هل تحرير فلسطين متوقف على لقاء الأسد؟

27 أكتوبر 2022

خليل الحيّة يتوسط ممثلي فصائل فلسطينية في مؤتمر صحفي في دمشق (19/10/2022/فرانس برس)

+ الخط -

بفرح وشوق، وبآمال عريضةٍ، تعود حركة حماس إلى العلاقة مع بشار الأسد، تعود، ولسان حال موفدها، خليل الحية، يقول، إن السنوات التي مضت عطَّلت مسيرة تحرير فلسطين واليوم يجري استدراك ما فات. و"حماس" هنا ستركل بقدمها قبور مئات آلاف السوريين، كما رَكَل القائد الفرنسي غورو ضريح صلاح الدين.

لم ينقص الوفد، الذي كانت "حماس" ممثلة به، سوى إلقاء قصائد الغزل ببشار الأسد، مع أن ما قيل كان أكثر من حميمي، فلم يسبق في اللغة البروتوكولية أن وُصف لقاء سياسي بـ"الدافئ". أما أن يوصف بـ"المجيد" و"التاريخي" فذلك يضع فعل اللقاء في مصافّ الفتوحات الكبرى والانتصارات التي غيّرت مجاري التاريخ.

في تصريحاته على هامش زيارته الأسد، لم يفعل الحية أكثر مما فعلته البقرة التي ركلت إناء الحليب بعد امتلائه، وإلا ما معنى قوله إن موقف "حماس" من الثورة السورية كان خطأ فردياً؟ فهل كان رفض قتل الشعب السوري خطأ ارتكبه أفراد، ولم يكن موقفاَ مبدئياً من الحركة؟ وعلى ذلك، يصحّ إذا شكر السوريون بعض الأفراد في الحركة، بصفتهم الشخصية، وندّدوا بها فكرا وسلوكا وقيما.

يحيلنا هذا إلى كليشيهات وقوالب، كان إعلام الأسد قد اخترعها في بداية الثورة في حربه الإعلامية ضد من يخالفه، حين رفض وجهات النظر واعتبرها خيانة، وأصرّ على أن كل من لا ينظر إلى الحدث من الزاوية التي يراها النظام خائن، فهل ستخوّن "حماس" قياديين فيها ارتكبوا خطأ الوقوف مع الشعب السوري، بعد إعادة تقييمها الموقف وفق هذا المنطق الجديد؟ وماذا عن كوادرها، التي قتلها النظام تحت التعذيب، هل سيجري شطبها من خانة الشهداء؟

استعاد الأسد علاقاته مع بعض الدول العربية، لكنها علاقات، فضلاً عن أنها مجمَّدة، لم تتم بهذا الفرح وذاك الفخار الذي أبدته "حماس"

وربما، وللتأكيد على هذا الموقف الجديد، صرّح القيادي في "حماس"، أسامة حمدان، بأن خليل الحية نقل إلى بشار الأسد تحيات المقاومين والمجاهدين في كتائب القسّام، فهل كانت المصالحة مناسبةً لإطلاق أشواق كتائب القسّام للأسد، والتعبير عن تقديرها أفعال من قتل أشواق شعبه للحرية والكرامة؟ اللافت في الزيارة، والتصريحات على هامشها، تلك الآمال العريضة التي أشاعتها ابتسامات بالحجم ذاته، تلك التصريحات التي طوت في ثناياها وعداً بأن ما بعد الزيارة سيكون غير ما قبلها، إلى درجة يمكن للمرء أن يتساءل معها: هل ستنطلق جحافل الأسد في نهاية الأسبوع عابرة الجولان إلى فلسطين؟ وإلا لم كل تلك الغبطة الفائضة؟!

توحي التصريحات الحمساوية بأن عودتهم إلى الأسد لإصلاح خللٍ حدث بفعلٍ غير مقصود، في منظومة المقاومة الإقليمية، أي أن الأسد إحدى ركائز هذه المقاومة وسدنتها، والواقع أن مقاومة الأسد من نوعٍ يحتاج لرؤيته وكشفه تلسكوب جيمس ويب، حيث لو دقّق قادة "حماس" في الصور التي سيبثها، سيكتشفون حجم التضليل الذي وقع فيه البشر، إذ بسبب بُعد السنوات الضوئية ما زالوا يرون شعاع نجوم ماتت منذ ملايين السنين، والأسد قتل حتى كذبة المقاومة منذ سنوات عديدة، وليست مشكلته أن قادة "حماس" لم يروا ذلك بعد.

يعرف الأسد أكثر من غيره حقيقة ما يسمّى حلف المقاومة، لذا من النادر أن تجد حديثا له في هذا الخصوص، فهو يعرف أن إيران التي اختلقت هذا المسمّى تسعى منه إلى بسط نفوذها على العواصم العربية. جل ما يتحدّث به، في لقاءاته وتصريحاته، دعمه المقاومة، وهذا قول فضفاض، يمكن أن يدرج تحته حتى برامج الإذاعة السورية التي ما زالت تسمّي إسرائيل الكيان الصهيوني مثلاً، أو مجرّد السماح بإقامة منظماتٍ، على شاكلة الجبهتين الديمقراطية والشعبية، احتفالات انطلاقتها السنوية في صالات أفراح دمشق.

لستم مقاومين، أنتم موظفون لدى مقاول مقاومات

ربما استعاد الأسد علاقاته مع بعض الدول العربية، لكنها علاقات، فضلاً عن أنها مجمَّدة، لم تتم بهذا الفرح وذاك الفخار الذي أبدته "حماس"، ثم أن غالبية الدول العربية لم تُرجع علاقاتها مع الأسد، وبذلك تكون الحركة الإسلامية قد سبقت من تخوّنهم وتتعالى عليهم في الانبطاح تحت أقدام الأسد. وما الذريعة؟ مهما حاولنا تزويق كلامنا، لن نستطيع تجاوز حقيقة أن "حماس" فعلت ذلك إرضاءً لإيران، مع أن هذه تحتاج "حماس" ربما أكثر من حاجة الأخيرة لها، بمعنى أن كل ما فعلته الحركة الإسلامية في هذا السياق جهد فائض لا رصيد له، وابتذال عاطفي لا معنى له.

يعرف الشارع العربي أنك حتى تعبر عتبة الأسد يجب أن تلعن الربيع العربي بذريعة أنه لم تكن فلسطين بوصلته، وللسير على الطريق الموصل إلى قصر الأسد، يجب أن تدوس على دماء مئات آلاف الشهداء وعذابات ملايين اللاجئين في خيام العراء، وأن تتعرّى من إنسانيتك.

ابتسموا ما شئتم، وتدفّأوا بأحضان الأسد، لستم مقاومين، أنتم موظفون لدى مقاول مقاومات، بل أنتم في الميزان ذاته مع الذين دعموا الثورات المضادّة لكرامة الشعوب، الفرق أنكم تداريتم خلف الصورة إلى حين الانتهاء من حفلة سفك الدم واستباحة الأعراض، السورية والفلسطينية، ثم ركضتم تهنئون القاتل والمغتصب .. ما أنبل القضية التي تتلطون خلفها، وما أسوأ اليد التي صافحتم بها بشار الأسد.

5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".