نهاية العالم ووجوه الأمل

28 سبتمبر 2017
+ الخط -
بشّرتنا وسائل الإعلام، بنيرانها الصديقة، بأنّ نهاية العالم وشيكة، وقالت النبوءات: إنها ستقع في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر/ أيلول الجاري، أي قبل استفتاء كردستان بيومين. وليست هذه المرة الأولى التي يتنبأ فيها قرّاء فنجان القهوة الإكسبريس، السريعة، التي لا ثمالة فيها ولا طحل، وتذوب ذوباناً تاماً في أحماض العولمة، بنهاية الكوكب. ولم تكن للنبوءة صلة بالاستفتاء في كردستان أو كتالونيا، وكان الاستفتاء والانتخاب في هذه المنطقة من العالم يسببان حرجاً لإسرائيل التي تريد نفسها بطلةً وحيدةً، ويتيمةً، في الديمقراطية. ولهذا عطلت ثمار كل الانتخابات العربية، لكنها أعلنت سعادتها بالاستفتاء الكردي، وهي الوحيدة التي أعلنت مؤازرته، وذلك ولوغٌ للكلب في الإناء.
حديثنا هو حول نهاية العالم الوشيكة، وقد كثرت النبوءات، واقتربت الساعة، وللساعة في جميع الثقافات الإنسانية نهاية، لكن الأمل قاتل أحياناً. جادت النبوءات بحتف العالم، بعد أن تولى أحمقان رئاسة دولتين نوويتين، استئصاليتين، استأصلت إحداهما شعباً كاملاً من "الهنود الحمر"، واستأصلت الأخرى رأي شعبها استئصالاً مطلقاً. الرئيسان الأحمقان هما دونالد ترامب وكيم جونغ أون، ولم تكن فيروز تغني لهما، عندما غنّت أغنيتها يا "عاقد الحاجبين"، وقالت: ويلي من الأحمقين.
ودعا مذيعٌ، مبسوط الحاجبين، في إحدى القنوات المصرية الشعب إلى المبادرة إلى بيع ما يمكن بيعه، وتحويل الأموال غير المنقولة إلى منقولة، فالقيامة قادمة، وقد تنفع العملة الصعبة في العبور عبر البرزخ إلى الجنة بسهولة!
أما مديرية الكهرباء في اللاذقية، في صفحة منسوبة إليها، فقد توجهت إلى أهلها بهذا الرجاء، وتضرّعت إليهم قائلة: إن وسائل الإعلام "تتحدس" عن "ارططام" كوكبٍ لا ندري اسمه، بوطننا الحبيب سورية، ونحن، ومن مبدأ ربع الساعة الأخيرة، "وحرصن" على ضمان آخرة المواطن، فإنها تنصح المواطنين بضرورة ترشيد الطاقة.
وربع الساعة الأخيرة وصفٌ نُعتَ به الاستبداد الذي يدّعي أن البلاد كلها بخير، حتى في ربع الساعة الأخيرة، و"ماكو شي"، كما كان محمد سعيد الصّحاف يقول، بينما كانت أميركا في قلب بغداد. تابع منشور المديرية يهيب بالمواطنين: "عدم تشغيل جميع الأدوات الكهربائية التي بدون "لزمة"، من "حيس" ما معقول، تموت واللنبة شغالة، بدون حسيب والرقيب، الرجاء "الجزر"، ودفع الفاتورة المترتبة عليك، بالسرعة القصوى، حتى تدخل الجنة. انتهى الخطاب، من غير ذكر للمؤامرة، وتوقيعه كان كالتالي: اللاذقية، سلاسا وعشرين سنتنبر ألفين وصبعتعش.
ما أطول حبل أمل الإنسان، إنه أطول من حبل الكذب في هذه الأيام، وكان حبله قصيراً.
كنت أريد أن أقول: كل نهاية هي بداية جديدة، حتى القيامة ستكون بداية جديدة، والأمل أن يمضي استفتاء كردستان "النووي"، على خير. والعرب يعيشون في دول مستقلة كثيرة، وفي سورية المستقلة حنّت الرعية إلى الاستعمار حنين الناقة. وقد خُيّر عرب إسرائيل بين العيش تحت حكم أبي مازن، والعيش في إسرائيل، فاستعاذوا بالله من أبي مازن! ليس كل ما يلمع ذهباً. الأمل له نور ودخان. وفي الحديث "لا يزال قلب الكبير شابّاً في اثنتين: في حبّ الدّنيا، وطول الأمل".
كنت أريد أن أقول، وقد سُئلت مرة عن الشعب السوري، كيف يحيا تحت كل هذا القصف، الذي يعادل، في تصنيفات المصنفين، كل قنابل الحرب العالمية الثانية، وخمسين قنبلة نووية، فقلت: إنه طول الأمل، أو اليأس الأخضر. وأكاد أنتف شعري، وأعضُّ عيني، من كثرة احتفاء الإعلام السوري، والنخبة السورية، بقول المسرحي السوري سعد الله ونوس، بسبب الترفيع والتزكية الرسمية والدولية: "نحن محكومون بالأمل"، وكنت أراه قولاً خالياً من البلاغة، وفي العربية أجمل منه بكثير، وأرى فيه تمجيداً لمثقفٍ تحبُ السلطة أن تراه نجماً. وكانت السلطة تختار معارضتها من القرابة، يا عنيّد يا يابا، وكنت أرى أنّ لله جنوداً من أملٍ وعسل، لكن من الأمل ما قتل، وأنّ الأمل يلهي، وأنّ أمل الملوك بلا حدود، وأنّ الشعوب من ذوي الأمل المحدود، وأنه "يهلك آخر هذه الأمة، بالبخل والأمل"، ولعل ونّوس كان صادقاً، فبشار كان يلقب بالأمل، وباسل بالمَثَل.
وهكذا يكون قد صدق: نحن محكومون بالأمل حكماً عرفياً، إلى الأبد، أو بقدر ربع ساعة أخيرة.
دلالات
أحمد عمر
أحمد عمر
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر