يساريو الأردن... البحث عن موطئ قدم
يومان فقط يفصلان الأردنيين عن صناديق الاقتراع، وتبدو المنافسة قويةً بين حزب جبهة العمل الإسلامي (الممثل الأبرز في المعارضة السياسية) والأحزاب الجديدة، بخاصة الميثاق وإرادة والوطني الإسلامي وتقدّم، بينما تحاول أحزاب اليسار أن تضع لها، ولو موطئ قدم ضمن معادلة المشهد الحزبي، وأن تحظى بأي مقعد عبر القائمة الوطنية الحزبية النسبية، إذ ستتوزّع الأحزاب التي تتجاوز العتبة الانتخابية على 41 مقعداً.
يخوض اليساريون الانتخابات الحالية عبر ثلاثة أطراف رئيسية، بعد أن فشلت عملية توحيد الحزب الشيوعي بالأحزاب العقائدية اليسارية والقومية الأخرى، بسبب الاختلاف على القائمة الحزبية، فاكتفى الحزب الشيوعي بنفسه، وبقائمة وطنية باسم "طريقنا"، فيما تجمّعت أحزاب حشد وحصاد والبعث الاشتراكي في قائمة نهوض، واستنكف حزب الوحدة الشعبية ذو اللون اليساري العقائدي عن المشاركة على صعيد القائمة الوطنية.
على الطرف المقابل، يتمثل اللون الحزبي الجديد بأحزاب يسار الوسط، والحديث هنا عن ثلاثة أحزاب رئيسية: الأول وهو الأقدم والأعرق، الديمقراطي الاجتماعي (تأسس قبل نحو ثمانية أعوام)، الذي لديه همزات صلة فكرية بالأحزاب اليسارية الجديدة في أوروبا، والحزب الجديد، التنمية والتحديث الذي اندمج بالحزب الديمقراطي الاجتماعي، وتختلف بنيته التكوينية بصورة كبيرة عن الأول، إذ إن أفراد "التنمية والتحديث" غالباً ينتمون إلى التيار الليبرالي الاجتماعي، بينما أغلب أعضاء "الديمقراطي الاجتماعي" من الذين خرجوا من تجارب اليسار الأيديولوجي. وعلى كل حال، يبدو أنّ مفاهيم الديمقراطية الاجتماعية ومبادئ جون رولز تمكّنت من إيجاد أرضية مشتركة بين هذين التيارين الرئيسين.
دخل "الديمقراطي الاجتماعي" (بعد اتحاده مع "التنمية والتحديث") في تحالف مع الحزب المدني الديمقراطي، الذي كان هو الآخر يمثّل أفراداً كانوا ضمن حزب التحالف المدني (كان يمثل تياراً ليبرالياً اجتماعياً وانهار بعد فترة قصيرة، وأفراده أصحاب نزعة ليبرالية اجتماعية). وبالرغم من أنّ هنالك محاولات ملموسة لهذا الائتلاف في تقديم حملة انتخابية جديدة مقنعة، إلا أن من غير المتوقع أن يحقق نتائج منافسة في هذه الانتخابات على الأقل، لافتقاره إلى حاضنة شعبية واجتماعية كبيرة أو صلبة، كما هي حال الإسلاميين أو الأحزاب الجديدة التي تستند إلى بُنى عشائرية.
من المفارقة أنّ مرحلة الاستعدادات للانتخابات النيابية الأردنية تزامنت مع فوزٍ غير متوقّع للجبهة اليسارية في فرنسا في الانتخابات البرلمانية، بعدما اتّحدت القوى اليسارية وواجهت اليمين، وقد يكون هذا ما شجّع اليساريين والقوميين الأردنيين إلى محاولة تقديم قائمة موحّدة، لكن الاختلافات برزت بوضوح وبسرعة، كذلك فإنّ الفروق بين الحالتين، الفرنسية والاردنية، والمزاجين الاجتماعي والثقافي هنا وهناك، لا تخفى على أحد.
صحيحٌ أنّ الأحزاب القومية واليسارية والمستقلين قد نجحوا بإطاحة "الإخوان المسلمين" في انتخابات النقابات المهنية قبل أعوام قليلة، وشكلوا قائمة موحدة قوية، هي قائمة نمو، وهي نجاحاتٌ لم تكن لتتحقق لولا مساعدة من "صديق!"، لكن تجربة "نمو" لم تخرُج من إطار النقابات إلى الحلبة السياسية والحزبية، بينما تمثل أحزابٌ، مثل الميثاق وإرادة وغيرها، الرهان البديل من "نمو" اليسارية في الانتخابات النيابية لمنافسة "الإخوان".
ثمّة من يراهن في دوائر السياسة القريبة من القرار على إمكانية إيجاد لونٍ يساري في اللعبتين، السياسية والحزبية، لكن سقف التوقعات تراجع بعدما بدت الأرقام في الاستطلاعات الرسمية وغير الرسمية محدودة. وبالرغم من وجود داعمين لليسار من المسؤولين، وهنالك متعاطفون مع التيارات اليسارية، و"يساريين بلا يسار"، ممن كانوا يساريين حزبيين، إلا أنهم حالياً أفرادٌ مقرّبون من مؤسّسات الدولة، وهنالك محدّدات عديدة تحول دون وجود يسار قوي، حتى لو كان وسطياً أو برامجيّ النزعة، منها ما يتعلّق بالتحوّلات الاجتماعية والثقافية، ومنها ما يتعلق بعدم قدرة الأحزاب اليسارية بألوانها المتعدّدة على إفراز جيل قيادي جديد قادرٍ على أن يخاطب الشارع ويتجاوز الأطر المؤسسية الحزبية الضيقة.