وداعاً صاحب تحفة "خالتي صفيّة والدير"
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
تقترن المسيرة الأدبية للروائي المصري بهاء طاهر الذي ودّعنا الخميس الماضي عن 87 عاما بروايته الأشهر "خالتي صفية والدير"، المكتوبة بعمق وبساطة. تستلهم تفاصيل الحب والتسامح في الريف المصري. وهي من الروايات التي يصعُب نسيان وقعها في النفس. نموذج لروايات التعايش بحبٍّ بين أطياف المجتمع المصري، مسيحيين ومسلمين. تبادل الأم هدايا الدير من التمر بقطع من الحلوى تصنعها في البيت في صباح عيد الفطر، وتطلب من أبنائها أن يحملوا الصينية إلى الدير، وكانت، وهي تعد قطع الحلوى تذكر سكّان الدير واحدا واحدا. يجد القارئ أيضا في الأحداث المتصاعدة للرواية تلك الكراهية التي يمكن أن يولّدها الحب الشديد، حين أحبت صفية حربي الذي لم يهتم بمشاعرها، وكان سببا باقترانها بالباشا، فتحوّل حبها الجارف، حينئذٍ، إلى كراهية شديدة واندفاع نحو المؤامرة ضد المحبوب.
سحابة واسعة من الروايات والقصص خلّفها بهاء طاهر، يمكن إعادة قراءتها بدون ملل، نظرا إلى اللغة البسيطة التي كتبت بها، ولكن تلك البساطة الممسوحة بصبغة شعرية، كما التي في مجموعته القصصية الجميلة "بالأمس حلمت بك"، وأخص هنا القصة التي تحمل هذا العنوان، وقد وضعها الكاتب في البداية. يتضح أنه كتبها في أثناء إقامته في سويسرا، أو بوحي من تلك الإقامة. قصّة مركّبة تركيبا بارعا وبسيطا. قصة يغمرها الثلج ودفء الحب وقسوة الغربة، في صراع العرب والأفارقة في الإقامة في بلد أجنبي، صراع مع الطبيعة المثلجة والطباع البشرية الباردة. في أحد مشاهد هذه القصة حوار بين امرأة بيضاء مسنّة وشاب أفريقي في مكان لغسل الثياب. ترفض المرأة أن يتقدم من أسمته الزنجي عليها. وفي القصة ما ينمّ عن مفارقات الحياة، حين يترك الشاب وطنه من أجل أن يعيش في بلد بارد، والعلاقات بين ناسه فاترة، وهو ما يعكسه مثلا حوار طريف بين هذا الشاب، وهو بطل القصة، لمّا كان يقف على الرصيف لطلب سيارة أجرة، وقد صادف رجلا آخر من البلد الأجنبي نفسه، يبحث عن سيارة أجرة، ولكن لا أحد يقف لهما: "نظر إلي بشيءٍ من الغضب، وقال: أنت أجنبي، أليس كذلك؟ هززتُ رأسي إيجابا، فقال هل عندكم أوغاد بهذا الشكل لا يتوقفون حتى مع هذا الثلج؟ قلت عندنا شمس. سألني، وما الذي جاء بك إلى هنا؟ فأشرت بأصبعي إلى السماء، فضحك".
هناك كذلك رواية "حب في المنفى" التي قد يجد القارئ فيها ملفا عن الاجتياح الصهيوني لبيروت في العام 1982، وكل ما وقع هناك من كوارث كان للإسرائيليين الدور الرئيس في تحريكه، مباشرة أو عبر عملائهم، كما المذبحة في مخيمي صبرا وشاتيلا.
وثمّة رواية "واحة الغروب"، الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في دورتها الأولى (2008)، تدلّ على مبدع يصيغ السرد بعذوبة، وخصوصا في وصفه زوايا واحة سيوة فضاء تلك الرواية، حين ذهب ضابط البوليس، محمود عبد الظاهر، مع زوجته الأيرلندية كاثرين، الشغوفة بالآثار، ليُسقط الكاتب، من خلال شغف البطلة بالبحث والتقصّي، الضوء على تفاصيل الواحة وثقافة أهلها وتراثهم، بما في ذلك لهجتهم السيوية (تاسيويت) المشتقة عن اللغة الأمازيغية.
تحدّث بهاء طاهر، في مقدمة وضعها لإحدى طبعات "خالتي صفية والدير"، عن أطوار حياته ودور والدته في ملء مخيلته بالحكايات والقصص. وأسهب في الحديث عن الفترة الجامعية التي كانت مليئة بالتقلبات، وعن لقائه هناك بالروائي غالب هلسا، الذي أطلق عليه "صديق أجمل سنوات العمر" الذي تشرّد في أكثر من عاصمة عربية، وكانت قاصمة الظهر، حسب بهاء طاهر، إبعاده عن القاهرة التي قضى فيها ربع قرن، وعاش بسبب بعاده عنها الغربة بكامل قسوتها.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية