يتمتّع بالجنسية السويدية
الظروف القاسية، الكارثية، التي تمرّ بها سورية منذ 2011، دفعت الشاب السوري إبراهيم إلى خوض مغامرة عبور قارّيّة شاقة، في البَلم، من شمال سورية، إلى إزمير التركية، إلى بلاد الفلاسفة والمفكّرين، اليونان، ثم تقمّص شخصية طرزان، فعبر الغابات، وركب الطرقات الوعرة، متجنّباً الوقوع في قبضة الشرطة في الدول التي تفرض على العابرين (البصمة)، حتى وصل إلى السويد، وهو في وضع لجوء نموذجي.
استفاد إبراهيم من كل المزايا التي تقدّمها الدولة السويدية للاجئين، من سكن ومعاش وطبابة. واستطاع، في زمن قصير، أن يلمّ شمل أسرته، وبعد أربع سنوات اندماج، وطَحّ ونَحّ في تعلّم اللغة، وتدريب مهني، وتأمين وظيفة له، وأخرى لزوجته، حصل وأفرادُ الأسرة كلهم على الجنسية السويدية. فرح إبراهيم، وأسرته، بهذه الجنسية التي كانت، بالنسبة لكثيرين، حلماً بعيد المنال. توضّأ، وصلّى ركعتي شكر لله، وغطّت زوجتُه رأسها بالحجاب، ومطّت رأسها من البلكون، وزغردت، وعندما رأى الأطفال الفرحة على وجهي والديهما، نزلوا إلى وسط الغرفة، ورقصوا، وطبّل لهم إبراهيم على حافّة الصوفاية، واستمرّت الزوجة في إطلاق الزغاريد. وبعد أيام، عندما حصلوا على الهويات السويدية والباسبورتات، صوّر إبراهيم باسبورته، ونشر صورته على "فيسبوك"، مع عبارة "وأخيراً، أكرمني الله تعالى بالجنسية السويدية". والسيدة حَرَمُه أنزلت صورة هويتها السويدية على "الحالة". وشرع الاثنان يتلقّيان التهاني على "الفيس"، أو من خلال اتصالات أقاربهم المنتشرين في أصقاع آسيا وأفريقيا وأوروبا، مع عبارات تشجيعية متنوّعة، تصبّ كلها في خانة أنّ الحصول على جنسية أية دولة أوروبية، اليوم، أمانٌ للسوري المطرود من بلاده، ولا سيما بعد تصاعد موجات العنصرية ضد السوريين، في لبنان، وتركيا، والتلويح لمن لم يحصلوا على جنسية دولةٍ أوروبية بعد بوصول الحزب اليميني في تلك الدولة إلى السلطة، واحتمال أن يطلب منهم "ضبّ الشناتي" استعداداً للترحيل.
أصبحت كلمة "ترحيل"، بالنسبة للسوريين، تُرفق، دائماً، بعبارة "كشّ برّه وبعيد"، لأنه لم تبق في العالم دولة واحدة يستطيع السوري أن يدخلها مثلما كان يدخُل إلى مصر العربية، قبل عشر سنوات، أو إلى السودان الشقيق. وصار السوري يُسأل في المطارات عن التأشيرة (الفيزا)، أكثر مما كان يُسأل عن "مكان وجوده في لحظة وقوع الحادث"، أيام التحقيقات الفظّة في سورية، و"الفيزا" لا تعطى للسوري إلا حينما يقف حظّه على قدميه، مثلما يقف شعر الرأس من الدهشة، وإذا سوّلت له نفسُه الأمّارة بالسوء أن يعود إلى سورية، وبما أن سورية مقسّمة إلى مناطق، فإن عقله يبدأ بقراءة سيناريوهات استقباله، ففي مناطق النظام ستكون في انتظاره دورية مخابراتية، تتألف من عناصر أجسامُهم قريبة في حجومها من أجسام البغال، وخذ على لطم، ورفس، وشحط، وأسئلة متداخلة عن العَمالة، والإرهاب، والاتصالات المشبوهة، والعداء للقائد التاريخي (الفَزّ). وعند جماعة الجولاني، سيكون عليه أن يحلق شاربيه، ويطلق لحيته، وكل أنثى في عائلته، حتى ولو كانت طفلة، يجب أن تُطمَر بملابس سوداء فضفاضة، ناهيك عن أن العيش في تلك المنطقة لا يُحسب بالسنين، بل بالساعات، والأيام، فإذا استيقظ ذات يوم، ولم يسمع بأن إحدى المناطق القريبة منه قد قُصفت بطيران سوري، أو روسي، أو ألقي عليها برميل متفجّر، يحسبه من عمره، ويمكن أن يحتفل، مثلما احتفل بالجنسية السويدية، ثم يذهب إلى داره لينام بانتظار مرور يومٍ آخر عليه من دون مصائب!
وقف إبراهيم، مثلما يقف كل سوريٍّ يحصل على جنسيةٍ أوروبية، عند مفترق طرق خطير جداً، فهناك من كان يدعوه إلى أن ينتظر حتى يحصل على الجنسية، ثم يسافر إلى أحد البلاد الإسلامية، ومن يحثّه على الاشتراك في أعمال احتجاجٍ وشغبٍ ضد الدولة، بينما يقول له عقله إن الأفضل له الاندماج بالمجتمع السويدي، واحترام قوانينه التي احترمت إنسانيّته وكرامته.