هذا التناقض الأردني بشأن الأسد

15 مارس 2023

جنود أردنيون في دورية على الحدود مع سورية (17/2/2022 فرانس برس)

+ الخط -

يدعو الأردن إلى احتضان نظام الأسد، وينشط في محور عربي ويستنفر طاقاته الدبلوماسية لإنجاز هذه المهمة. وفي تناقض واضح مع هذا الحال، طلب الملك عبد الله الثاني، وبشكل صريح، من وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستون، الذي زار عمّان أخيراً، المساعدة في حرب المخدّرات التي يديرها النظام السوري، بإشراف أعلى المستويات فيه، على الأردن وجيرانه في الخليج.

لا يمكن تفسير ذلك من منظور وجود تيارات متصارعة في الأردن بشأن الموقف من نظام الأسد. صحيحٌ أنّ أصواتاً في البرلمان والإعلام تنادي بالانفتاح على نظام الأسد من دون شرط أو قيد، وهي بالأصل تراه على حق في كلّ ما فعله بالسوريين، حتى إن بعضهم يرى في الوجود الإيراني حماية لسورية من إسرائيل. لكنّ هذه الأصوات، رغم علوّ زعيقها، وانكفاء القوى التي تعادي الأسد، هامشية في صناعة القرار الأردني، ولا يمكن أن تصل فاعليتها إلى حد التأثير على سياسات الأردن الإقليمية، بما فيها العلاقة مع النظام السوري.

لكن، يمكن اعتبار هذا الأمر مؤشّراً على ارتباك دوائر القرار الأردنية في التعاطي مع الملف السوري، الأمر الذي يدفعها إلى اتباع سياسات تحوّطية متناقضة أحياناً وغير منسجمة، إلى درجة أن من يطّلع عليها سيستغرب صدورها عن مطبخ سياسي واحد، إذ طالما أن الأردن يعلن بالصوت العالي أن مخدّرات الأسد خطر عليه وأنهكته واستنزفت قواه الأمنية إلى درجة تدفعه إلى طلب المساعدة من الحليف الأميركي القوي، فهذا ليس له سوى معنى واحد، أنّ سياساته تجاه نظام الأسد يجب أن تكون ذات طابع دفاعي عسكري، ففي هذا النمط من الحروب والصراعات لا تستوي المناورة، ولا أسلحتها الدبلوماسية والخطابية.

ارتباك دوائر القرار الأردنية في التعاطي مع الملف السوري، الأمر الذي يدفعها إلى اتباع سياسات تحوّطية متناقضة أحياناً وغير منسجمة

من غير المنطقي، في ظلّ هذه المعطيات، التعامل مع نظام الأسد بما يرضيه ويريحه، هذه أغرب أنواع الرشاوى، في حين يصرّ هذا النظام على تحقيق أهدافه كلها، تجارة المخدّرات والدفاع عنه في المحافل العربية والدولية وتدليله. يصحّ هذا فقط في حال انتصار نظام الأسد على الأردن، ووافق الأخير، ضمن بروتوكولاتٍ سرّية، على تنفيذ ما يطلبه منه المنتصر، الذي يرفض منحه المياه المتفّق عليها، ويصرّ على تدمير أمنه الاجتماعي عبر نشر المخدّرات، واستعمال الأردن، بالإكراه والغصب، ممرّاً لتهريب المخدّرات إلى دول الخليج، وعندما يغيّر الأردن قواعد الاشتباك من خلال إطلاق النار على المهرّبين، يتعامل نظام الأسد بالمثل، عبر استخدام تقنيات الطائرات المسيّرة في تهريب المخدّرات والأسلحة إلى الأردن!

في المقابل، يذهب الأردن بعيداً حين يطلب المساعدة الأميركية في مواجهة حرب مخدرات الأسد، وهو يعلم أنّ قانوناً سيتم إقرارُه بعد حين، قانون الكبتاغون، سيكون له بعدٌ تنفيذي، حيث ستقرّ واشنطن ميزانية له، وتقدّم للأردن أجهزة ومعدّات، وربما تشارك قواتها في غرف عمليات، مع قوى عربية، وسيشمل نشاطها استهداف ليس فقط مهرّبي الكبتاغون، وإنما مواقع الإنتاج داخل سورية والأشخاص الذين يديرون هذه التجارة، والذين في أغلبهم شخصياتٌ ضمن الهياكل الأمنية والعسكرية السورية. وفوق ذلك، سيضع قانون الكبتاغون قيوداً على مسار التطبيع الذي يقودُه الأردن مع نظام الأسد، إذ من غير المعقول أن تتكلّف الولايات المتحدة ميزانيات وإجراء خطط من أجل تقديم المساعدة التي يطلبها الأردن، فيما يسعى الأخير إلى فكّ عزلة نظام الأسد ودعمه وتقوية موقفه، ومن غير المعقول أن تخاف واشنطن على الأمن الاجتماعي الأردني والخليجي أكثر من أصحاب الشأن أنفسهم!

غير معقول أن تخاف واشنطن على الأمن الاجتماعي الأردني والخليجي أكثر من أصحاب الشأن

يكشف السلوك الأردني عن قناعةٍ لدى صانع القرار بأنه يخوض معركة ترويض مع نظام الأسد، وأنه حتى يستطيع الحصول على تنازلاتٍ منه يجب تقديم إغراءاتٍ معينةٍ أو حوافز له، وجرّه الى لعبة المكافأة. بمعنى آخر، توريطه في الآمال وإدخاله في شبكاتها، لعل ذلك يسهم في إخراجه من حالة التوحّش واليأس والاستنقاع في العزلة، وشعوره المتزايد بالاحتقار من الأوساط الدبلوماسية والسياسية الدولية، وهي الحالة التي تدفعه إلى اتباع سلوك العصابات وزعران الحارات لإثبات أهميته وإقناع الآخرين بقدرته على الإيذاء والتخريب.

يكشف هذا السلوك أيضاً عن قناعة صانع القرار الأردني بأنّ نظام الأسد قدرٌ لا يمكن الهرب منه، والأفضل التعايش معه والبحث عن الوسائل والطرق الكفيلة بتلطيف العلاقة معه، في ظل افتقاد الأردن أوراق الضغط القادرة على إجباره على اتّباع مسالك مختلفة، وربما لأن هذا النظام لا توجد لديه يد تؤلمه ليمكن مسكُه منها، وبالتالي، يجب البحث عن مقاربات أخرى للتعامل معه، خصوصاً إغراءه بفكّ العزلة وإعادة تأهيله.

بعيداً عن جدوى هذه السياسات، الواقع أنّ الأردن أيضاً مساهم في صناعة البيئة التي تدفع إلى عزل الأسد واستمرار تهميشه، من خلال دوره في قانون الكبتاغون، الذي سيزيد تعقيدات الانفتاح على نظام الأسد، الأمر الذي يجعل الجهد الدبلوماسي الأردني في قيادة مسار التطبيع مع الأسد جهداً مضيعاً، أو مجرّد تقطيع وقت إلى حين، خصوصاً بعد أن اتضح أنّ إدارة بايدن غير مستعدّة للتراجع عن عزل نظام الأسد وتجريمه.

5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".