وصفة لتحويل الانقلاب إلى ثورة
بدا إيمانويل ماكرون بالأمس غاضباً، وأظهر غيرةً ونخوةً غير معهودتيْن من أمثاله، فقال إنه لن يخذل صديقه محمد بازوم، ووصفَه بالبسالة، واستعطف شعبَه عليه، فذكر أنه يعاني من الخطر هو وعائلته. يقيم بازوم في قصر في ما يشبه إقامةً جبرية، وليس كمحمد مرسي الذي مات كمداً أو مسموماً على أرجح الأقوال، بل إنَّ بازوم يحظى بالطعام والشراب والكهرباء والإنترنت، ولم يُتهم مثل محمد مرسي بالخيانة، أقله حتى الآن، بل إنَّ رؤساء الدول يزورونه ويحادثونه. وليس هناك معارضة نيجرية سلمية أو مسلّحة، ولا نازحين من النيجر، ولا مساجين سياسيين فيها، لكن ماكرون غاضب، لأن جيوب بازوم مليئة بمعدن اليورانيوم الثمين، الذي لولاه ستُظلم أنوار فرنسا، فثلاثة أرباع نورها من مشكاة النيجر. لذلك توشك فرنسا أن تعلن الحرب عليها وحدها من غير مؤازرة أميركية أو أوروبية.
وقد حاصرت حكومة النيجر الجديدة، ومعها جماهير الشعب النيجري، السفارة الفرنسية والقنصليات الفرنسية، وقطعت عن نحو 1500 جندي فرنسي الماء والطعام والكهرباء، طالبة منهم الرحيل عن بلدها، لكن السفير ومعه الجنود الغازون ماكثون فيها ويرفضون الرحيل عن النيجر التي غدَت لهم وطناً ثانياً، والذريعة أنَّ الحكومة الجديدة انقلابية وغير شرعية. ويظنُّ أنَّ فرنسا تأمل أن يرتكب الانقلاب خطيئة إيذاء السفير، بل قد تدفع فرنسا أحدا ما إلى ذلك، حتى تصير ذريعة للحرب. ونرجو للسفير الفرنسي في النيجر السلامة، من أجل النيجر، لا من أجله، أو من أجلهما معا.
نصحت أميركا فرنسا بالصبر، وعارضت التدخّل في النيجر، وكذلك فعلت الدول الأوروبية، مع إعلانها النكير على الانقلاب. هذا ليس أول انقلاب في أفريقيا، فالانقلابات مألوفة فيها، وهي أشهر السبل الأفريقية للوصول إلى الحكم، لكن الرئيس الفرنسي مغتاظ، ويبدو مصمّما على إعادة محمد بازوم بالقوة إلى خدمتها، ولن يعترف بالانقلاب، والحرب لن تكون سهلةً، بعدما مدّت روسيا نفوذها إلى القارّة السمراء، وبات لها فيها موطئ قدم وموسد رأس. ولتركيا نفوذ مستجدٌّ فيها أيضا، بل حرص المتحدّث العسكري المالي المتضامن مع النيجر على إبراز مجسّم لمسيّرة تركية، على طاولته وهو يحذّر فرنسا. النيجر هي ثالث دولة أفريقية تتمرّد على فرنسا وتطردها بعد مالي وبوركينا فاسو. أمّا الجزائر فقد أعلنت حظر الطيران الفرنسي في أجوائها، وحظرت تعليم اللغة الفرنسية في المدارس، واختارت الإنكليزية بدلا منها.
من حسن حظ النيجر أنّ ثلاث دول شقيقة ومجاورة لها تضامنت معها، فثمّة روح جديدة تسري في القارّة السمراء، وقد تنتفع النيجر من إجراء انتخاباتٍ شكلية صحيحة أو مزوّرة، وتحتاج إلى بعض الخيال السياسي والمكر، كأن تصطنع حركةً مثل حركة تمرّد المصرية، فتقوم بانتخابات صوريّة في الشارع، أو في صناديق، وتستطيع الاستفادة من الخبرات الروسية في الإخراج بتصوير مظاهراتٍ مليونية فيتحوّل الانقلاب إلى ثورة.
سيرفض الغرب انتخابات النيجر، حتى لو روقبت دوليا، وسيُنظر إليها بعين السخط، لأنها خالية من اليورانيوم، وسيعتبرها انتخاباتٍ مزوّرة، لكن الانقلاب الذي كسب قلوب المواطنين في النيجر، قد يُجادل بها إلى حين. وكان محمد مرسي منتخبا أيضا، لكن الغرب سَعِد بالانقلاب عليه، وأغرى به عبد الفتاح السيسي، بل ساعده عليه، بمليارات الدولارات عن طريق حلفائه العرب، واستقبله في عواصمه استقبال الفاتحين.
أغلب الظن أنّ أميركا غير متضايقة من الانقلاب، فهي تطمح إلى أن تحلَّ محلَّ فرنسا في أفريقيا، أما "إيكواس"، الاتحاد الذي يجمع 15 دولة أفريقية، فيهمُّ بغزو النيجر، غيرةً على الديمقراطية الثكلى، أو خوفا على كراسي رؤساء دولها من انقلاباتٍ مماثلة، وإن فعل ذلك، فستندلع حربٌ أهليّة في عموم القارّة السمراء. لكن يبدو أنّ المجلس العسكري النيجري يلمُّ بألف باء السياسة، وإنَّ الروس يعينونه، وإن اندلعت حرب فستكون وبالاً على أفريقيا كلها.
لم تحرّك فرنسا ساكنا في تونس، وقد وقع فيها انقلابٌ من رئيسها على دستورها، ولم تذرف دمعة ولو بغاز البصل على أعضاء برلمانها المغيّبين في المعتقلات، وفي مقدمتهم رئيسه راشد الغنوشي الذي يحتضر في سجنه، ويُخشى أن يُقتل كما قُتل مرسي.