إسلاموفوبيا تولّدُ تطرفاً أوروبيا

08 ابريل 2016
+ الخط -
نجحت العلمانية، إلى حد ما، في القضاء على دور الكنيسة في الدول الغربية، وأصبح النظام العلماني المتحكم في شؤون تلك الدول على الصعد كافة، وتحولت الكنيسة إلى محطّة روحيّة يؤمّها المتدينون، ويعرّجُ عليها العامة، لغرضٍ نفسي، فحواهُ التطهير الروحي، بعيداً عن اتخاذها مدرسةً لمنهاجِ حياة؛ إلا أنَّ تراثاً كبيراً يمتدُّ إلى أكثر من ألف سنة مرتبطٌ بالكنيسة وسلطتها لا يمكن إخماده في نفوس الناس. لذلك، يبقى أثره كامناً في نفوس العامة والقادة في خفية عن أعين العلمانية؛ وكثيراً ما يطفو هذا الأثر على سطح السلطة؛ فضلاً على أنّ الدور الروحي للبابا في روما ينتقل، أحياناً، إلى دورٍ عملي، يخوض في المجالات كافة، ومنها السياسة.
بعد أحداث "11سبتمبر" في الولايات المتحدة العام 2011، وما تلاه من غزو أفغانستان والعراق، انتشر التطرف الإسلامي في العالم، وأخذت مصطلحات الإرهاب والإسلاموفوبيا تسيطر على الإعلام العالمي، فبدأت الأبحاث والدراسات تناقش موضوع التطرف الإسلامي إلى أن بلغ الأمر ذروته بعد الربيع العربي وظهور داعش، وما تلاه من تفجيراتٍ استهدفت الدول الأوروبية، ما أدى إلى نشوء ردود أفعالٍ شعبية في المجتمع الغربي ضد الأصولية الإسلامية، وبعضها تعدّت الأصولية لتستهدف الإسلام عموماً، إضافة إلى تشكّل جماعاتٍ أصوليةٍ مسيحيةٍ، كردّ فعل على الأصولية الإسلامية.
بكلّ الأحوال، إنّ مجرّد التفكير بالأصولية المسيحية عند المجتمع الغربي، وحكوماته، يشكّل رهاباً لدى الغرب، مفكرين وساسة وعواماً، ويعيد إليهم ذكرى المآسي في عصر ما قبل النهضة، ويبعثُ القلق على شكل الدولة المدنية الحديثة التي عانت الأمرّين في مرحلة التمرّد على الكنيسة، حتى وصلت إلى هذا الشكل. لكن، من يضمن للمجتمع الغربي عدم استفحال ظاهرة التطرّف المسيحي في حال انتقلت من التصريحات الفردية من قبل بعض الأصوليين إلى الوسط العام بفعل تنامي البحث الديني على المستوى الشعبي، والذي يوّلده ويساهمُ في تأجيجه مصطلح الإسلاموفوبيا نفسه، خصوصاً أنْ لا وجود لمناعة مطلقة للنفس البشرية أمام الفكر، مهما كان نوعهُ، فإنْ يكن الغرب هذه الأيام يسعى إلى مواجهة التطرف الإسلامي في جغرافيته فقط، فمن سيحميه لو انتشر التطرّف المسيحي، نتيجة الأسباب السابقة، وما هو مصير الحداثة والمدنية، فيما لو اكتسحت الوسط الشعبي أصولية مسيحية؟
السياسات الغربية تجاه بلدان الربيع العربي في التعاطي مع مطالب الشعوب في الحرية، ووضعها بين خيار الاستبداد أو الإرهاب لن تؤدي إلى القضاء على الإرهاب، بل تزيد من تناميه على كل الصعد، ما يؤدّي إلى ازدياد ردود الأفعال الشعبية الغربية ضد التطرّف الإسلامي. ولكنْ، بطريقة البحث عن الأصول العقائدية في الإسلام والمسيحية، ونبش التراث وتقليب صفحات التاريخ، في ظل الانفتاح الفكري، وتغيّر طرق التأثّر الثقافي، نتيجة انتشار مواقع التواصل وشموليتها كل فئات المجتمع، وكما أنّ التطرف الإسلامي أول ما يقوّضه ويهدد وجوده هو المجتمع المسلم نفسه، فإنّ التطرف المسيحي أوّل ما يقوضه هو المجتمع الغربي، وشكل دولته الحديثة، وللشعوب عموماً تجارب في صراعها مع راديكالياتها، ويبقى الخلاص الوحيد في سعي العالم إلى إسقاط الاستبداد، ورفع الظلم عن الشعوب الثائرة، ومساعدتها في بناء الدولة الحديثة، بدلاً من شقّ بطون الكتب، بدعوى القضاء على الإرهاب.
4DFBF7BD-D8BB-4820-B299-86C9DB24D52C
4DFBF7BD-D8BB-4820-B299-86C9DB24D52C
فاروق شريف (سورية)
فاروق شريف (سورية)