هذه الحصيلة الحكومية في المغرب

28 ابريل 2024

رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش في مؤتمر في أبيدجان (5/6/2023 فرانس برس)

+ الخط -

قدَّم رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، الأربعاء الماضي (24 إبريل/ نيسان)، حصيلة منجزات حكومته التي انتصفت ولايتها، أمام مجلسيّ البرلمان (النواب والمستشارين)، طبقاً للفصل 101 من الدستور. فاق أداء حكومة الكفاءات "كلّ التوقّعات والانتظارات"، يقول زعيم الائتلاف الحكومي بكلّ ارتياح واطمئنان، ما منح حكومته "شرعية الإنجاز بعد شرعية الاقتراع، ويُكسِبها اليوم شرعية الاستمرار في استكمال تنزيل ما تبقّى من برنامجها".

أجاد الرجل اللعب بالأرقام أمام أنظار ممثليّ الأمّة، وهذا ليس بغريب على "ملياردير" من عالم المال والأعمال، التحق حديثاً بعالم السياسة، فاستعرض من الإحصاءات والمؤشّرات والنسب ما جعله لا يتردّد في وصف ذلك بـ"الثورة الاجتماعية غير المسبوقة" في المغرب. وزاد، بكلّ ثقة في النفس، أنّ سياسة حكومته في تنزيل مُرتكزات الدولة الاجتماعية قد أدّت إلى "إنجازات تُضاهي ما تقوم به دول جدّ متقدمة في المجال الاجتماعي". توقَّف أخنوش، طويلاً، عند الدعم الاجتماعي المباشر لفائدة الأُسَرِ، مؤكّداً استفادة 3,5 ملايين أسرة، بنهاية مارس/ آذار، من منحة تتراوح بين 500 وألف درهم (50 -100 دولار) شهرياً. واستغرق في تفاصيل الورش الاجتماعية، وتكلفة تنفيذها بالنسبة إلى الدولة، التي بلغت 25 مليار دولار، برسم سنة 2024، عادّاً ما قامت به حكومته سابقةً لا نظير له في التاريخ السياسي في المغرب.

أزمة طلبة الطب والصيدلة في المغرب لا تزال عالقة، مهددةً بشبحِ سنة بيضاء يلوح في الأفق

كان المغاربة ينتظرون من رئيس حكومتهم أجوبةً سياسيةً مباشرةً عن مشكلاتهم الاجتماعية، بدءاً من توضيحات بشأن توقيف الدعم عن آلاف الأسرة، بعد مضي ثلاثة أشهر على شروعهم في الاستفادة منه، بدعوى تحسّن وضعهم الاجتماعي. فلا يُعقل أن يتغيّر حال أسرة في وضعية هشاشة، بعد منحها ثلاث دفعات، بمبلغ إجمالي لا يتعدّى 1500 درهم (150 دولاراً) (!) ثمّ كيف لمستوى العيش أن يتحسّن بمثل هذه المبالغ الزهيدة، والحكومة نفسُها أقرّت في سبتمبر/ أيلول الماضي مرسوماً يقضي بزيادة الحدّ الأدنى للأجور، ليبلغ 3120 درهماً (312 دولاراً) شهرياً؟ فإذا كانت ثلاثة آلاف درهم شهرياً بالكاد تكفي لمواجهة ارتفاع الأسعار، فأنّى لمبلغ 500 درهم أن يؤثّر في تنصيف أسرة تعاني الهشاشة؟

كيف لحكومة الكفاءات أن تنهج سياسة دعم قوامها الجود والكرم في عدد من القطاعات، لا تلبث أن تنقلب تقشّفاً وتقتيراً متى تعلّقت بالمواطن البسيط المغلوب على أمره. منذ تنصيب حكومة رجال الأعمال في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حظيت قائمةٌ من القطاعات بنصيبها من المال العام بسخاء، فمراجعة السياسات الاجتماعية؛ خاصة ما تعلق منها بدعم أسعار المواد الأساسية، قصد إقامة "الدولة الاجتماعية" الموعودة، تطلّب مواصلة رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية، مع الإبقاء على دعم القطاعات المتضرّرة من ذلك. لقد استفاد مهنيو النقل الطرقي (أكثر من 180 ألف عربة) مثلاً، منذ قرار الزيادة في أسعار المحروقات، من دعم حكومي استثنائي لقطاع النقل (الطرقي والسياحي والبضائع)، بمبالغ تتراوح ما بين 1600 و7000 درهم (160 - 700 دولار).

استفاد قطاع الفلاحة من جزيل الدعم في أكثر من مناسبة، فالحكومة دعمت السنة الماضية استيراد الأعلاف بمبلغ وصل إلى خمسة مليارات درهم. كما رصدت مبلغاً مماثلاً (4,5 مليارات درهم) لدعم أسعار الأسمدة، واستيراد بذور الطماطم وبذور البطاطس وبذور البصل. ويحظى قطاع تربية المواشي، للسنة الثانية على التوالي، بدعم قدره 500 درهم عن كلّ رأس غنم يُستورد من الخارج، فضلاً عن إعفاء من الرسوم الجمركية بهدف توفير الأضاحي الموجّهة إلى الذبح في عيد الأضحى، مع توقّعات باستيراد قرابة مليون رأس غنم هذه السنة؛ أي دعم بقيمة 500 مليون درهم. هذا المال العام كلّه لأجل دعم قطاع تولّى ّأخنوش، بصفته وزيراً للفلاحة والصيد البحري، تدبيره أكثر من 15 عاماً، قبل أن يصبح رئيس الحكومة، إذ وعد المغاربة بالأمن الغذائي (راجع مقال الكاتب: "المغرب الأخضر وأكذوبة الأمن الغذائي"، "العربي الجديد"، 2022/05/17).

الإجابة عن أسئلة بشأن التنمية والمساواة هي بتوزيع عادل للثروة تغني الفقراء عن الدعم، فقرابة الثلثين من إجمالي الثروة يمتلكها 10% من المغاربة

كان الأجدر برئيس حكومة الكفاءات، التي زهدت في السياسية لصالح الانكفاء على التدبيري التقني لدرجة أصبحت معها أشبه بحكومة موظّفين لا حكومة سياسية، أن يفسّر للمغاربة أسباب اختيار حكومته سياسية التجاهل في تعاطيها مع أزمات فئوية (إضراب رجال التعليم، احتجاج طلاب الطب والصيدلة...) ما يرفع من تكلفة معالجتها في النهاية؛ فتسوية ملفّ الشغّيلة التعليمية كلّف هدر ثلاثة أشهر من الزمن المدرسي لأبناء وبنات المغاربة، أمّا أزمة طلبة الطب والصيدلة فلا تزال عالقة، مهددةً بشبحِ سنة بيضاء يلوح في الأفق. كما انتظر المغاربة من رئيس حكومتهم الذي وعد، في البرنامج الحكومي، بثورة في قطاع التعليم، أن يكشف لهم بعض مظاهر هذه الثورة، بعد انقضاء نصف الزمن الحكومي أو أن يعلّق فقط، وذلك أضعف الإيمان، على الأرقام التي قدّمها وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بن موسى، حين صرّح بأن نسبة الهدر المدرسي في المراحل التعلمية الثلاث (الابتدائي والإعدادي والثانوي) تصل إلى 5,3%، ما يعني أنّ حوالي 331 ألف تلميذ وتلميذة ينقطعون سنوياً عن الدراسة في مغرب "الثورة الاجتماعية غير المسبوقة".

تباهى رجل الأعمال بنجاحه في السياسية أيضاً، فسياسات حكومته أفضت إلى حصاد جعل المغرب يُنافس الدول المتقدّمة. يبدو أن الرجل نسي أنّ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في تقريره السنوي (2023/2024) عن التنمية البشرية، منح المغرب المركز 120 عالمياً. فأين هي ثمار ثورة حكومات الكفاءات إذاً؟ وكيف تتقدّم دول عربية غير مستقرّة مثل: ليبيا (92) ولبنان (109) وفلسطين (111) على دولة طالما اعتبرت نفسها قوّة إقليمية في شمال أفريقيا؟

فقدان حكومة رجال الأعمال الحسّ السياسي قلب تقديم رئيسها للحصيلة إلى "حَصْلة"، وتعني بالعامية المغربية "المأزق"، فبدل الحذر في استعراض الأرقام، التي تبقى بلا دلالة ما لم تنعكس على المعيش اليومي للمغاربة، رفع السقف عالياً، ما أعاد إلى الأضواء أسئلة حول الثروة والتنمية والمساواة... فالإجابة عن هذه الأسئلة هي بتوزيع عادل للثروة تغني فقراء المملكة عن الدعم، فالمغرب، حسب تقرير اللامساواة العالمية، من الدول المنتجة للثروة، لكن الثروة فيه تبقى متمركزة في أيدي أقلّية؛ فقرابة الثلثين من إجمالي الثروة يمتلكها 10% من المغاربة فقط.

E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
محمد طيفوري

كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.

محمد طيفوري