22 نوفمبر 2024
هذه البادرة الثقافية الفلسطينية
لعلها من المرّات النادرة (أو ربما المرّة الأولى؟) التي تعلن فيها وزارة الثقافة الفلسطينية بادرةً كبرى، واضحة الأهداف، محدّدة الآليات، قامت على تشاور محمود مع مثقفين من كل فلسطين، ومن الشتات. البادرة هي "مشروع الاحتفاء بمئويات روّاد الثقافة والتنوير في فلسطين"، على مدى 15 عاماً، يبدأ في العام الجاري، ويتم في ثلاث مراحل. وتُوفر الإيضاحات المفصّلة التي بسطها وزير الثقافة الفلسطيني، إيهاب بسيسو، في مؤتمر صحافي في رام الله أخيراً، صورةً وافية عن المشروع الذي استحق وصفه "مستداماً" و"استراتيجياً"، والذي من أهم غاياته الفلسطينية "تعزيز التواصل ثقافياً بين الماضي والحاضر، والتأسيس لمستقبل قائم على التكامل، وعدم الانفصال عن الذاكرة". وكان طيّباً أن البيان الختامي للاجتماع التشاوري الذي عقد يومين أفاد بأن الاحتفال في مئويات ميلاد الذين تم الاتفاق على أسمائهم لا يُغفل مجايلين لهم من أسماء أخرى عاصرْتها "لا تقل أهميةً في إسهاماتها المختلفة ودورها الريادي.."، ولا روّاد الثقافة والتنوير والمبدعين الفلسطينين قبل العام 1917 الذين سيكون 2018 عام الاحتفاء بهم، بالتزامن مع 70 عاما على نكبة فلسطين.
فدوى طوقان ورفعت النمر وإميل توما وإميل حبيبي وجبرا إيراهيم جبرا وصفوت الشريف وأنيس صايغ وتوفيق صايغ وسلمى الخضراء الجيوسي وسميرة عزام ووليد الخالدي وإسماعيل شمّوط ويوسف الخطيب وإبراهيم أبو لغد وكمال ناصر ومعين بسيسو. أسماء فلسطينية مضيئة في حقول مشاغلها، وتحيل حكماً إلى الفضاء العام الذي أنجزت في غضونه عطاءاتها. وقد أحسن المثقفون الفلسطينيون الذين تشاوروا في عمّان في تعيين الإلهام للأجيال المقبلة واحداً من معايير اختيار هذه الأسماء. ومع التمنيات الواجبة بنجاح هذا المشروع الطويل الأمد، والذي دعت بشأنه وزارة الثقافة الفلسطينية إلى تعاون واسع، مؤسّسي وفردي وجمعوي، من أجل أن يتحقق بالشكل الأنسب، فإن الرّهان، بالطبع، سيكون على تنفيذ الأفكار الجذّابة والجديدة التي ينهض بها، الأمر الذي يتطلب، بداهةً، إسناد الجميع الوزارة وطواقمها من أجل أن يُصار إلى تظهير الاحتفاء بمبدعي فلسطين، وكبار روّاد ثقافتها الإنسانية وإبداعاتها، بصيغ تبتعد عن المهرجانيّة المرتجلة، وتذهب إلى الجوهريّ في عطاءات هذه الأسماء وغيرها، مع ما يلزم لذلك من توفير البحوث والدراسات والوثائق والأفلام للإضاءة على ذلك، وتقديمه إلى الجمهور، الفلسطيني والعربي.
بديهي أن هذا الطموح، بتفاصيله لا بشعاراته وخطوطه العامة فقط، يلزمه جهدٌ إعلامي يقوم على أرضية وطنية فلسطينية، لا تغادر الإجماعات الوجدانية، وتحافظ على وجوب الحرية في العمل الثقافي. وإذ مثّلت مشاورة وزارة الثقافة مثقفين وباحثين وأكاديميين فلسطينيين متنوعي الاهتمامات خطوة أولى مقدّرة، فالمتوقع أن يبقى هذا هو النهج العام في مسار إنجاز الاحتفاليات المتوافق عليها، وبالتكامل مع عونٍ من أصحاب الاقتدار المالي من نخبة فلسطينية عريضة، ومع البحث عن شراكاتٍ عربية ممكنة، من شأنها أن تساهم في الدفع بالمشروع، وتثميره أحسن فأحسن، وتيسير سبل تعريف الأجيال العربية به، عاما بعد عام. وفي الأمة أخيار كثيرون، يؤمنون بفلسطين الواحدة، وبتحريرها، وبطاقات شعبها ومبدعيه ومفكريه.
ليست المهمة سهلةً، ولن تكون المتاعب هيّنة، أمام إنجاز الطموح الثقيل الذي أعلنت وزارة الثقافة الفلسطينية عبء القيام به، ومن المتوقع أن لجانا مهنية ومختصة تشكلت، أو قيد التشكل، لصياغة طرائق عملٍ تنفيذية ولمتابعتها. والمأمول أن يبقى الإعلام الثقافي الفلسطيني، وكذا العربي عموما، على اطلاع على هذا كله، وأن يكون شريكا ما أمكن، في تقديم كل إسهامٍ ممكن، بالثناء أو بالنقد، بالتصويب أو التقريظ، من أجل الوصول إلى أعلى مستويات النجاح. ولا يُساق هذا الكلام كله، هنا، في معرض حماسٍ لبادرةٍ تتبناها جهة رسمية فلسطينية، وإنما هو الحماس لكل فعل ثقافي وطني فلسطيني، متصل بالذاكرة والراهن والمستقبل، وبالأفق الإبداعي والفكري الذي تشيعه فكرة فلسطين، لا سيما في غضون الخراب الفلسطيني الراهن... انتظار النجاح خطوة أولى في الوصول إلى النجاح.