ناقوس حرب رابعة على غزة

05 فبراير 2016
+ الخط -
كان للحادث الذي قضى فيه سبعة من عناصر كتائب عز الدين القسام، داخل نفق شرق مدينة غزة، نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، ما بعده، فلقد أثار مخاوف كبيرة لدى سكان القطاع، من احتمال شن إسرائيل حربها الرابعة ضدهم. فالقادة الإسرائيليون، بالإضافة إلى الصحافة العبرية، لا يتوقفون عن توعّد حركة حماس، وقطاع غزة، بسبب الأنفاق، فيما رد قادة من حماس بالاعتراف فعلياً بـ"ضخامة" شبكة الأنفاق التي تم بناؤها تحت الأرض، حيث قال زعيم الحركة في القطاع، إسماعيل هنية، في خطابٍ له، إن القسام حفر شبكة أنفاق أكبر من التي تم إنشاؤها في فيتنام.
تلقفت إسرائيل خبر مقتل عناصر القسام، وتصريحات قادة حماس، وبدأت في "إبراز" خطر الأنفاق التي يعتقدون أنها عبرت الحدود، ووصلت إلى تحت منازل المستوطنين الذين يقيمون فيما يعرف بـ"غلاف غزة". وكانت أحدث التصريحات الإسرائيلية لمنسق الشؤون الاسرائيلية في الضفة وغزة، يؤاف بولي مردخاي، الذي قال إن الأنفاق التي تحفرها حماس على الحدود مع إسرائيل تجلب الموت والدمار لقطاع غزة والسكان، لكنها لا تشكل خطراً استراتيجياً على إسرائيل. ويحمل هذا الكلام تهديداً مبطناً لحماس.
وأعلن أكثر من ضابط ومسؤول إسرائيلي، في تصريحات نشرتها الصحف الإسرائيلية، أن "حماس" نجحت في ترميم منظومة الأنفاق، وقامت بالتسلح من جديد وأقامت القواعد العسكرية، مشيرين إلى أن المواجهة معها مسألة وقت لا غير.
ورأى مراقبون أن طبيعة التغطية الإخبارية للصحافة الإسرائيلية لقضية الأنفاق تهيئ الشارع الإسرائيلي لقبول إمكانية اندلاع الحرب، حيث ركّزوا على مخاوف مستوطني ما يعرف بـ"غلاف غزة"، وادعاءاتهم بأنهم يسمعون أصوات حفر مقاتلي حماس أسفل منازلهم.
فهل تقترب الحرب الرابعة على غزة، من الاندلاع فعلياً، بالنظر إلى تصريحات قادة إسرائيل وحماس؟ الظروف غير مواتية لاندلاع حرب، على الرغم من كل التصعيد الحاصل، فإسرائيل في وضعٍ لا يسمح لها بالتفكير في شن حرب في هذا التوقيت، على الرغم من أنها تؤمن بضرورة اقتلاع حركة حماس من الحكم في غزة، نظراً لكونه خطراً استراتيجياً بعيد المدى. وربما لا ترغب إسرائيل في خوض المواجهة حالياً لأسباب عديدة، أهمها:
لم تكن نتائج الحرب في صيف 2014 إيجابية، حيث اعترف قادةٌ إسرائيليون بأن إسرائيل لم
تربح الجولة، وقالوا إن حماس انتصرت. ولا توجد دلائل أو مؤشرات على إمكانية هزيمة تنظيمٍ "يعتمد حرب العصابات"، وذي خلفية عقائدية، ولديه مئات، وربما آلاف من المقاتلين المستعدين للموت، والإثخان في العدو. وفي المقابل، بات الجيش الإسرائيلي يخوض حروبه، على طريقة ألعاب الحاسوب، حيث يعتمد، بشكل شبه كامل، على التكنولوجيا، ويفتقد جنوده تماماً الاستعداد للتضحية.
- ستجعل الهبة الشعبية، المندلعة حالياً في الضفة الغربية، إسرائيل تفكر ألف مرة قبل الإقدام على خوض حرب على غزة، نظراً لتداخل مناطق الضفة (بما فيها القدس) مع إسرائيل. وبالتالي، ستزداد العمليات الهجومية، وستتحول الهبة إلى انتفاضة حقيقية، تهدد الأمن الإسرائيلي بشكل خطير.
- تتداخل المصالح الحزبية في إسرائيل، مع المصالح العامة، فرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي يترأس ائتلافاً حكومياً هشاً للغاية، وفي حال تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية (وهو أمر متوقع في حال اندلاع حرب مع حركة حماس التي تمتلك صواريخ تطاول غالبية المدن الإسرائيلية)، فإن فقدان نتنياهو الحكم أمر وارد للغاية.
أما حركة حماس، فلا تبدو راغبة في خوض مواجهة مع إسرائيل، للأسباب التالية:
- على افتراض، أن حماس واثقة من إمكانية تحقيق "نجاح عسكري"، في وجه إسرائيل، فإنها غير قادرة أبداً على استثماره سياسياً، وهذا ما حصل في الحرب الماضية، فلقد صمدت الحركة، وأوجعت إسرائيل بعمليات عسكرية عديدة ناجحة، لكنها لم تكن قادرة على الاستفادة من هذه النجاحات، ولم تستطع حتى الآن، إجبار إسرائيل على الالتزام بما تم التوصل إليه من تفاهمات "التهدئة".
- الوضع الإقليمي المشتعل والمأزوم، لا يخدم "حماس" مطلقاً، ولن يكون في صالح قطاع غزة، فالجبهات المشتعلة في بؤر التوتر المحيطة ستشتت الانتباه عما قد يتعرض له القطاع، وسيضعف الاهتمام بالمأساة الإنسانية التي قد تحصل.
- الوضع المعيشي المنهار في القطاع لا يحتمل مزيداً من التردي، فعشرات الآلاف لم يتمكنوا، حتى الساعة، من إعادة بناء منازلهم المهدمة، فيما تعاني الخدمات العامة من ضعف وترهل كبيرين، فالكهرباء شبه مقطوعة، ويعاني قرابة نصف السكان من البطالة، والفقر المدقع.
وعليه، سيضعف خوض معركة عسكرية، في هذه الظروف، "الحاضنة" الشعبية للمقاومة الفلسطينية بلا شك. وعليه أيضاً، فإن حماس، على الرغم من أنها ليست الطرف الذي سيبدأ المواجهة، لكنها قادرة بعدة أشكال على منع حدوثها. وعلى الرغم من الفرضيات السابقة، تظل إمكانية حدوث مواجهات قصيرة، ومحسوبة بدقة، أمراً متوقعاً، في حال حدوث مستجدات ميدانية على الأرض.

EE1D3290-7345-4F9B-AA93-6D99CB8315DD
ياسر البنا

كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في قطاع غزة