استقال إياد مدني، فمتى يستقيل السيسي؟

02 نوفمبر 2016

نكتة عن واقعة حدثت بالفعل أقالت إياد مدني (24/9/2016/Getty)

+ الخط -
زار المسجد الأقصى، ثالث حرم إسلامي، وأول القبلتين، في القدس المحتلة، وهو ما رآه العرب في غالبيتهم العظمى، مسيحيين ومسلمين، تطبيعاً واضحاً مع الاحتلال، لكنه لم يعتذر، ولم يقدم استقالته!
سكت عن الانقلاب العسكري، في دولة من الدول الأعضاء المؤسسين للمنظمة التي كان يترأسها قبل ساعات مضت، وذلك قبل أن يصف قائد الانقلاب دولته بوصفه الركيك "أشباه دولة"، ولم يكتف بالصمت، لكنه كال للمنقلب كلمات مدح، يعلم المادح والممدوح أنها لا تمت للحقيقة بأي صلة.
شاهد، وسمع، وعرف عن أكبر مذابح بشرية جماعية في تاريخ مصر، قديمه وحديثه، راح ضحيتها آلاف من البشر المسالمين، فلم يسمع ولم يقرأ أحد، أنه أصدر بياناً، أو أدلى بتصريح يشجب، ويندد، ويستنكر، كالمعتاد من المنظمات العربية والإسلامية، بل ولم يقل حتى تصريحاً، ولا ابتكر "نكتة" يسخر بها من القتلة والمجرمين الذين أهرقوا وما زالوا دماء بريئة لا تعرف بأي ذنب قتلت!
وحدها "ثلاجة عبد الفتاح السيسي"، أرغمته على الاعتذار، ثم الاستقالة من منصبه أميناً عاماً لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ليدخل إياد مدني التاريخ من "باب الثلاجة"، تاركاً خلفه تركةً لا أظن أنها مشرفة، لمن هو في منصبه.
أما "أبو تلاجة"، لا شيء فيها سوى الماء مدة عشر سنوات، كما زعم، فلو كان سمكة لم يتجدّد لها الماء لنفقت، فقد بات وأركان نظامه، وإعلامه، سعداء بالنصر الساحق الماحق، كيف لا وقد استطاع وزير خارجيته، أسد الميكروفات، "أبو دمعة جنان" في جنازة السفاح شيمون بيريز، المشهور باسم سامح شكري، أن يتوعّد ويهدد بانسحاب مصر من المنظمة، لأن أمينها العام تجرأ على السخرية من رئيسه.
يلفت النظر، في الموقعة التاريخية بحق، أن ثمة ملاحظات جديرة بالانتباه، فالإعلام، ومن قبله النظام، بقائده وأركانه الإعلامية العسكرية، لم يوفر كلمة ولا وصفاً قبيحاً، إلا ورمى به إياد مدني، في شخصه، وعائلته، وجنسيته؛ مستخدماً ألفاظاً تليق بنظامٍ وإعلامٍ يتغذّى على الدم، ويمتهن الابتذال، ويجعل السفالة معياراً للذيوع والانتشار، في كل ما يقدم؛ هؤلاء لم يأتوا على ذكر أي انتقاد لمدني في خطوته التطبيعية مع الصهاينة، ذلك لأنهم تحسسوا بطحتهم، بالأحرى بطحاتهم الكثيرة، في هذا الملف المخزي، بداية من " أبو تلاجة"، مروراً بـ"أبو دمعة"، ووصولاً إلى من يمتهنون ويهينون العمل الإعلامي، صباحاً ومساءً، وبين الوقتين.
يلفت النظر أكثر أن المدافعين عن إياد مدني نسوا وغفلوا عن أن يطالبوا السيسي ونظامه، بجملةٍ من الاعتذارات، ناهيك عن أنها تستحق الإقالة لا الاستقالة، لأنهم لم ولن يكفوا عن السخرية، والاستهزاء، وإهانة قادة وملوك وحكام، بل وشعوب عربية بكاملها. ففي مناسبة الفضيحة ذاتها، بل وفي "القعدة" نفسها، سخر قائد الانقلاب من دولة عربية، واتهمها صراحة بالإرهاب، وعيرها، لأن لديها منظومة تعليمية محترمة.
أما عن إعلام "علب الليل"، فحدث ولا حرج، فهو الذي كان وما زال، وسيظل إلى حين، لا يتعفف ولا يشعر بالخجل، ناهيك عن قلة الحياء، وهو يتناول العرب، حكاماً وشعوباً، بأحط الألفاظ والشتائم لهم، ولأمهاتهم وآبائهم، بقلة أدب لم تحدث في التاريخ الإعلامي كله.
استقال إياد مدني، بسبب نكتة، عن واقعة حدثت بالفعل، فمتى يستقيل ويختفي قائد الانقلاب وأركانه، وهم الذين لم يشبعوا بعد من إهانة الأمة كلها، حكاماً وشعوباً.
أغلب الظن أنهم لن يفعلوا، فهم أوضح تجسيد لمعنى الإهانة.
أما اليقين الحق، فإنهم زائلون، رغماً عن أنوفهم.
50C80A35-B0FB-49CC-BE88-9A8FC8B80144
نزار قنديل
كاتب وصحافي مصري، مدير مكتب مصر ورئيس قسم المراسلين في موقع وصحيفة "العربي الجديد". عمل في عدد من المؤسسات الإعلامية العربية والمصرية. يعرّف نفسه: كل لحظة تمر، بدون أن تكون لك كلمة حق وخير وجمال، هي وقت ضائع. كل لحظة لا تصمت فيها، إذا لم يكن لديك كلمة نافعة، هي ثرثرة ضارة. بعيداً عن الوقت الضائع، والثرثرة، أحاول أن أكتب. إن شئت فاقرأ ما تيسر من كتابتي.