بن لادن والثورات العربية

20 يناير 2016
+ الخط -
لم يكد الشهرُ الرابع من العام 2011 ينتهي حتی عمت الثورات الدول العربية ذات المواقع المفصلية بدءاً من تونس فمصر ولييبا واليمن وسورية، مؤذنة بانتهاء الحقبة الهادئة التي تلت التحرر العربي من الاستعمار الغربي، فكرياً وعسكرياً واقتصادياً، وفاتحة أبواب حقبة جديدة قد تغير النظام العالمي بأسره بعد انتهائها، ومن الطبيعي أنّ هذه الثورات، في حالتها العسكرية، ستحمل الطابع الجهادي، بالإضافة إلى طابعها الوطني، نتيجة وجود الفصائل الجهادية في أفغانستان والعراق آنذاك، وما لها من تأثير حتمي علی البلدان التي اشتعلت فيها الثورات، بحكم الرابطة الدينية المشتركة.
ما قبل ظهور تنظيم الدولة كانت جميع الفصائل الجهادية في كل البلدان مرتبطة ببيعة أسامة بن لادن، إليه يعود مركز قرار هذه الجماعات، كان نجماً عالمياً لعقدٍ، تم ترحيله عن الساحة مع بداية الثورات العربية، حيث قتل في الثاني من مايو 2011. السؤال: لماذا اختير هذا التوقيت بالضبط لاغتياله؟
لم يكن صعباً علی الولايات المتحدة اغتياله في السنوات السابقة، أو تأجيل اغتياله حتی يكون لاعباً مهماً في الساحة العربية ومؤثراً علی مستوی الصراع الناتج عن الثورات، فقد يتبادر لذهن المتابع أنّ إبقاء بن لادن علی قيد الحياة سيصبُّ في المصلحة الأميركية حسب المنظور الذي يؤيّد التواطؤ الأميركي ضد الثورات، بإقحام الجهاديين واستخدامهم مطيّة حرب من شأنها أن تعكّر صفو الحرية، وتدخل المنطقة في متاهات حروب داخلية علی أساس العرق والمذهب، وذلك كون بقاء بن لادن سيزيد من نشاط التيارات الجهادية، ويضبط حركتها، ويسهل من خلاله التلاعب بها باعتباره حلقة الوصل التي تجمع الجهاديين علی اختلاف جغرافيتهم، إلا أنّ توقيت اغتياله يحمل دلالات أعمق بالمنظور السياسي البعيد، بل كان لابد من اغتياله في ذلك التوقيت، لتنفيذ ما تسمی الفوضی الخلاقة، لعدة أسباب منها:
- ظل بن لادن في العقد الأول من الألفية الثانية مرتبطاً باسم القاعدة، وكانت المنظمة الأم لمعظم التيارات الجهادية، ولها في القاعدة بيعة وولاء، فإبقاء بن لادن سيقف عائقاً أمام انفراط عقد التيارات الجهادية وتشعب توجهاتها الراديكالية. لذلك، كان لابد من اغتياله، ليترك غيابه فضاءاً مفتوحاً لنشوء جماعات جهادية أخرى، تختلف عن القاعدة سلوكيا.
- فكرة الخلافة المتمثلة بتنظيم الدولة لم تكن لتظهر لو بقي أسامة بن لادن علی قيد الحياة، باعتبار الحجة التي اعتمد عليها التنظيم في تبرير خروجه عن منظمة القاعدة أن البيعة كانت لبن لادن، وليست لأيمن الظواهري، فبموت بن لادن يكون التنظيم قد تخلص من شبهة خلع الطاعة، والخروج علی الإمام العام، حسب المفهوم الجهادي، كما أنّه من المستحيل أن تجتمع كافة التيارات الجهادية حول فكرة التنظيم، وذلك لبقاء الظواهري كخليفة لبن لادن، وله أيضاً حجج وبراهين من شأنها أن تقنع قسماً من الجهاديين بأولوية القاعدة بالمبايعة، وجبهة النصرة أوضح مثال عن ذلك.
- بموت بن لادن غابت المفاهيم التي كانت تجمع الجهاديين حول قضايا الأمة طريقة للتعامل مع العدو وأولويات الجهاد وضوابط التكفير وضرورات القتل وطرائقه، فلم يشاهد العالم في زمن القاعدة هذا التوحش المفرط، علی الرغم من تشددها كما هو مشاهد عند تنظيم الدولة، وذلك لغياب الرادع المتمثل بالفهم الجهادي القاعدي، المأخوذ من النصوص الدينية، ففتح انكسار هذا الجدار الأفق مفتوحاً لتأويلات جديدة لآيات القتال وطرقه من التمثيل بالجثث والقتل حرقاً والقتل بالتفجير وغيرها من الأفعال التي تعتمد علی إدارة خفية للتوحش المشاهَد.
أسدل اغتيال أسامة بن لادن الستائر علی مسرح الجهاد القاعدي، لترفع بعده الستائر، كاشفة عن مسرح دموي جديد، أدخل الشعوب العربية وثوراتها في دهاليز غير واضحة النهايات، متاهات وفوضی بالفكر والعقائد تستهدف الأصل الذي بنيت عليه حضارة العرب.
4DFBF7BD-D8BB-4820-B299-86C9DB24D52C
4DFBF7BD-D8BB-4820-B299-86C9DB24D52C
فاروق شريف (سورية)
فاروق شريف (سورية)