ما لا يدركه أبو الفتوح

22 يونيو 2015

عبد المنعم أبو الفتوح.. غادر الساحة مبكراً مؤثراً السلامة

+ الخط -
قبل أيام، خرج الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب مصر القوية والمرشح الرئاسي السابق، بمقال أشبه ببرنامج انتخابي، تضمّن ما وصفه بتصور للخروج من الأزمة، إضافة إلى اقتراحات مستقبلية. ولم يوضح الرجل لماذا يطرح رؤيته الآن، والآن تحديداً. لكن، ما لا يحتاج إلى توضيح أو تنويه أن المضمون الذي طرحه متأخر للغاية، بل بعد أوانه بزمن. إنه يتحدث عن تفويض صلاحيات الرئاسة لرئيس الحكومة، وتشكيل حكومة كفاءات تشرف على انتخابات رئاسية مبكرة، وإفراج عن المعتقلين، وغير ذلك من مطالب تبدو رومانسية في واقع شديد السواد. نسي أبو الفتوح أن قائمة مطالب (30 يونيو) من الرئيس محمد مرسي اقتصرت على أحد أمرين: استفتاء على رئاسته، أو انتخابات رئاسية مبكرة. وكلاهما كان يُفترض أن يتم في ظل رئاسة مرسي. وحتى بعد إطاحته، كان من الممكن تلبية أحد المطلبين، لو أن شركاء (30 يونيو) تمسكوا بموقفهم ومطلبهم الذي أسقطوا مرسي من أجله. 
غير أن أبو الفتوح قبل، مثل غيره، بخطة مغايرة تقضي بإجراء انتخابات برلمانية. ثم للمرة الثانية يقبل تغيير الوجهة نحو انتخابات رئاسية، رفض، مُحقاً، المشاركة فيها لغياب الحد الأدنى من ضمانات نزاهة الإجراءات وحياد المؤسسات. ومنذ ذلك الوقت، وكل الخطوات والسياسات المتبعة تؤكد أن من أطاح آلية الاختيار الشعبي لن يسمح بها مجدداً، ففاقد الشيء لا يعطيه، ومعدوم الشرعية لن يخوض اختبارها.
الغريب أن أبو الفتوح يطرح اقتراحاته أو مطالبه، وكأن السلطة القائمة تقف بانتظار أفكار واقتراحاتٍ تتخلى بموجبها عن الحكم. وهو افتراض لا أساس له من الواقع، ولا مبرر له من المنطق، ويعكس سوء إدراك لجوهر الأزمة الحالية في مصر. فالمشكلة ليست عبد الفتاح السيسي بشخصه فقط. وإنما قبل ذلك في كونه واجهة وممثلاً للمؤسسة الأقوى التي ازداد رجالها انتشاراً وتغلغلاً وسيطرةً على معظم المستويات القيادية في مختلف مؤسسات إدارة الدولة، وليس أجهزة الحكم المباشر فقط. فاختزال المشكلة في شخص السيسي تبسيط مخل، يجعل اقتراحات أبو الفتوح أشبه بالحرث في الماء، حتى بافتراض تنفيذها، وهو أمر بذاته أصبح أقرب إلى المستحيل. حيث لا حشد شعبياً ناقم على السلطة ويرفض استمرارها، ولا قوى سياسية فاعلة ومتفاهمة معاً، فتشكل قوة ضاغطة على السلطة، وتطرح بديلاً مقبولاً داخلياً وخارجياً. بل إن تحالف (30 يونيو) التي اتخذته المؤسسة حصان طروادة للوصول إلى السلطة انهار كلية، وخرج شركاؤه تباعاً من المشهد طوعاً أو كرهاً، بعد انتهاء مهمتهم التي استدعوا من أجلها.
ربما ظن أبو الفتوح أن في وسعه ملء هذا الفراغ، لكنه نسي، أو تناسى، أنه غادر الساحة مبكراً مؤثراً السلامة، فلم يتخذ موقفاً يميزه عن غيره، ولم يطرح نفسه زعيماً سياسياً حقيقياً يبني ويقود تياراً يرفض الانقلاب على تحالف (30 يونيو) وتفكيكه. وهو الذي كان يرى نفسه قادراً على قيادة الدولة.
ومن سوء حظه أن آخرين من رموز ومؤيدي (30 يونيو) صححوا موقفهم، وأبدوا ندماً على المشاركة في ذلك اليوم، وما تلاه. منهم من كان صريحاً مباشراً، فوصف ما جرى في (3 يوليو) بأنه انقلاب عسكري متكامل الأركان، ومنهم من يتجنب الصدام، فيعتبر أن مصر حالياً تتجه بعيداً عن مسار (30 يونيو). يقدّم بعضهم النصح ويأمل في التصحيح، وآخرون أكثر تشاؤماً، أو ربما إدراكاً، فامتنع عن نصح من لا ينتصح، لكن أياً من أولئك أو هؤلاء تعامل مع الوضع السوداوي الراهن بطرح أفكار رومانسية غير قابلة للتطبيق، ولا للتصديق.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.