يا لهذه العجائب
من عجائب هذا الزمن المُمعن في الرداءة والإسفاف والتفاهة أن تطلع علينا إعلاميةٌ مصريةٌ شهيرة، المفترض أنها امرأة عاملة مستقلة منتجة تتقاضى راتبا كبيرا يؤهّلها للعيش برفاهية ويتيح لها الإنفاق على نفسها وعلى أسرتها، ويغطّي كذلك كلف عمليات التجميل باهظة الثمن التي أجرتها على وجهها البلاستيكي، ميت التعبير، لتضاهي في جمالها المصطنع نجمات السينما، كما يمكن الافتراض أنها تتمتع بالحد الأدنى من الذكاء والثقافة، ما يسوّغ تكليفها بتقديم برنامج رئيسي في قناة مرموقة واسعة الانتشار، وأنها تنتمي إلى ثقافة هذا العصر. على الأقل، هكذا يوحي مظهرها الحداثوي.
قالت المذيعة النابغة وحيدة عصرها في خطاب مازوشي دوني ذليل رجعي جاهل مستفزّ متملق، مفادُه أن "الراجل جايب البيت بفلوسه"، علما أن أثاث البيت في الأعراف والعادات المصرية من مسؤولية عائلة الزوجة. وأضافت، بما يعني أنه في مصاف الكبائر أن تطلب الزوجة من زوجها أن يخلع الحذاء، كي لا تتسخ السجادة. ووصفت ضيفتها التي لا تقلّ تخلفا ورجعية، هذا النوع من النساء الحريصات على نظافة بيوتهن بالمتمرّدات "والمش طبيعيات". انفعلت المذيعة الفذة، وجوّدت قائلة إنها مستعدة أن تجعله يمشي بحذائه على فساتينها الماركات!، وتقول له "دوس عليها يا حبيبي براحتك".
كما دانت بشدّة أن تتطاول المرأة على زوجها وتتجرّأ وتتجاوز حدودها وتتواقح وتطلب منه، والعياذ بالله، أن يأخذ كيس القمامة، وهو في طريقه إلى الخارج، ما يسيء إلى رجولته ومكانته الرفيعة بين الناس! كما أكّدت أن للزوج مطلق الحرية في تفتيش هاتف زوجته وقت ما يشاء، في حين أن ذلك محرّم على الزوجة، لأن ذلك "عيب ما يصحّش!". وكما يبدو، لديها مشكلة حقيقية مع الدجاج، جعلتها تترحّم على الزمن الجميل، حين كانت الزوجة المسالمة المطيعة تعطي زوجها عن طيب خاطر القطعة الكبيرة من الفرخة. وفي معرض تأكيد حكمتها ورجاحة عقلها استعانت بحكمة صينية، على ذمّتها بطبيعة الحال، "البيت الذي تمارس فيه الدجاجة عمل الديك مصيره الخراب" (!).
كما برّرت، في أكثر من مناسبة، خيانة الرجل، وحمّلت المرأة مسؤولية ذلك بإهمالها نفسها وتقصيرها في حق زوجها الذي هو، من وجهة نظرها، مجرّد طفلٍ يحق له ارتكاب الهفوات! وكانت، في وقت سابق، قد دافعت بشراسة عن الرجل الذي أشبع عروسه ضربا في يوم زفافها أمام الكاميرات في الإسماعيلية. وقالت بالحرف المبتذل "الواحد مش من أول علقة نطلب الطلاق، وضرب الحبيب متل أكل الزبيب، الراجل حمش ولازم الست تستحمل، وضلّ راجل ولا ضل حيطة". وقد نالت مباركة الداعية الدونجوان في تصريح جاء فيه "جميل أنه ما زال لدينا بصيص نور تحمله إعلاميات عاقلات ينتهجن صوت الحق أمام صراخ الحيزبونات خرّابات البيوت" (!).
المُشرق في الأمر تلك الزوبعة من السخط والغضب التي شارك فيها رجالٌ متحضّرون متوازنون نفسيا، يقرّون بحق المرأة في العزّة والكرامة والندّية. اكتسحت مواقع التواصل الاجتماعي، مندّدة بهذه التصريحات المنحطّة المشينة التي من شأنها الإساءة للمرأة والتعدّي على حقوقها. والسؤال هنا: لماذا تروّج وسائل إعلام مصرية نموذج هذه المذيعة المؤسفة، وغيرها من محدودات الذكاء، سطحيات المعرفة، ضحلات الثقافة، كارهات أنفسهن وبنات جنسهن الساعيات إلى نيل رضا المجتمع الذكوري المتسلط الجاهل الذي لا يرى فيها سوى جارية ذليلة عليها الخنوع. متوقعا منها، وحرصا على تماسك الأسرة تكرار نموذج أمينة نجيب محفوظ في ثلاثيّته، عليها الاستسلام غير المشروط لمزاج "سي السيد"، مهما طغى وتجبّر. وعلى سبيل التنويع، وأخذاً بحكمة (وبصيرة) المذيعة التي يسمّونها إعلامية زوراً وبهتاناً على المرأة العاملة، والحال هذه، طبيبة ومهندسة ومحامية وقاضية ومديرة بنك وكاتبة ومدرّسة، أن تتخلى عن منجزها الأكاديمي والوظيفي، وتلوذ ببيتها دجاجة مكتنزة جميلة وأنثى رقيقة تحصر وظيفتها معنى وجودها في المكاكاة والتفريخ، جاهزة للذبح في أي لحظة!