يدمّرون الكوكب الجميل
ضفدع الخشب نوع من الضفادع البرمائية يعيش بعضها في أميركا الشمالية. سمي باسمه هذا لأنه يتغذّى، إلى جانب الضفادع الصغيرة وبيوض الحشرات واليرقات، بالخشب، وهو أمر نادر، عندما يتعلق الأمر بهذا الحيوان الصغير، غير أن ما يميز ضفدع الخشب ليس هذا، بل قدرته على التجمد كاملا والبقاء على قيد الحياة طوال فترة الشتاء، ثم العودة إلى الحياة ثانية مع بدء ذوبان الجليد، في حالةٍ نادرةٍ جدا بين الكائنات الحية، لطالما حيرت العلماء، حتى تمكّنوا في السنوات الماضية من فهم آلية عملها، فهي في الشتاء تتوقف عن التنفس، ويتوقف جريان دمها ونبض قلبها، لكن ما اكتشفه العلماء أن ما يتجمّد في أجسامها ليست الخلايا، بل الفراغات المملوءة بالماء بين الخلايا، ما يجعلها تحافظ على الأعضاء الحيوية سليمة، لكنها متوقفة مؤقتا عن أداء وظائفها، إلى أن يبدأ الصقيع بالرحيل، فيتفكّك المجمّد بين الخلايا ويعود الدفء إلى الأعضاء، وتعود إلى أداء وظائفها، وينتقل الضفدع من مكانه إلى مستنقعات قريبة بحثا عن التزاوج، وهكذا.
يقول العلماء إن ضفدع الخشب هذا ليس مهدّدا بالانقراض، فطبيعة خلاياه تؤهله للبقاء إلي الأبد، لكن خطر انقراضه يأتي من انقراض البيئة الطبيعية المناسبة له، فأنماط المناخ المتغيرة وارتفاع درجة حرارة الأرض ستغيّر من طبيعة أماكن وجود هذا الضفدع. قريبا، لن يجد البيئة التي اعتاد عليها ليعيش دورة حياته الطبيعية، ما يهدّد بانقراضه. يقول العلماء أيضا إن السعي يجب أن يكون للحفاظ على البيئات الطبيعية التي تطوّرت أجساد الكائنات الحية بناء على أنماطها، فالحفاظ على البيئة من التغيرات الكبرى والخطيرة هو فقط ما يمنع انقراض كثر من الكائنات الحية التي نتشارك معها العيش على هذا الكوكب.
قبل أيام في جامعة هارفرد في أميركا، أجرى العلماء تجارب تهدف إلى إعادة البصر لفئرانٍ فقدت بصرها مع تقدّمها في السن. استعادت الفئران بصرها بالفعل، واستعادت الخلايا التالفة في أدمغتها وأنسجتها الحيوية، ما يعني أن الشيخوخة ستتحوّل مع الزمن إلى مرضٍ يمكن علاجه بسهولة، ما يعني أيضا أن شباب الجسد سوف يمتد إلى زمن طويل، فمع الشفاء من الشيخوخة سوف تختلف مراحل حياة الإنسان. وبالطبع، سوف يزداد معدّل عمره، حيث المتوقع أن يعيش البشر حتى سن 150 عاما بشكل طبيعي. وقد يتجاوز المعمّرون هذه السن بعشرين أو ثلاثين سنة؛ يمكننا أن نتخيّل شابا ثمانينيا مقدما على الزواج من فتاة أحلامه السبعينية! طبعا، هذا إن لم تطرأ تغيرات جذرية على أنماط الحياة الاجتماعية التي نعرفها حاليا.
دعونا نتأمل أكثر: ما الذي يمنع العلم من أن يحاول تعديل الجينات البشرية، لتقترب من جينات ضفدع الخشب، بحيث يمكن تجميد الماء بين خلاياه، مع المحافظة على أعضائه الحيوية على قيد الحياة، ليبقى الكائن البشري في حالة سباتٍ مدّة ما، ثم يتم تفكيك التجميد عنه ليعود إلى الحياة ثانيه؛ وهو أمرٌ يختلف عن عمليات تجميد المتوفين حديثا بالنتروجين، فهؤلاء ماتوا فعلا، وتجميد أجسادهم يشبه عمليات التحنيط لدى المصريين القدماء. نتحدّث هنا عن اكتشاف طريقةٍ يمكن معها تجميد الأحياء وضمان بقاء أعضائهم الحيوية عبر تعديل الجين الوراثي للجسد البشري، ليصبح شبيها بما لدى ضفدع الخشب.
التقدّم العلمي سريع ومدهش، ويمكن معه تخيّل أي شيء، لكن خطوات التقدّم العلمي الواسعة تترافق، لسوء الحظ، مع خطواتٍ سريعة أيضا في تدمير كوكب الأرض الذي يتشاركه البشر مع عددٍ لا يُحصى من المخلوقات والكائنات الحية، ما يجعل من أي تقدّم يختصّ بحياة البشر وتشاركيتها مع المخلوقات الأخرى رهنا بزمنه، ذلك أنه ما من ضامنٍ للتغيرات التي يمكن أن تحدُث للبيئة المحيطة بكل مجموعة كائناتٍ حية. طالما البشري مستمرٌّ في إنتاج ما يدمّر تلك البيئات، ومستمرٌّ في تسميم الغلاف الجوي ومصرٌّعلى سياسته التي تغيّر في معدلات حرارة الأرض، فإن أي تطوّر يختصّ بزيادة معدل بقاء الكائن البشري على قيد الحياة في المستقبل سيبقى تطبيقه محدودا، ذلك أن الدماغ البشريّ الذي يصنع المعجزات في الطب والعلم يصنع المعجزات نفسها في وسائل التدمير والفتك بكوكب الأرض. ربما على العلم أن يكتشف التعديل الجيني الذي يوقف خيال التدمير والتسلط والتملك واستعراض القوة في أدمغة البشر، فهذا الخيال هو من يأخذ كوكب الأرض بكائناته الحية المتنوعة والمدهشة وبالغة الجمال نحو الهاوية.