رد: خورشيد دلي وأكراد سورية.. الموضوعية يا صاحبي

26 يناير 2015

سورية كردية لاجئة في مخيم في تركيا (8 نوفمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -
عرض الصديق خورشيد دلي في مقالة "أكراد سورية ... جدل الخيارات وهاجس المصير" (قضايا، العربي الجديد 16/1/2015) واقع أكراد سورية السياسي، في أبعاده المحلية والإقليمية، مبرزا تباينات الأحزاب السياسية الكردية وخلافاتها البينية وتداخلاتها الكردستانية، في ضوء الموقف من الإدارة الذاتية التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي، وعدم الثقة بين الكرد والنظام والمعارضة السورييْن، وتوقّع بروز كيان سياسي كردي في سوريه شبيه بالكردي العراقي، وختم بالدعوة إلى "الانفتاح والإيجابية والممارسة العقلانية، بعيداً عن التصورات المسبقة".

لكن، وعلى الرغم من اعتماد خورشيد منهجية العرض أكثر من التحليل والتقويم، فإنه لم يكن حيادياً في عرضه، حيث وقع في محظور العرض الناقص للمواقف، والذي سيؤثر في صورة القوى وصدقيتها، ويدفع إلى ترجيح وجهة نظر محددة، ربما سعى إلى ترويجها، ما أضعف موضوعيته وصدقية عرضه.


بتر السياقات..
في عرضه للحراك السياسي الكردي في سورية، ربط بين تأسيس أول حزب كردي (الحزب الديمقراطي الكردستاني) بممارسات دولة الوحدة وإجراءاتها ضد الكرد، وصور العملية وكأنها رد على هذه الإجراءات. وهو قول غير دقيق تاريخياً، حيث إن تأسيس الحزب العتيد (1957) تم قبل قيام الجمهورية العربية المتحدة (22/2/1958)، ونسب إلى دولة الوحدة (مع مصر) إجراءات لم تحصل خلال فترة قيامها (1958–1961)، مثل الإحصاء الاستثنائي الذي تم يوم (5/10/1962) أيام الانفصال (وقع الانفصال يوم 28/9/1961).

وربط بين تصعيد المطالب القومية الكردية وما أسماه "تفجر الأحداث في سورية" (كان لافتاً تجنب الكاتب استخدام تعبير ثورة سورية، وصفا لما حصل، حيث استخدم تعابير عديدة مثل "حركة الاحتجاجات" و "تفجر الأحداث" و "شرارة الأحداث" و "الأزمة"، ولم يستخدم تعبير ثورة ولا مرة) قال:" قبل تفجر الأحداث في سورية، كانت مطالب الحركة الكردية تتلخص في إطارين أو اتجاهين: مطالب عامة، تتعلق بتحقيق الحرية والديمقراطية والتعددية على مستوى البلاد. والمطالبة بحقوق ثقافية وسياسية، تتعلق بخصوصية الهوية القومية للأكراد.

وهو قول غير دقيق، حيث إن نضال الأحزاب الكردية السورية لم ينظر إلى قضية الحرية والديمقراطية في سورية باعتبارها هدفاً كردياً، وكانت مطالبه محصورة بالحقوق الكردية دون سواها، مثّلت قضية المحرومين من الجنسية ذروتها، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، منها مثلاً مداخلات قادة الأحزاب الكردية وأعضائها في ندوات منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي، ومداخلات قادتها في أربع أمسيات نظمها المنتدى عام 2004 في منزل طارق أبو الحُسن في المزة، خصوصاً لمناقشة الملف الكردي بحضور ممثلين عن النظام، حيث لم تطرح إلا قضية المحرومين من الجنسية (تختلف الأحزاب الكردية في التعبير عن طلبها هذا بين من يراه إعادة الجنسية التي سحبت ظلماً ومن يراه منحاً للجنسية، لاعتبار الحق المكتسب بطول الإقامة)، ناهيك عن العريضة التي قدمها الوفد الكردي الذي دخل مع معارضين عرب إلى مقر رئاسة الوزارة عام 2004 في أثناء الاعتصام المشترك في ذكرى الإحصاء المشؤوم. وأما ما قاله: "فقبل بدء شرارة الأحداث من درعا جنوب سورية، لم يكن في وسع الأكراد الحديث علناً عن حقوقهم القومية، أو رفع علم يرمز إلى هويتهم القومية، أو أحزابهم، أو حتى التعلم بلغتهم ...إلخ". فهو الآخر غير دقيق، فالمطالبة بحقوق قومية لم تكن بعيدة عن نضال الأحزاب الكردية، كما ذهب خورشيد، فقد سبق وطالبت بذلك، وخصوصاً حزب الوحدة اليكتي، الذي طالب بـ "حكم ذاتي" تارة وبـ "الفدرالية" أخرى، وثمة وقائع لافتة، في هذا الخصوص، فخلال التحضير لمؤتمر المجلس الوطني لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي عام 2007، وصل وفد من ثلاثة أحزاب كردية (تيار المستقبل واليساري الكردي/خير الدين مراد والوحدة/حسن صالح) إلى دمشق، وطلب الاجتماع إلى القيادة المؤقتة للإعلان، وتقدم في الاجتماع بثلاثة مطالب، إذا قبلها الإعلان، فإن هذه الأحزاب ستنضم إليه، وهي: الاعتراف بالقضية الكردية قضية شعب وأرض، والاعتراف بالقومية الكردية ثاني قومية في البلاد، وتبني النظام العلماني. ولما اعتذر الإعلان عن تلبية المطالب، انتهى الاجتماع من دون اتفاق. وكان الشهيد مشعل تمو قد تحدث عن تبادل أراضي بين العرب والكرد، من أجل إيجاد كيان كردي خالص ومنسجم.

عن تبادلية غياب الثقة

وقد كرر الكاتب الحديث عن غياب الثقة بين أكراد سورية والنظام والمعارضة (هنا يجب التحفظ على اعتبار المعارضة واحدة وموحدة، وموقفها من القضية الكردية متفق عليه. فالواقع، هناك معارضات متعددة المنطلقات، متباينة المواقف في قضايا كثيرة، بما فيها القضية الكردية، بين حزب العمل الشيوعي الذي تبنى في برنامجه السياسي حق تقرير المصير للكرد و"إعلان دمشق" الذي تبنى حلاً ديمقراطياً على أساس المواطنة المتساوية، شاركت سبعة أحزاب كردية في صياغة هذا الموقف، وأحزاب قومية عربية ترفض الاعتراف بأية خصوصية غير عربية في سورية). وأبرز أسباب غياب ثقة الكرد بالنظام والمعارضة، من دون أن يأتي على أسباب غياب ثقة المعارضة السورية بالأحزاب الكردية، وهي كثيرة، فبالإضافة إلى التحالف والتنسيق بين الأحزاب الكردية والنظام، طوال عقد ثمانينيات القرن الماضي، بذريعة التصدي المشترك لنظام صدام حسين، وعدم اهتمامها بالشأن السوري العام، وحصر نضالها بالقضية الكردية، هناك سبب سلوكي يتمثل بالأسلوب الاستفزازي في المطالبة، وعدم التحرك وفق منطق سياسي قائم على المعايشة، ونسج المشتركات والتشبيك للوصول إلى حالة قبول وتفاهم وانسجام، والاتفاق على تصورات لحل القضايا الخلافية. ففي ندوة حوارية، عقدت في وادي المشاريع، جمعت كوادر من المعارضة، بينها كاتب هذه السطور، وقيادة الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي/عبدالحميد درويش عام 2000 (كان الاتفاق أن تتم دعوة أكبر عدد من الأحزاب الكردية، لكن الحزب المذكور الذي جرى الاتفاق معه لم يدع إلا حزبه ومناصريه من خارج الحزب)، دعا كاتب هذه السطور إلى التعاطي المرن والإيجابي وعدم قطع الروابط المشتركة التي صاغها التاريخ بين الشعبين، وضرب مثلاً عن تبني الأحرف اللاتينية في الكتابة الكردية، مع أن للكرد، قرونا طويلة وهم يستخدمون الحرف العربي، من دون إشكال، ناهيك عن كونه الحرف الذي كتب فيه كتاب الإسلام: القرآن الكريم، وهو المشترك الثاني الذي يجب الحفاظ عليه، فجاء الرد رافضاً وحاداً، مع تلميح إلى استعمار عربي ودور الإسلام في تبرير ذلك وقهر الكرد.

واقعة أخرى ذات دلالة، فقد لعب كاتب هذه السطور دوراً في التقريب بين المعارضة العربية والأحزاب الكردية، وجمع الفريقين مرات عديدة للتعارف والحوار، لكن اللقاءات كانت تنتهي بجدل حاد وقطيعة، ففي لقاء جمع به ميشيل كيلو وقيادي من عين العرب/كوباني، تحدث الأخير عن تكريد حي الأشرفية في حلب. وكان القيادي نفسه استفزازياً في لقاء جمعه فيه مع حسن عبدالعظيم، وآخرها موقف المجلس الوطني الكردي الذي قرر تجميد تحالفات أحزابه مع المعارضة العربية، والتفاوض على شروط بقائه فيها، حيث طلب الاعتراف الدستوري بالكرد، ثاني قومية في البلاد وحق تقرير المصير .. إلخ.

استدعاء تحالفات الزمن الماضي
تبقى النقطة الأخيرة التي جانب صديقنا خورشيد دلي الصواب في عرضه لها، وهي سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على المناطق الكردية، وإعلانه الإدارة الذاتية فيها في مقابل ضعف الأحزاب الكردية، من دون أن يلتفت إلى تاريخ العلاقات بين النظام وحزب العمال الكردستاني، الحزب الأم بالنسبة لحزب الاتحاد، ففي ثمانينات القرن الماضي، نشأ تحالف بين النظام السوري وحزب العمال الكردستاني التركي، بقيادة عبد الله أوجلان، سمح النظام للحزب بإقامة بنية سياسية وتنظيمية وإعلامية على الأرض السورية، والتحرك بحرية في الأوساط الكردية السورية، بلغت حد تسمية مندوبين رسميين في الأحياء، في المدن والبلدات والقرى السورية، والسماح لهؤلاء المندوبين بتجنيد الشباب الكردي السوري، واستخدام الترهيب والترغيب في تحقيق ذلك، وإرسالهم للقتال في صفوف قوات الحزب في تركيا، بعد تلقيهم دورة تدريبية في البقاع اللبناني، حيث سُمح له بإقامة معسكرات تدريب هناك. ولعب هؤلاء المندوبون دوراً أساسيا، سياسياً وإعلامياً، حيث كان لدى المندوب إمكانات تقنية (ناشر)، تمكّنه من التقاط وإعادة بث برامج قناة ميديا التابعة للحزب، بحيث يستطيع سكان القرى الفقراء التقاطها بتوجيه لواقطهم العادية باتجاه بيت المندوب، ومتابعة برامج قناة ناطقة بالكردية، من السادسة مساءً إلى منتصف الليل يوميا. وقد قاد ذلك إلى استقطاب المواطنين الكرد وتشكيل فكرهم السياسي.

وبعد اعتقال عبد الله أوجلان، وإعلان الهدنة مع تركيا، عاد آلاف الكرد السوريين من ساحة القتال في تركيا، وأسسوا حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري، وهذا أعطاه حجماً وتميزاً عن بقية الأحزاب الكردية السورية: قاعدة كبيرة وخبرات عسكرية، ظهرت القوة والخبرة العسكرية بتشكيل قوات حماية الشعب، أخيراً، والتي بسطت سيطرتها على المدن والبلدات الكردية، والذي أخذ مكان الحزب الأم في العلاقة مع النظام، وتابع التعاون والتنسيق معه، وخصوصاً بعد انفجار ثورة الحرية والكرامة، ومنعه التظاهرات المؤيدة للثورة السورية في المناطق الكردية، وملاحقة معارضي النظام باغتيالهم، أو اعتقالهم وتسليمهم إلى أجهزة المخابرات، والاعتداء على القرى العربية، ودفع المواطنين العرب إلى النزوح، واستدراج رد فعل عربي، لدفع الكرد إلى النزوح، كما حصل، أخيراً، في مدينة الحسكة، وإيجاد أجواء من العداء والكراهية بين الجانبين، العربي والكردي. ناهيك عن قبول خورشيد اعتراض الكرد (لم يقل الحزب الاتحاد) على هجوم كتائب عسكرية معارضة على مناطق الكرد، من دون تعمق في فهم الخطوة باعتبارها تصرفاً منطقياً في إطار صراع مشاريع عقائدية وسياسية على مستقبل سورية.

في الختام، لا يحتاج النضال الكردي من أجل الحقوق والمصالح إلى تبرير أو سند من ممارسات الأنظمة، فهو أمر منطقي وطبيعي، لكن ما يحتاج إلى تدبّر وتفّكر هو طبيعة النضال وأساليبه، بحيث لا يؤسس لعداوة عميقة، ويفتح جراحاً لن تندمل بسهولة، ويترك المنطقة على شفا بركان. وما ختم به خورشيد مقاله "الانفتاح والإيجابية والممارسة العقلانية، بعيداً عن التصورات المسبقة" ضرورة وطنية وقومية لكل شعوب المنطقة.