نماذج من التشبيح السوري

02 سبتمبر 2023
+ الخط -

ينقسم الشبّيحة السوريون الثائرة ثائرتهم من المظاهرات الحالية في السويداء في جنوب سورية (وصلت إلى مرحلة متقدّمة جدا من الاحتجاجات، حيث تبدو المحافظة كما لو أنها متحرّرة من سيطرة نظام الأسد)، إلى قسمين رئيسين، بينهما نماذج أخرى لا تشكّل ظواهر، بل تقترب لأن تكون تنويعا ضروريا على النوعين الأساسيين في التشبيح الذي تعمّق وتجوهر منذ بداية الثورة السورية في مارس/ آذار 2011.

النوع الأول، الشبيح الأصلي (typical)، الذي يتحدث بلهجة خالية من الحذلقة اللغوية، مستخدما لهجته الأصلية الريفية في التهديد (يطعّمها أحيانا بمفردات مدينية سرعان ما تهرُب منه حين يزداد غضبه)، ويستخدم منطوقه اليومي في الكلام والشتائم من دون أي محاولات منه للتهذّب (باعتباره أمام الكاميرا أو الفيديو في بثّ مباشر للجماهير المحتجّة التي ستهلع وترعوي ما أن يطلق سيل شتائمه وتهديداته)، ومستخدما أيضا خطابه الطائفي الصريح، وهو يلوّح بسلطته وقوته وقدرته على السحق والمحق والقتل والتدمير، ويطالب الدولة بالوقوف الحاسم في وجه الخارجين عنها، والقضاء عليهم تحت كل "الرايات" الممكنة (وهو أمرٌ لا تنساه دولته ولا رئيس دولته الذي قال في آخر مقابلة له مع "سكاي نيوز عربية" إنه لن يتوانى عن فعل ما فعل في 2011 لو عاد السوريون إلى الاحتجاج).

يبدو هذا النموذج كما لو أنه خرّيج "الفرقة الرابعة" الشهيرة في سورية، والتي يقودها ماهر الأسد، وهي الأكثر عنفا وشراسة وطائفية ودموية من بين كل الفرق العسكرية والأمنية السورية، وهي أيضا الفرقة التي تتولّى صناعة حبوب الكبتاغون وتحتكر تجارته، كما يعرف جميع السوريين. لا تفقه هذه الفرقة شيئا عمّا هو خارج القتل والعنف، لا علاقة لها بالسياسة ولا بدبلوماسية الطرح والخطاب ولا بالمداراة. عناصرها يقدّمون أنفسهم كما هم، استعلائيون يرون أن الوطن لهم فقط بوصفهم أسياده وأسياد من يعيشون فيه، لديهم. هذا يعني أن كل من يعترض ولو بالكلام لا يستحقّ العيش في هذا الوطن العظيم، وعليه فإن دمه مباح.

النموذج الثاني شبّيح يدّعي الثقافة، وهو يمثل مؤسّسات الدولة والنظام، خطابه متحذلق ومفرداته مدروسة. لا يقترب فيها من الكلام الطائفي، ذلك أنه يتحدّث باسم كل المستفيدين من النظام ومن الوضع الحالي من كل الطوائف (والفسيفساء) السورية. يستخدم هذا النموذج اللهجة السورية البيضاء المطعّمة بمفرداتٍ من الفصحى اللبقة الدبلوماسية، ويعتمد الأسلوب ذاته الذي يستخدمه رأس النظام بشّار الأسد في أحاديثه وخطاباته، الطريقة الركيكة نفسها في الإسهاب عند شرح فكرة سخيفة وساذجة، كما لو أنه معلّم في مدرسة ابتدائية، يرى أن التلاميذ على درجةٍ عاليةٍ من الغباء، وعليه أن يستفيض في الشرح، كي يستوعبوا الدرر التي ينطق بها. لذلك لا نسمع منه شتائم مباشرة ولا تهديدات صريحة بالقتل والموت، لكنه يحاول، عبر خطابه، وضع المخاوف أمام الجماهير، متّخذا من الموضوعية السياسية ذريعةً لمداراة تشبيحه، فهو لا يرى مانعا من الاحتجاج على الغلاء وسوء المعيشة، لكن من الواجب على المحتجّين الالتحاق بدورات وطنية لمعرفة أصول الاحتجاج، كي لا يتوهوا عن النموذج المطلوب. لا خطوط حمر لدى هذا الشبّيح سوى آل الأسد والجيش العربي السوري والمؤسّسات الأمنية، ودور كل هؤلاء في الفساد والخراب. أما ما عدا ذلك فلا بأس من الاحتجاج والاعتراض، وحتى السخرية.

بين هذين النموذجين، ثمّة نماذج أخرى أكثر راديكالية، فهناك الذي يختصر الأمر من دون كلام ويبدأ بالقتل المباشر من دون سابق إنذار كعقوبة رادعة. وهناك المثقف النوعي الذي يعارض كل شيء، لكنه لو أتيح له استلام السلطة يوما واحدا لقضاها في نصب المشانق والمقاصل لكل من يخالف وجهة نظره. وهناك من يدور في فلك الاثنين، يعارض ويساند من دون خوف، فهو يستند إلى طائفته، وإلى صورة السيد الرئيس التي يزيّن بها صفحاته على وسائل التواصل وشاشة حاسوبه وهاتفه، نوعا من الولاء الحامي من العقاب.

ظهرت كل هذه النماذج بوضوح شديد في الأسبوعين الماضيين بعد بدء الاحتجاجات في السويداء، ذلك أن ما يحدُث هناك خارج استيعاب الجميع، فلم يخرُج المحتجّون من الجوامع، ولم يردّدوا شعارات دينية. وتمتلئ الساحات بالنساء والفتيات السافرات، ويرفعون كل الأعلام التي يحملها السوريون دائما. ومع ذلك، لا يضعون خطوطا حمراء في هتافاتهم، ويطالبون بإسقاط النظام ورحيل آل الأسد. أليس هذا أمرا يستدعي العجب ويجعل الشبّيحة يتوهون في السبب؟

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.