يحدُث على الحدود الأردنية السورية
حتى بداية العام الحالي، كانت عمليات تهريب المخدّرات المتواصلة من الأراضي السورية إلى الأردن، والمتصاعدة منذ العام 2018، تجري وسط تكتّم شديد من الأردنيين، الراغبين في الانفتاح على النظام السوري، لأسبابٍ اقتصاديةٍ وتجاريةٍ في المقام الأول، وسط توقعاتٍ متفائلة (قبل قانون قيصر) بما سوف تتيحه إعادة إعمار البلد المجاور من فرص استثمارية مجزية لشركات المقاولات والتّجار المتلهفين على تنشيط عجلة اقتصادٍ يعاني من دورة ركودٍ طويلة. كما لعبت سياسة حُسن الجوار، المعتمدة تقليدياً إزاء الجار الشمالي، في إخفاء جمرة الحدود الملتهبة تحت رماد الآمال في معالجة الوضع المقلق بالتي هي أحسن.
غير أنه وقع، في أواسط الشهر الأول من هذا العام، ما لم يتوقعه الممسكون بحبل الصبر والعضّ على الجرح، حين أسفرت إحدى عمليات التهريب عن سقوط ضابط وجندي أردنيين، وجرح اثنين آخرين، الأمر الذي دفع عمّان الى تغيير قواعد الاشتباك، وهو ما أسفر بعد نحو أسبوع عن قتل 27 مهرّباً دفعة واحدة، في سابقةٍ غير مسبوقة في سجل عمليات التهريب، والتي بلغ عددها في العام الماضي، وفق إحصاء رسمي، 361 عملية، بمعدل عملية في اليوم الواحد، الأمر الذي دشّن مرحلةً من المواجهات التي ستتصاعد في العام 2022.
من الواضح أنّ كيل الأردنيين قد طفح في الآونة الأخيرة، وأنّهم يشخّصون ما يجري على أنّه أكثر من عمليات تهريب تقوم بها في العادة مجموعاتٌ إجرامية، وذلك بعد أن باتت في حوزة الأجهزة المختصّة معلوماتٌ موثّقة عن هويات المهرّبين وأماكن تصنيع المخدّرات، على نحو ما فاضت عنه ألسنة كبار الضباط في الجيش والأمن، الذين أعلنوا عن قتل 40 مهرّباً وجرح المئات، وعن ضبط 20 مليون حبّة كبتاغون هذه السنة مقابل 16 مليونا في السنة الماضية، ورصد 160 شبكة تهريب مجهزة تعمل تحت إدارة أمنية سورية ومليشيات إيرانية متغلغلة في حوران، تُؤمّن الحماية لمتسللين عددهم نحو مائتي مجرم في المرّة الواحدة.
وفق التوصيفات الرسمية الأردنية، ما يحدُث في أقصى شمال المملكة هو حرب حدود تحت مُسمّى "حرب مخدّرات"، لم تنجح الاتصالات الأمنية والدبلوماسية المباشرة في وقفها أو الحدّ منها، الأمر الذي يحمل على الاعتقاد أن القادم أسوأ، وأنّ نظام بشار الأسد هو المشكلة، سواء لفقدانه زمام السيطرة على بعض وحدات جيشه أو المليشيات الضالعة في هذه التجارة، التي باتت أحد أهم موارده المالية، وفوق ذلك أن مؤشّرات الانسحاب الروسي من بلاده المستباحة، إثر الحرب على أوكرانيا، تشي باحتمال ملء الفراغ الناشئ بمزيدٍ من التوسّع الإيراني قرب الحدود الأردنية.
لا تستطيع عين المراقب أن تتغافل عن حقيقة أن ما يحدُث على الحدود البالغ طولها نحو 375 كيلومتراً، بين البلدين، لا مثيل له بين أي دولتين عربيتين، ولا حتى بين أي دولتين ليس بينهما نزاع حدودي، كما أن هذه هي المرّة الأولى، ورغم كل التوترات السابقة، التي يستخدم فيها الأردن سلاحه لدرء خطرٍ آتٍ من جاره الشمالي، الذي كثيراً ما تنمّر على محيطه العربي في العقود الكسيفة الماضية، سيما في لبنان والعراق والأردن، وتخاذل، في الوقت نفسه، واستخذى أمام الاعتداءات الإسرائيلية التي تكرّرت ألف مرّة في السنوات الخمس الأخيرة.
كما لا يفوت المرء أن يلاحظ أيضاً، وهو يتابع تصريحات كبار المسؤولين الأردنيين، وفي مقدمتهم الملك عبد الله الثاني، ناهيك عن الضباط رفيعي المسؤولية، قلة اهتمام النخب السياسية والثقافية، خصوصاً وسائل الإعلام في العاصمة عمّان، الغائبة عن السمع والتغطية لهذه المجريات الخطيرة بمعيار الأمن المجتمعي على الأقل، حتى لا نقول الاستهانة بتداعياتها المحتملة، إما مجاملة من بعضهم لبقية نظام ثمّة من يحسبه على محور الممانعة، وإما لثقة وطيدة بكفاءة جيشٍ لديه كل مقوّمات الرد الصارم، بما في ذلك القرار السياسي المعلن.
على أهمية ما يحدث اليوم من تصدٍّ ناجع للمهرّبين ومن يقف خلفهم، فإنّ الأكثر أهمية ما قد يحدُث في الغد القريب، إذ من غير المستبعد أن تتحوّل السياسة الدفاعية إلى نسق من العمليات الجراحية الموضعية الخاطفة في المحافظات السورية الجنوبية، إن لم تكن ضد مزارع الحشيش المنتشرة فيها، تحت رعاية المليشيات الإيرانية، وفي مقدمتها حزب الله، إلى جانب الفرق العسكرية النظامية، فإنّها قد تكون ضد معامل الكبتاغون في درعا والسويداء المجاورتين، لا سيما أنّ أماكنها مرصودة وأسماء مشغّليها معروفة.