19 سبتمبر 2022
ديالى تحت وطأة تطهير طائفي
لا يمكن لأيّ عراقي له ضميره الحي أن يسكت على الجرائم النكراء التي ترتكب اليوم في محافظة ديالى الواقعة شرقي العاصمة بغداد، والمتاخمة للحدود الوسطى مع إيران، إذ تشهد حاضرتها ومدنها سلسلة أعمال قتل متعمّد، وعنف طائفيّ على أيدي مليشيات طائفيّة متعصّبة، عرفت ببطشها وسوء أخلاقها وانعدام وطنيتها تماماً، بسبب عمالتها المفضوحة لإيران، وهي تمارس عمليّاتها بأحقادها الكريهة. والأنكى من ذلك كلّه أنها تتحّرك على مرأى ومسمع من القوات العراقية (النظاميّة)، في محاولة بائسةٍ لإفراغ المنطقة من سكانها العرب السنّة من خلال تغيير ديمغرافي واسع النطاق.
لمحافظة ديالى حدود طويلة مع إيران تقدر بـ 240 كلم، ويقطنها نحو مليون ونصف المليون، نسبة السنّة منهم بين 85 إلى 88 %، لكن هذه النسبة أخذت بالتناقص منذ العام 2003. وكانت ديالى، منذ القدم، تمتلك الخط الاستراتيجي الذي يصل بغداد مع إيران، وتعتبر المنذريّة ومندلي نقطتي حدود تفصلان البلدين، وهذا ما سهّل تحّرك المليشيات التي تستلم أوامرها من إيران منذ العام 2003. وقد أثبتت الوثائق والشواهد ما عاناه كلّ العراقيين العرب السنّة، والذين يشكلّون 65% من سكان ديالى الذين انخفضت نسبتهم اليوم لتغدو أقل من 50%، إذ استخدمت ضدهم كل عوامل الاستئصال، كالتهجير والإرهاب والقتل، مع شراء أراضيهم بأثمانٍ بخسة، ورافق ذلك تدمير زراعتهم وقطع إيران مياه الأنهر عنهم، وحرق بساتينهم، كيلا يعود أهلها إليها ثانية.. تطبيق تلك السياسات وممارسة جملة اضطهادات وتنكيل ولّد ردود فعل مضادّة لدى الناس، وقد وصلت إليها كلّ من القاعدة وداعش، ووقع الأبرياء بين مطرقة إيران وسندان الإرهاب، مع وجود مسؤولين سياسيين وإداريين من أبناء ديالى، ليس لهم وزنهم ولا قيمتهم، ولهم مصالحهم الشخصية وتحالفاتهم الحزبية، كونهم بيادق في السلطة.
ويبدو واضحاً أن السلطات العراقية، بمن فيها القوات المسلحة، تواطأت مع المليشيات في تنفيذ هذا الماراثون المجنون في حربٍ طائفيةٍ قذرة، وتدّل التقارير على أنّ ثمّة تسهيلات لتحرّك المليشيات، وقد ترسّخ ذلك التعاون على امتداد ثماني سنوات صعبة جداً من حكم نوري المالكي، وحكم خلفه حيدر العبادي، وهما اللذان يؤمنان بالسياسة نفسها، فكلّ منهما ينفّذ مرحلةً من المشروع الطائفي الذي اضطلع به نظام الحكم، ليس في تهميش السنّة العرب فقط، بل في استئصالهم باسم الإرهاب وداعش، وخصوصاً بعد أن وقعت مناطق شاسعة بأيدي داعش قبل عام ونصف العام، فكانت دعاوى محاربة تنظيم داعش تبريراً لكلّ عمليات القتل والتهجير! والمجازر التي ارتكبتها المليشيات لا تقلّ سوءاً عن ممارسات داعش الإجرامية.
وكان مركز جنيف الدولي للعدالة قد أصدر تقريراً موجّهاً للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي،
اتّهم فيه حكومة العراق بأنها شريكة في جريمة التطهير الطائفي في محافظة ديالى، وأنها عاجزة عن الحؤول بين المليشيات والسكان المدنيين. وهنا، ينبغي الدعوة إلى إجراء تحقيق دولي لكشف ملابسات الجرائم التي تحصل على مرأى الحكومة العراقية، وأن تكون الإدانة دوليّة لما يحصل في العراق من بشاعات. وأضاف تقرير المركز المذكور أن "ما تشهده محافظة ديالى من أعمال قتل وتهجير طائفي، تستهدف في الأساس العرب السنّة، إنما هو مخطّط متكامل ومترابط النتائج، ويتألف من حلقاتٍ تشارك فيها الأجهزة المرتبطة بالسلطة، ومن خلال أذرعها ووحداتها المختلفة التي تلتقي في وحدة الهدف، وفي الاتفاق على التنفيذ، سعياً إلى تنفيذ المشروع الإيراني في العراق".
لعلّ أقسى ما واجهته مدينة المقداديّة في ديالى، على مدى أسبوع، تلك الحملة الضارية الطائفيّة المسعورة التي راح ضحيتها عشرات من الناس الأبرياء في البيوت والشوارع وعلى الجسور، وحرق تسعة من مساجد أهل السنّة أو تفجيرها، وتنفيذ اعتداءات وحشيّة على الناس، لتهجيرهم من ديارهم، بموافقة ضمنيّة مفضوحة من الحكومة العراقية البائسة التي لم تستطع قواتها فعل شيء إزاء العبث التي تقترفه المليشيات الطائفية في المقداديّة، بل إن كلاً من رئيسي الحكومة والبرلمان زارا بعقوبة، ولم يزورا المقدادية، بسبب سيطرة المليشيات عليها. وهنا، وصل سخط الناس إلى أقصى مداه ضدّ هذه الحكومة وضدّ البرلمان وضدّ الجيش العراقي، لأنّ هذه المؤسّسات الثلاث لم تستطع وضع حدّ لهذه الجريمة ومرتكبيها، بل وُصف كلّ المسؤولين العراقيين بأنهم متواطئون مع الجناة، كما أن المليشيات تنفّذ أجندات مرسومة لها في عمليّات التطهير الطائفي في العراق.
لم يعد مقبولاً أبداً أن تبقى الحكومة العراقية الحالية سادرة في غيّها، والعراقيون يُقتلون ضمنَ خطّة مرسومةٍ، لها شموليتها ومنهجيتها في التطهير الطائفي الذي بات مفضوحاً، ولو بقي الضمير حيّا، لأعلن حكام العراق مسؤوليتهم المباشرة عمّا حدث، ومن دون إيجاد الأعذار والتبريرات الواهية، والادعاء بأنّ ما يجري يمثّل تنفيذ جهاتٍ خارجة على القانون، وأنّ هذه الجهات ستتم محاسبتها، أو بإلقاء المسؤولية على جماعات "إرهابية". كانت المليشيات تجوب شوارع مدينة المقدادية، وهي تطلق بواسطة مكبرّات الصوت صيحاتٍ هستيريةً، وشتائم مقذعة، وشعارات طائفيّة، تهدّد فيها المواطنين العرب السنّة، وتدفعهم إلى النزوح منها، أو منع المليشيات عودة المهجريّن إلى مواطنهم وقراهم ومدنهم وبساتينهم.
يبدو للمراقبين واضحاً أنّ التفجيرات التي تتّهم داعش بتنفيذها معدّة ضمن الخطّة المرسومة مع تدخّلات إيران السافرة، لكي تبدأ عمليّات انتقاميّة ضدّ السكان، وتبدأ سلسلة الشناعات الطائفيّة لإقصاء الناس، وزرع الرعب في كلّ المناطق التي يقطنها السنّة، ونهب دورهم السكنيّة وإحراقها، والسؤال: لماذا يتم نسف تسعة من مساجد السنّة في المقدادية؟ ويجري هذا وذاك والعالم يعيش صمتاً وعدم مبالاة.
وعليه، لا يواجه العراق خطراً واحداً تمثله داعش وحدها، بل يجابه أخطاراً أخرى، لا تقلّ
بشاعة من داعش، تمثلّها المليشيات والعصابات الطائفيّة التي تسرح وتمرح، في ظلّ حكومة فاقدة للضمير والأخلاق. وقع العراقيون السنّة بين مطرقة الدواعش وسندان مليشيات إيران، فإن كانت عصابات داعش لا تستطيع أن تحتفظ بالأرض، فلماذا تجعل الناس دروعاً بشرية، أو تتركهم لقمة سائغة بفم المليشيات المتوحّشة؟ وعلى العالم أن يدين الحكومة العراقية ورئيسها الذي يقف متفرجّاً مع رهطه على مأساة قتل العراقيين وتهجيرهم، فإما يكون متواطئاً مع تلك المليشيات، أو أنه واقع تحت سطوتهم. وفي الحالتين، هو ورهطه إزاء المساءلة والتحقيق والمحاكمة من الشعب. ينبغي على العراقيين وكل الشرفاء في العالم أن يسألوا هذه الحكومة، وكل المسؤولين العراقيين: ما حجم هذا الانتقام الجمعي؟ بأي حق يجنى على الناس، وتهان كرامتهم، وتهجّر عوائلهم، ويقتل الرجال ببرود، من دون أي تحقيق ولا أي ذنب؟ أين السلطة العراقية؟ ولماذا يستخدم المسؤولون العراقيون الطائفية القذرة، بهذا الأسلوب أو ذاك؟ وعليه، لا يمكن لمثل هذه المليشيات الوقحة المشاركة في تحرير الموصل من داعش أبداً.. أما ديالى، فلا يمكنها أن تبقى خارج إطار السيادة العراقية، ولابد من تحّرك عربي ودولي، من أجل إنقاذ ديالى من براثن إيران وعملائها. وإذا كان المجتمع العربي والدولي قد تعامى عن مصير مدن سوريةٍ مسحوقة ومستلبة، مع ناسها الذين نخرت عظامهم، فهو يتعامى اليوم عن مأساة ديالى في العراق. وعليه، يجدر أن يقف كل العراقيين الشرفاء وقفة وطنية واحدة، لإدانة ما يجري في مدنهم، وضد أهلهم، مهما اختلفت دياناتهم ومذاهبهم وأطيافهم.. العلاج الحقيقي لهذه المأساة وغيرها يتمثل بهبّة الشعب العراقي ضد نظام الحكم الحالي الذي مزّق البلاد وذبح العباد، وأفلس الخزينة، وبارك أعمال المليشيات والعصابات، ولم يتصدّ لداعش، عندما اخترقت العراق.
لمحافظة ديالى حدود طويلة مع إيران تقدر بـ 240 كلم، ويقطنها نحو مليون ونصف المليون، نسبة السنّة منهم بين 85 إلى 88 %، لكن هذه النسبة أخذت بالتناقص منذ العام 2003. وكانت ديالى، منذ القدم، تمتلك الخط الاستراتيجي الذي يصل بغداد مع إيران، وتعتبر المنذريّة ومندلي نقطتي حدود تفصلان البلدين، وهذا ما سهّل تحّرك المليشيات التي تستلم أوامرها من إيران منذ العام 2003. وقد أثبتت الوثائق والشواهد ما عاناه كلّ العراقيين العرب السنّة، والذين يشكلّون 65% من سكان ديالى الذين انخفضت نسبتهم اليوم لتغدو أقل من 50%، إذ استخدمت ضدهم كل عوامل الاستئصال، كالتهجير والإرهاب والقتل، مع شراء أراضيهم بأثمانٍ بخسة، ورافق ذلك تدمير زراعتهم وقطع إيران مياه الأنهر عنهم، وحرق بساتينهم، كيلا يعود أهلها إليها ثانية.. تطبيق تلك السياسات وممارسة جملة اضطهادات وتنكيل ولّد ردود فعل مضادّة لدى الناس، وقد وصلت إليها كلّ من القاعدة وداعش، ووقع الأبرياء بين مطرقة إيران وسندان الإرهاب، مع وجود مسؤولين سياسيين وإداريين من أبناء ديالى، ليس لهم وزنهم ولا قيمتهم، ولهم مصالحهم الشخصية وتحالفاتهم الحزبية، كونهم بيادق في السلطة.
ويبدو واضحاً أن السلطات العراقية، بمن فيها القوات المسلحة، تواطأت مع المليشيات في تنفيذ هذا الماراثون المجنون في حربٍ طائفيةٍ قذرة، وتدّل التقارير على أنّ ثمّة تسهيلات لتحرّك المليشيات، وقد ترسّخ ذلك التعاون على امتداد ثماني سنوات صعبة جداً من حكم نوري المالكي، وحكم خلفه حيدر العبادي، وهما اللذان يؤمنان بالسياسة نفسها، فكلّ منهما ينفّذ مرحلةً من المشروع الطائفي الذي اضطلع به نظام الحكم، ليس في تهميش السنّة العرب فقط، بل في استئصالهم باسم الإرهاب وداعش، وخصوصاً بعد أن وقعت مناطق شاسعة بأيدي داعش قبل عام ونصف العام، فكانت دعاوى محاربة تنظيم داعش تبريراً لكلّ عمليات القتل والتهجير! والمجازر التي ارتكبتها المليشيات لا تقلّ سوءاً عن ممارسات داعش الإجرامية.
وكان مركز جنيف الدولي للعدالة قد أصدر تقريراً موجّهاً للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي،
لعلّ أقسى ما واجهته مدينة المقداديّة في ديالى، على مدى أسبوع، تلك الحملة الضارية الطائفيّة المسعورة التي راح ضحيتها عشرات من الناس الأبرياء في البيوت والشوارع وعلى الجسور، وحرق تسعة من مساجد أهل السنّة أو تفجيرها، وتنفيذ اعتداءات وحشيّة على الناس، لتهجيرهم من ديارهم، بموافقة ضمنيّة مفضوحة من الحكومة العراقية البائسة التي لم تستطع قواتها فعل شيء إزاء العبث التي تقترفه المليشيات الطائفية في المقداديّة، بل إن كلاً من رئيسي الحكومة والبرلمان زارا بعقوبة، ولم يزورا المقدادية، بسبب سيطرة المليشيات عليها. وهنا، وصل سخط الناس إلى أقصى مداه ضدّ هذه الحكومة وضدّ البرلمان وضدّ الجيش العراقي، لأنّ هذه المؤسّسات الثلاث لم تستطع وضع حدّ لهذه الجريمة ومرتكبيها، بل وُصف كلّ المسؤولين العراقيين بأنهم متواطئون مع الجناة، كما أن المليشيات تنفّذ أجندات مرسومة لها في عمليّات التطهير الطائفي في العراق.
لم يعد مقبولاً أبداً أن تبقى الحكومة العراقية الحالية سادرة في غيّها، والعراقيون يُقتلون ضمنَ خطّة مرسومةٍ، لها شموليتها ومنهجيتها في التطهير الطائفي الذي بات مفضوحاً، ولو بقي الضمير حيّا، لأعلن حكام العراق مسؤوليتهم المباشرة عمّا حدث، ومن دون إيجاد الأعذار والتبريرات الواهية، والادعاء بأنّ ما يجري يمثّل تنفيذ جهاتٍ خارجة على القانون، وأنّ هذه الجهات ستتم محاسبتها، أو بإلقاء المسؤولية على جماعات "إرهابية". كانت المليشيات تجوب شوارع مدينة المقدادية، وهي تطلق بواسطة مكبرّات الصوت صيحاتٍ هستيريةً، وشتائم مقذعة، وشعارات طائفيّة، تهدّد فيها المواطنين العرب السنّة، وتدفعهم إلى النزوح منها، أو منع المليشيات عودة المهجريّن إلى مواطنهم وقراهم ومدنهم وبساتينهم.
يبدو للمراقبين واضحاً أنّ التفجيرات التي تتّهم داعش بتنفيذها معدّة ضمن الخطّة المرسومة مع تدخّلات إيران السافرة، لكي تبدأ عمليّات انتقاميّة ضدّ السكان، وتبدأ سلسلة الشناعات الطائفيّة لإقصاء الناس، وزرع الرعب في كلّ المناطق التي يقطنها السنّة، ونهب دورهم السكنيّة وإحراقها، والسؤال: لماذا يتم نسف تسعة من مساجد السنّة في المقدادية؟ ويجري هذا وذاك والعالم يعيش صمتاً وعدم مبالاة.
وعليه، لا يواجه العراق خطراً واحداً تمثله داعش وحدها، بل يجابه أخطاراً أخرى، لا تقلّ