل انعقاد أولى جلسات جنيف 1، ثم محا خطه الأحمر، وذهب مفاوضون عنه إلى جنيف تلو جنيف.
في جديد خطوطه الحمراء شيء من الطرافة في تسلسل رسمه ومحوه، فقبل أيام، خرج وزير خارجيته، وليد المعلم، ليحدّد أن مقام الرئاسة خط أحمر، وأن مناقشة مصير الرئيس وموقع الرئاسة أمر ليس مسموحاً لأحد، حتى الحلفاء والأصدقاء، وبعد أيام خرج "مقام الرئاسة" بنفسه ليمحو خطه الأحمر، ويقول إنه يمكن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة إذا أرد الشعب ذلك. وبالطبع، الشعب يريد.



A78EE536-6120-47B0-B892-5D3084701D47
علا عباس

كاتبة وإعلامية سورية