هاريس قد تخسر بأصوات عرب ومسلمين
أجرى الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، في العام 2016، وقبل موعد الانتخابات بيومين فقط، زيارة الى مدينة ديربورن في ميشيغان، التقط فيها بضعة صور مع مجموعة من الشباب العربي، وتناول ساندويتش فلافل من مطعم الأمير، أحد المطاعم الشهيرة في المدينة. لم تهدف الزيارة بكل تأكيد للتعرف إلى ثقافة العرب الذين يمثلون الأغلبية المكوناتية في المدينة، ولم يدفعه الحنين إلى تذوق الطعم الأصلي للفلافل إلى زيارة المدينة كذلك، لكن الدافع كان دفع العرب إلى التوجّه إلى صناديق الاقتراع للتصويت لزوجته.
صبّت حينها كل استطلاعات الرأي في صالح كلينتون بالفوز بالرئاسة، وكانت خطوة زيارة كلينتون الزوج الفلافل غريبة، ولا تتناسق مع هذه النتائج المتوقعة. في حينها ردّد صديق لي "ساندويتش الفلافل هذا يخفي قلقا لدى كلينتون من الخسارة". وتحققت نبوءة الصديق، وخسرت كلينتون أصوات ميشيغان ومثلها ويسكونسن وبنسلفانيا. وخرج مسؤولو حملة هيلاري بعد الخسارة ليلوموا مرشّحة حزب الخضر جيل ستاين في التسبب بخسارتهم، ففارق الأصوات في ميشيغان بالتحديد لم يكن كبيراً بين هيلاري وترامب، لكن حصول مرشّحة الحزب ستاين على 51 ألف صوت رجّح كفة ترامب، وخاصة أن حزب الخضر دائماً ما يستميل في العادة داعمي الحزب الديمقراطي من الشباب اليساري المتحمّس.
وفي انتخابات هذا العام، تخشى كامالا هاريس من مصيرٍ مشابه في الولايات المتأرجحة الثلاث. وسعيا منها إلى كسب ود عرب هذه الولايات ومسلميها، عيّنت شابّتين: الأولى من أصول مصرية لتولي مهمة أقناع العرب بالتصويت لها، والثانية من أصول أفغانية تتولّى المهمة نفسها، ولكن مع المسلمين. وستكون مهمة الشابتين صعبة جدا في ظل حالة الحنق والغضب لدى الناخبين من تعاطي إدارة بايدن مع ملف الحرب في غزّة ومستجدات الحرب في لبنان.
حاولت هاريس أن تُعرب للعرب الذين التقتهم نصف ساعة فقط عن قلقها من تصاعد عدد القتلى في الحرب على غزّة، وعن مساعيها في منع اتّساع رقعة الحرب في المنطقة في حال انتخابها
وتظهر استطلاعات الرأي التي أجرتها منظمات عربية وإسلامية أن غالبية العرب، وبنحو يصل إلى 40%، سيصوتون لصالح مرشحة حزب الخضر (اليساري) يهودية الديانة جيل ستاين، التي ظهرت في مناسباتٍ وتجمّعات كثيرة مناهضة للحرب في غزّة وهي ترتدي الكوفية، وتردّد شعارات تدعو إلى إيقاف حرب الإبادة. وفي تجمّعٍ لها بنهاية الأسبوع الماضي، وضمّ مئات من العرب والمسلمين في ميشيغان، قالت المرشّحة جيل ستاين إن هاريس ستخسر الانتخابات "سيخسرون ما يكفي من الولايات المتأرجحة بحيث لا يفوزون، ولا يمكنهم الفوز". ستقتل ولايات حزام الصدأ أمل الديمقراطيين كما جرى مع هيلاري كلينتون، إذا ما صدقت نتائج استطلاعات الرأي وتنبؤات ستاين.
ولفهم الأمر، علينا النظر الى الإحصاءات السكانية ومدى تأثير العرب والمسلمين في رسم السياسة العامة لأميركا مع تزايد أعدادهم وتركزهم في ولايات متأرجحة تصوّت تارّة للديمقراطيين وأخرى للجمهوريين. في ميشيغان على سبيل المثال، توضح إحصاءات المعهد العربي الأميركي وجود نحو أربعمئة ألف عربي، يتركزون في عاصمة الولاية ديترويت، وتحديدا في مدينة ديربورن. ومع تصاعد حدة الغضب صوّت مائة ألف ديمقراطي خلال الانتخابات التمهيدية بعدم الالتزام بالإدلاء بأصواتهم لصالح جو بايدن قبل انسحابه. ولا يعني ذلك بالضرورة أن كل المصوّتين بعدم الالتزام كانوا من العرب، لكن في الوقت نفسه لا توجد أي بوادر تؤكّد أن حالة الغضب العامة قد انتهت، رغم إعلان بعض القادة المحليين تأييدهم هاريس خلال اللقاء القصير الذي جمعهم معها قبل أيام في الولاية.
لم تتناول كامالا الفلافل في ميشيغان، لكنها حاولت أن تُعرب للعرب الذين التقتهم نصف ساعة فقط عن قلقها من تصاعد عدد القتلى في الحرب على غزّة، وعن مساعيها في منع اتّساع رقعة الحرب في المنطقة في حال انتخابها، من دون أن تعطي أي تعهدات بدولة فلسطينية أو تطمينات للعرب بإيقاف التمدّد الإسرائيلي شبيهة بالتي أعطتها في اليوم الأول لترشّحها حين قالت في فيديو إنها تتعهد بأمن إسرائيل، وإنها وعندما كانت صغيرة تجمع التبرّعات لزراعة الأشجار في الشوارع الإسرائيلية، وفي تكتيك انتخابي لتعقيد الأمر أكثر على المرشّحة الديمقراطية، موّلت لجان عمل انتخابية تابعة للحزب الجمهوري حملات إعلانية عبر شركة غوغل استهدفت سكان ديربورن من العرب، تضمّنت فيديوهات تشكر فيها كامالا هاريس على وقوفها إلى جانب إسرائيل باعتبار هذا كان صائباً.
نحو 40% من العرب سيصوتون لصالح مرشحة حزب الخضر (اليساري) يهودية الديانة جيل ستاين
يقطن في ويسكونسن التي خسرها ترامب في الانتخابات الماضية بفارق 20 ألف صوت فقط لصالح بايدن سبعون ألف مسلم، بحسب قناة إن بي سي الأميركية. ووفقا لاستطلاع مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية، أجري في أغسطس/ آب الماضي، أكّد 40% من مسلمي الولاية الذين جرى استطلاع آرائهم أنهم سيمضون إلى التصويت لصالح مرشّحة حزب الخضر جيل ستاين، وسيعقّد هذا حالة الانقسام الديمقراطي أكثر، فأكثر من أربعين ألف شخص كانوا قد أعلنوا أنهم غير ملزمين بالتصويت في الانتخابات التمهيدية. وفي منتصف سبتمبر/ أيلول، عادت حملة غير ملزمين بالتصويت لتؤكّد رفضها إعلان تأييدها كامالا هاريس، رغم انسحاب بايدن من الانتخابات.
يقطن في بنسلفانيا 182 ألفا من العرب، وفقا لأرقام المعهد العربي الأميركي، ولا تنتاب العرب هناك حالة من الغضب من الإدارة الفيدرالية الديمقراطية فقط، ولكن أيضا من تعامل حاكم الولاية الديمقراطي جوش شابيرو مع الطلاب المتظاهرين الداعين إلى إيقاف الحرب وإعلانه الوقوف مع إسرائيل. ولإيضاح الفارق والمعضلة التي ستواجه الديمقراطيين هذا العام، بلغت الأصوات التي حصلت عليها مرشّحة حزب الخضر جيل ستاين العام 2016 في الولاية خمسين ألف صوت، قد تتعزّز بآلاف أخرى لتأكل من حصة الديمقراطيين أكثر.
يصوّت غالبية العرب والمسلمين، أسوة بباقي الأقليات في أميركا، لصالح الحزب الديمقراطي، وخسارة ولايات بنسلفانيا وويسكونسن وميشيغان تعني خسارة 44 صوتاً في المجمع الانتخابي، الأمر الذي يعني وبنسبة كبيرة خسارة الانتخابات الأميركية، وخاصة أن وضع ولايات متأرجحة أخرى تضم عشرات آلاف من العرب والمسلمين كأريزونا يعني حتمية خسارة الانتخابات.