هنيئاً لتركيا وتَعساً لنا

10 يونيو 2015

مناصرو العدالة والتنمية يحتفلون بنتائج الانتخابات (8يونيو/2015/الأناضول)

+ الخط -
بعيوننا العربية، نرى الأمور كما لا يراها أحد في العالمين. ومن أمثلة ذلك، قراءتنا كعرب، نتائج الانتخابات التركية التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى، للمرة الرابعة على التوالي، مع فقدانه الأغلبية البرلمانية التي كان يتمتع بها. 
كالعادة، فسّرنا ما جرى وفقا لأهوائنا السياسية. فبعض أنصار الحركات الإسلامية، كجماعة الإخوان المسلمين، من محبي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أُصيبوا بالصدمة، بل بالزلزلة، وشعروا وكأنها نهاية الكون، وانتشرت على الفور بعض "البكائيات"، على مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أن ثورات الربيع العربي باتت في خطر، بعد أن فقدت حاضنها.
أما التيار المناوئ للثورات العربية، فقد احتفل بالنتائج، مظهراً شماتة واضحة بأردوغان، وحفلت صحفه بـ "مانشيتات"، من قبيل: "تراجع انتخابي، وهزيمة كبرى لأردوغان"، و"تركيا تهزّ عرش السلطان". والطريف أن بعض "الجهاديين"، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ذهبوا إلى أن "عدم تحكيم أردوغان للشريعة" سبب هزيمته (حسب وصفهم)، كما نقل عنهم بعض النشطاء.
الاهتمام العربي بنتائج الانتخابات التركية مُبرّر، ولا نستطيع أن نُنكر على الناس والأنظمة والأحزاب هذا الاهتمام، لكننا ننسى، أو نتجاهل أمراً مفصلياً مهماً، وهو أن تركيا دولة ديمقراطية مؤسساتية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وبالتالي، لا نستطيع أن نُسقط واقعنا العربي الرديء عليها.
ماذا يعني هذا؟
إنه يعني أنه لو افترضنا جدلا أن أردوغان (الفائز حقيقة) خسر في الانتخابات، وحصل على المركز الثاني أو الثالث، فإن هذا لا يعني شيئاً بالنسبة لحزبٍ يعيش في دولة ديمقراطية. إنه يعني بكل بساطة، أنه سينتقل إلى صفوف المعارضة عدة سنوات، استعدادا لجولة جديدة من الانتخابات، وقد يعود إلى الحكم مجددا مرة أخرى.
إنه يعني أن خسارته، إن حصلت، والتي يتمناها بعضهم، ويخشى منها آخرون، لا تعني أن تركيا ستذهب إلى حرب أهلية، ولا تعني أن أردوغان سيُساق إلى السجن، وأن أنصاره سيعلّقون على أعواد المشانق.
إنْ خسر حزب الحرية والعدالة الانتخابات، فإنه (شاء أو أبى) لن يكابر، ولن يطالب الجيش بالسيطرة على الحكم، ولن يستقوي بالخارج، ولن ينزل بأنصاره للاحتجاج في الشوارع والميادين، بل إنه سيُقر بهزيمته، وسيُقدم التهنئة للحزب الفائز، وسيبدأ في تدريب أعضائه على لعب دور الحزب المعارض.
تجاوزت تركيا مرحلة المراهقة السياسية، منذ زمن، وترسخت قواعد اللعبة الديمقراطية فيها، وأصبح الشعب بوعيه، هو الضامن لاستمرار هذا النمط الصحي والسليم، من الحياة السياسية.
قد يقول بعضهم إن النتائج الحالية ستقود تركيا إلى وضع صعب، من حيث عدم الاستقرار السياسي، والذي ستلحقه خسائر اقتصادية، رأينا بعض مؤشراتها، كانخفاض سعر العملة، وهبوط الأسهم.
هذا صحيح، لكنه أمر مؤقت، والأتراك بحكم خبرتهم السياسية، قادرون على تجاوز هذه المرحلة، لأنهم ببساطة لن يقبلوا العودة إلى الخلف، والتنازل عن الإنجازات العظيمة التي حققوها الفترة الماضية، ولن يتنازلوا عن أحلامهم بتحويل بلدهم إلى قوة عظمى.
قد نكون، نحن العرب، معذورون في نظرتنا المتطرفة، لما جرى في تركيا، لأننا ببساطة لا نعرف شيئا اسمه "التداول السلمي للسلطة"، والذي يشترط التعددية الحزبية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وحكم الأغلبية في ظل احترام الأقلية.
إننا لا نعرف سوى الحكم الشمولي والاستبدادي، الذي لا يؤمن بحق الشعوب في تقرير مصيرها، ولا يحترم إرادتها، ولا يعرف عن "الانتخابات" سوى أنها أداة "تجميل" للنظام، ومسوّغ لبقاء الحاكم رابضا على صدر شعبه، إلى الأبد.
وعليه، فإننا، كمحبين أو كارهين لأردوغان، اعتقدنا أنها النهاية، فبكى بعضنا وفرح بعضنا الآخر.
تركيا شهدت عرسا ديمقراطيا رائعا، وحُقّ لها أن تفخر بذلك، فهنيئا لها، وتعسا لنا.
EE1D3290-7345-4F9B-AA93-6D99CB8315DD
ياسر البنا

كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في قطاع غزة