المغرب.. تَقَاطُع الاختراقات وبُؤس الشعارات

06 أكتوبر 2016

مهرجان انتخابي لحزب الأصالة والمعاصرة في القنيطرة (4/10/2016/فرانس برس)

+ الخط -
يتوجَّه المغاربة غداً (7 أكتوبر/ تشرين الثاني 2016) للإدلاء بأصواتهم لانتخاب أعضاء البرلمان، حيث يتنافس نحو ثلاثين حزباً، وأكثر من 7000 مرشح على 395 مقعداً تتيح للمنتَخبين مراقبة الحكومة والقيام بالتشريعات اللازمة، لإرساء دعائم دولة القانون والمؤسسات.
ومن الأمور التي يمكن تسجيلها قبل حصول الانتخابات المرتقبة، ما يُلاحظ من نجاح النظام السياسي المغربي في صناعة قطبيةٍ ثنائية، رُتِّبت ملامحها بضبطٍ كثير، الأمر الذي جعل المشهد الانتخابي مُوَجّهاً قسراً نحو طريقين لا ثالث لهما، وهو ما ترتَّب عنه ارتباك بارز في المشهد السياسي، حيث تمّت محاصرة الكتلة الانتخابية باختياريْن، لهما ملامح متشابهة كثيرة، على الرغم من أن واحداً منهما يَدَّعِي أنه يدافع عن قيم الحداثة، وأنه يروم مواجهة التيار الأصولي المحافظ. أما الثاني، فقد أعلن أن العمل الذي قام به خلال الولاية التي تنتهي الآن (2011-2016) يسمح له بمواصلة عمله السياسي الإصلاحي.
ساهمت أربعة أطراف في تركيب القطبية المذكورة، طرفا الثنائية، وباقي مكوِّنات المشهد الحزبي، ثم النظام السياسي الجامع، حيث تواطأ المتواطئون، وتبع التابعون من الذين يقتنصون الفرص، ولجأ إلى الصمت والانتظار من ينتظرون الحسم الانتخابي. وفي قلب هذا المشهد ذي الملامح المُدَبَّرة، مارس من ثَمَّ من تسمت تسميتهم قطبي المعادلة المُصْطَنَعَة أدوارهم بكثير من الأقنعة وتوابل سياسية كثيرة، لا علاقة لها بمشروع الانتقال الديمقراطي ومكاسبه في المجتمع المغربي.
تُعَدُّ القطبية الثنائية التي أصبحت العنوان البارز في انتخابات يوم غدٍ إحدى علامات موقف النظام السياسي المغربي من مشهدنا الحزبي. كما تُعَدُّ، من جهةٍ أخرى، مُحَصِّلة للآثار التي تركتها الأغلبية المنقضية ولايتها اليوم، فلا يمكن الفصل بين الصُّورة الجديدة لهذه القطبية وتحوُّلات الراهن السياسي، وخصوصاً التي تبرز تربُّص أطرافه بعضها ببعض، في مجتمعٍ سياسي يعي الجميع هشاشته.
تسويق ثنائية ما نعتبره واحداً، حتى وإن اتخذ لأسبابٍ عَارضةٍ صورةَ مظهريْن، حداثي ومحافظ، يستوعب كثيراً من الكذب على الذات وعلى الآخرين، فهما معاً نتيجة حتمية لنوعية الاختراقات التي صنعت وتصنع لهما الملامح المشتركة، وتجعل خطابهما واحداً. صحيح أن أطرافاً عديدة فيهما معاً تحمل ملامح طُهرانية، تكذّبها مقتضيات التاريخ، وأن أطرافاً أخرى في قلبهما معاً أيضاً، مشدودةٌ إلى براغماتية بمواصفاتٍ مكياﭭﻴﻠﻴﺔ، إلا أن أخطر ما فيهما معاً يتمثَّل في المسعى الإقصائي الذي يروم رفع مكاسب اليسار ومكاسب التنوير، ومنطق العقل والتاريخ، من فضاء العمل السياسي في مشهدنا الحزبي.
يتمثَّل الموقف الأسلم في مشهدنا الحزبي في ضرورة رفض الأحزاب الوطنية وأحزاب اليسار
هذه الثنائية التي أصبحت بطريقةٍ قسريةٍ عنواناً لمشهدٍ يكشف جوانب متعدِّدة من صُورٍ تتقاطع فيها الاختراقات داخل طرفي معادلة القطبين، الحداثي الذي يمارس تليين الخيارات المحافِظة، ليُعلن مرونة الإسلام السياسي، ويبرز تفاعله المرحلي الإيجابي، مع بعض مكاسب الخيار الديمقراطي، والمحافِظ الذي يرافق الحداثي (الأعيان وأحزاب الإدارة) في عملية مُعاداته مشروع التقدُّم والديمقراطية. وأكبر شاهد على ما نحن بصدده لغة الحملة التي انطلقت، وبؤس الشعارات التي ترفع فيها.
يبدو لي أن طرفي القطبية يفضلان هذا الوضع، فقد تَمَّ إبرازهما بصورةٍ مكشوفةٍ، حتى أصبح الناخب لا يرى سواهما، في وقتٍ نعرف أن مشهدنا الحزبي متعدِّد ومتنوِّع، وأن لليسار المغربي، على الرغم من عِلَلِه وأعطابه العديدة، حضورا وازِنا في المجتمع المغربي وتاريخه، وذلك بفعل مقتضيات التاريخ، وبحكم أنه يحمل قيم التقدُّم والمستقبل.
انتبه مثقفون وحقوقيون وإعلاميون إلى الظاهرة موضوع هذا الرأي، فوجَّهوا رسالةً إلى حزب اليسار الاشتراكي الموحّد، وأعلنوا أنه حزبٌ يمكن أن يُشَكِّل الطريق الثالث الذي تُوكل إليه مهمة بناء بديل يساري، يُكَسِّر أوهام الثنائية القطبية الهادفة إلى محاصرة الكتلة الناخبة بين خيارين اثنين، لا أحد منهما ينشغل فعلاً لا بتحديث المجتمع، ولا بتحرير إرادة الفاعل السياسي من نمطه.
إلا أن ما يُلاحظ على الطريق الثالث، وعلى من خاطبوه باعتبار المنقذ من ويلات ثنائيةٍ، لا تعكس تضحيات عقودٍ من التطلع إلى بناء مجتمع جديد، متحرِّر من إكراهاتٍ مركّبة، هو تناسيهم معرفة الراهن في صفوف تيارات اليسار المغربي، فاليسار الاشتراكي الموحّد وفيدرالية اليسار لا يمكن فصل موقعهما السياسي عن الحركة اليسارية المغربية. إنهم جزءٌ من مسار مفتوح على مكوِّنات عديدة، عيبها الأكبر بارز كما يعرف الجميع، في التشرذم، وفي العجز البنيوي عن كسر أنماط من العمل السياسي، لم تستطع التفاعل بإيجابية مع متغيّرات مجتمع جديد.
نفترض أن الطريق الثالث اليوم وغداً هو طريق المستقبل والتقدّم والديمقراطية فعلاً، وأن مواجهة المحافظين، بمختلف أوجههم، هي الطريق المعبَّد لمسالك الطريق الثالث، طريق إعادة بناء مقوّمات اليسار المنتفض على تمزقه ولغته وأنماط حضوره، حيث تفتح دروب المستقبل، لتصنع الخيارات القادرة على تحويله فعلاً إلى قاطرةٍ للتقدّم والتنمية.

C0DB4251-3777-48D1-B7F6-C33C00C7DAEB
كمال عبد اللطيف

محاضر في جامعات ومؤسسات بحث في المغرب وخارجه، عضو في لجان جوائز ثقافية في مراكز بحث وجامعات عربية. يساهم في الكتابة والتدريس الجامعي منذ السبعينيات، من مؤلفاته "درس العروي، في الدفاع عن الحداثة والتاريخ" و"الثورات العربية، تحديات جديدة ومعارك مرتقبة".